المعارضة السورية.. الخروج من ثنائية عسكر- رجل دين

tag icon ع ع ع

أحمد عسيلي

شهد فندق “الإرميتاج”، في 22 من آذار الماضي، اجتماعًا لقوى وتيارات سياسية سورية متعددة، أعلنت بعدها عن تأسيس تحالف المواطنة السورية المتساوية (تماسك)، وهو تحالف ضم 34 تيارًا وحزبًا وتجمعًا سوريًا.

لم تكد تمضي 24 ساعة، حتى شهد انشقاقات وانسحابات عدة، منها انسحاب “رابطة الصحفيين السوريين” (قالت إنها ليست جزءًا بالأصل من التحالف) و”الحزب الشيوعي السوري” (المنحل وفق القانون) لأن الحزب يرفض القرار “2254” (يبدو أنه لم يستوعب بعد أن نظام الأسد قد سقط)، لتتوالى بعدها البيانات والتوضيحات من جهات متعددة ذكرت أن اسمها زج في هذا البيان دون استشارتها!

بكل حال، توجد العديد من إشارات الاستفهام حول القوى التي وقعت على البيان، فصفحة “التيار الثالث من أجل سوريا” في “فيس بوك” ما زالت ترفع علم النظام السابق، وتعرف نفسها بأنها جزء من “جبهة التغيير والتحرير”، مع أن الاثنتين وقعتا على البيان بشكل منفصل، والجبهة هي أساسًا تحالف بين “الحزب السوري القومي”، جماعة علي حيدر، و”تيار الإرادة الشعبية” جماعة قدري جميل (وقعا بشكل منفصل أيضًا)، فهل توقيع “جبهة التحرير” ما زال قائمًا بعد انسحاب علي حيدر منه؟

ومع كل تلك الأسئلة، ورغم كل ما أحاط تأسيس هذا التحالف من أخطاء تنظيمية وبنيوية، يعتبر هذا التحالف بمثابة خطوة إلى الأمام في المشهد السياسي السوري، ولتوضيح ذلك دعونا نبدأ بهذا الاستعراض البانورامي للحالة السياسية:

تأسس حكم الأسد على السلطة المطلقة وعدم إمكانية معارضته، فالأسد كان أبًا للوطن، كما كانت البروباغندا الإعلامية تحاول رسمه، الأخ الكبير الحاضر في كل زوايا الحياة السياسية، يستمد قوته من السلطة العسكرية التي يجسدها ويمارسها كقائد عام للجيش، متشابكة مع سلطة دينية طائفية باعتباره حامي الطائفة، والضامن لإحكام سيطرتها على البلاد، لذلك بنية النظام الصلبة كانت قائمة على الولاء بصيغتها العسكرية الطائفية خاصة.

سقط نظام الأسد القمعي، فصار للسلطة التي أسقطته شرعية النصر العسكري، وهو ما عبرت عنه هذه السلطة بكل وضوح كعادتها، فهي تملك (بغض النظر عن أي رغبة) شرعية المرحلة الانتقالية، مع حالة تماهٍ شديد معها من قبل قطاع عريض من الشارع السوري بفضل هذا النصر، ربما ستزداد حالة التماهي هذه مع الزمن أو تقل، لكنها ستبقى بالنسبة للكثير من السوريين تحمل مكانة رمزية عالية، أيضًا بسبب مكانتها الرمزية المستمدة من هزيمة الأسد العسكرية أساسًا، ومكانتها الطائفية لحد ما باعتبارها أعادت للطائفة السنية دورها.

هذا على مستوى السلطة، أما على مستوى المعارضة، فقد انقسمت إلى نوعين يشبهان السلطة في المكانة، لأننا ما زلنا في الرمزية العسكرية- الطائفية، ففي السويداء تولى المعارضة بشكل أساسي الهجري، وهو شيخ عقل طائفة له مكانته الرمزية، وبالتالي لا يمكن التعامل معه كسياسي عادي، فالسخرية منه مثلًا (نعم تجوز السخرية عادة من السياسيين) ستؤول إلى سخرية من مكانته الرمزية باعتباره شيخ عقل، التعامل مع تصريحاته يجب أن تكون بحذر شديد حتى من أبناء الطائفة أنفسهم، هذا الموقف ينطبق على جميع المراجع الدينية في السويداء، حتى (بل وخاصة) على سياسيي الطائفة أنفسهم.

لو عدنا سنة إلى الوراء، إلى خلاف نشأ مرة بين ماهر شرف الدين، وهو رجل سياسة يعبر عن موقف قطاع عريض من أبناء السويداء وبين شيخ العقل يوسف الجربوع حول مظاهرات ساحة الكرامة، واستمعنا إلى ردود ماهر شرف الدين وطريقة كلامه الحريصة جدًا مع يوسف الجربوع، ندرك حساسية الأمر، فهو بالنهاية يتكلم مع مرجعية دينية بكل رمزية الرداء والعمامة والمكان.

هذا الموضوع ينطبق أيضًا على بعض مشايخ الطائفة العلوية، وإن كان بشكل أقل، لأن لا رجال دين بالعلوية بالمعنى الإكليروسي للكلمة، لكن ومنذ سقوط النظام ونحن نسمع بيانات مشايخ الطائفة العلوية، وقد صارت لهم مكانة سياسية بحكم الأمر الواقع.

أما في شرقي البلاد، فمظلوم عبدي هو الوريث المعنوي لقوات البيشمركة، الجانب المسلح في نضال الشعب الكردي لنيل حقوقه، تلك القوات التي تحمل قدسية عالية في النفسية الكردية، وعبدي جنرال في تلك القوات، بكل ما تحمله هذه الصفة من رمزية، فهو الذي يحمل روحه على كفه، ومستعد للتضحية بحياته من أجل القضية.

طرفا المعارضة إذًا يحملان أهمية رمزية: عمامة– لباس عسكري، ويعبران عن جهة لها قدسية بيشمركة- مشيخة العقل، ويعبران عن آرائهما من موقع له مكانة (دارة قنوات، مقام عين الزمان، مسجد، هيئة أركان) وبالتالي هنا لا يخاطبون وعي السوري، بل يخاطبون لا وعيه عبر تلك المكانة الرمزية، وحين يصبح اللاوعي هو المحرك الأساسي للمواقف، تصبح السياسة قد انتهت بالمعنى النفسي للكلمة.

ومن هنا تحديدًا تأتي أهمية تحالف “تماسك”، فالاجتماع جرى في دمشق العاصمة، بفندق عام، لا يحمل أي أهمية رمزية تثقل على السوري في التعبير عن موقفه منه، والعامل الأهم، أنه خاطب وعي السوري فقط، فلا أحد من هؤلاء الموقعين يحمل أهمية رمزية دينية أو عسكرية، أو جاء على أساسها على الأقل، يمكن لأي سوري أن ينتقد أو حتى يسخر من هؤلاء الموقعين دون الكثير من الحساسية. أصلًا الكثير منهم لديه تاريخ طويل من تحمل السخرية.

بالإضافة إلى كل ذلك، هذا الشكل الهش من الاجتماع وهذه اللغة الميتة، تشكل مرآة حقيقية للحالة السياسية في بلد لم تشهد عاصمته أي حراك حقيقي منذ نصف قرن.

هذا هو واقعنا الحقيقي، وقدرتنا الفعلية على المعارضة، فلو جاء هذا الاجتماع بشكل مهني وبصورة متطورة كما حصل مع تشكيل تحالف الجبهة الشعبية في فرنسا بعد انتصار اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوربي، لكانت الأمور هنا خارج أي منطق علمي، لذلك أعتقد أن اللقاءات المقبلة ستكون أفضل فيما لو استمرت حالة الحريات الحالية، وهو ما نتمناه جميعًا، فتشكيل جبهة معارضة حقيقية وقوية، تعد ضرورة لبناء أي بلد ديمقراطي، فللمعارضة دور في الحكم لا يقل أبدًا عن دور السلطة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة