“النقد مقابل العمل”.. كيف ينعكس على الاقتصاد السوري

منزل مرمم حديثًا بين الدمار في مخيم اليرموك بدمشق 10 شباط 2025 (عنب بلدي/عمر علاء الدين)

camera iconمنزل مرمم حديثًا بين الدمار في مخيم اليرموك بدمشق - 10 شباط 2025 (عنب بلدي/عمر علاء الدين)

tag icon ع ع ع

صدر تقرير عن المعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS)، في 17 من آذار الحالي، يدعو إلى استخدام برنامج “النقد مقابل العمل” لإعادة إعمار سوريا وضمان تعزيز السلم الأهلي، بعد سنوات من الصراع في سوريا.

برنامج “النقد مقابل العمل” هو نوع من المساعدات النقدية والقسائم تهدف إلى توفير الدخل للأشخاص بعد وفي أثناء الأزمات الإنسانية.

وتشمل أنشطة “النقد مقابل العمل” إصلاح الطرقات وإزالة الأنقاض أو إعادة بناء مرافق المياه والصرف الصحي مقابل أجر.

التقرير الذي أعده كل من تينا زينتل وماركوس لوري، حدد ثلاث فوائد لبرنامج “النقد مقابل العمل” وتطبيقه في سوريا، بدءًا من إعادة الإعمار المادي، إلى خلق فرص العمل والحماية الاجتماعية، وتنمية المهارات وتعزيز التماسك الاجتماعي.

ما انعكاسه على سوريا

يرى نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة “حماة”، عبد الرحمن محمد، أن برنامج “النقد مقابل العمل” يمكن أن يكون أداة فعالة لتحسين الظروف المعيشية وتعزيز الاقتصاد المحلي في سوريا، خاصة في المناطق التي تعاني من دمار كبير.

وأشار إلى أن “النقد مقابل العمل” يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية أوسع تعالج قضايا البطالة والفقر بشكل مستدام، مع تعزيز القدرات المحلية وضمان الشفافية في الإدارة.

وأوضح عبد الرحمن خلال حديث لعنب بلدي، أن لهذا البرنامج انعكاسات إيجابية وسلبية على الاقتصاد والمجتمع في آن واحد.

الانعكاسات الإيجابية:

  •  تحسين الدخل المعيشي: يوفر البرنامج فرص عمل مؤقتة للأفراد، مما يساعدهم على تحسين دخلهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، كما تساهم في زيادة القوة الشرائية للأفراد يمكن أن تنعش الأسواق المحلية وتعزز النشاط الاقتصادي.
  •  إعادة بناء البنية التحتية: يركز البرنامج على مشاريع إعادة الإعمار غالبًا مثل إصلاح الطرق، والجسور، والمدارس، والمستشفيات، مما يساهم في تحسين الخدمات العامة وجودة الحياة…، وهذه المشاريع يمكن أن تعيد تشغيل بعض القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالبناء والخدمات.
  •  تعزيز التماسك الاجتماعي: ويتم ذلك من خلال إشراك المجتمع المحلي في المشاريع، يمكن للبرنامج أن يعزز الشعور بالانتماء والتعاون بين الأفراد، كما يساهم في توفير فرص العمل ويمكن أن يقلل من التوترات الاجتماعية الناتجة عن البطالة والفقر.
  •  تحسين المهارات: إن المشاركة في المشاريع يمكن أن توفر فرصًا لتعلم مهارات جديدة أو تحسين المهارات الحالية، مما يعزز فرص العمل المستقبلية.

الانعكاسات السلبية:

  •  الاعتماد على المساعدات الخارجية: قد يؤدي الاعتماد المفرط على مثل هذه البرامج إلى إضعاف القدرة المحلية على إدارة الاقتصاد بشكل مستقل، وقد يصبح المجتمع معتمدا على المساعدات الخارجية بدلاً من تطوير قطاعات إنتاجية محلية.
  •  عدم الاستدامة: إن البرامج المؤقتة قد لا توفر حلولًا طويلة الأمد لمشكلات البطالة والفقر، وبمجرد انتهاء التمويل، قد يعود الأفراد إلى وضعهم السابق إذا لم يتم تطوير قطاعات اقتصادية مستدامة.
  • التأثير على سوق العمل: قد يؤدي توفير فرص عمل مؤقتة إلى تشويه سوق العمل، حيث قد يفضل الأفراد العمل في هذه المشاريع بدلًا من البحث عن وظائف دائمة أو تطوير مهاراتهم، وقد يؤثر ذلك سلبًا على القطاعات الأخرى التي تعاني من نقص في العمالة.
  • التحديات الإدارية والفساد: في ظل ضعف المؤسسات الحكومية، قد تكون هناك صعوبات في إدارة البرنامج بشكل فعال وشفاف، وإن خطر الفساد وسوء توزيع الموارد قد يقلل من فعالية البرنامج ويخلق توترات اجتماعية.

قابلية التطبيق

تطبيق “النقد مقابل العمل” يواجه تحديات، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، بحسب ما يراه نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة حماة، وأبرز التحديات التي ستواجه تطبيقه تتمثل في:

  •  نقص السيولة النقدية: تعاني سوريا من أزمة سيولة حادة، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، وهناك نقص في القطع الأجنبي.

تمويل برنامج “النقد مقابل العمل” يتطلب موارد مالية كبيرة، سواء من الحكومة أو المنظمات الدولية، وهو ما يصعب توفيره في ظل الأزمة الاقتصادية.

  • الفساد: تعاني سوريا من انتشار الفساد، مما قد يؤدي إلى سوء توزيع الموارد وعدم وصولها إلى الفئات المستهدفة، وهذا يقلل من فعالية البرنامج ويثير شكوكًا حول نجاحه.
  • الظروف الأمنية والسياسية: لا تزال بعض المناطق غير مستقرة أمنيًا، مما يعوق تنفيذ المشاريع بشكل فعال، وإن التقسيمات السياسية والصراعات الداخلية قد تعوق توزيع الموارد بشكل عادل.
  • ضعف البنية التحتية المالية: إن النظام المصرفي السوري يعاني من ضعف كبير بسبب العقوبات الدولية، مما يعوق تحويل الأموال وتوزيعها بشكل فعال، وقد تكون هناك صعوبات في صرف الرواتب للمشاركين في البرنامج، خاصة في المناطق النائية.
  •  الاعتماد على التمويل الخارجي: تعتمد سوريا بشكل كبير على المساعدات الخارجية، ولكن العقوبات الدولية قد تحد من قدرة المنظمات الدولية على تمويل مثل هذه البرامج، وإن التمويل الخارجي قد يكون مشروطًا بضغوط سياسية، مما يعقد عملية التنفيذ.

حلول ممكنة

رغم التحديات التي ستواجه برنامج “النقد مقابل العمل”، يطرح نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية في جامعة حماة عبد الرحمن محمد، حلولًا لتطبيقه عبر ما يلي:

  • الاعتماد على المنظمات الإنسانية الدولية لتوفير التمويل اللازم، مع ضمان أن تكون هذه المنظمات محايدة وغير خاضعة للعقوبات، كما يمكن توجيه التمويل نحو مشاريع صغيرة ومحدودة النطاق.
  • في ظل نقص العملات الأجنبية، دفع الرواتب بالليرة السورية، مع مراعاة التضخم وضمان أن تكون القيمة كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.
  • استخدام بدائل مثل القسائم الإلكترونية أو المساعدات العينية (مثل الغذاء والأدوية) كجزء من البرنامج.
  • تنفيذ مشاريع صغيرة قابلة للتنفيذ بموارد محدودة، مثل إصلاح الطرق المحلية، تنظيف الأحياء، أو إعادة تأهيل المدارس، فهي لا تتطلب تمويلًا ضخمًا ويمكن أن تنفذ بسرعة.
  • وضع آليات لضمان الشفافية في توزيع الموارد، مثل إشراك المجتمع المحلي في الإشراف على المشاريع.
  • دمج برنامج “النقد مقابل العمل” مع جهود إعادة الإعمار، مما يخلق فرص عمل دائمة ويعزز الاقتصاد المحلي.

استدامة “النقد مقابل العمل”

من جهته، اعتبر الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور أيمن الدسوقي، الخطة المقترحة من قبل المعهد الألماني للتنمية والاستدامة، أنها مؤشر غير إيجابي من جهة رفع العقوبات عن سوريا في المدى القريب، إذ سيقتصر ذلك على استثناءات ورخص مؤقتة من العقوبات.

وخلال حديث لعنب بلدي، قال الدسوقي، إن ملف إعادة الإعمار كان ولا يزال مؤجلًا إلى حين، وبالمقابل هنالك مرونة تجاه مشاريع التعافي المبكر كغطاء لتدخلات تصنف أنها ما دون إعادة الإعمار لضمان حد ما من الاستقرار في سوريا.

وتابع أن برنامج “النقد مقابل العمل” المقترح من قبل المعهد الألماني يندرج ضمن برامج المساعدة النقدية خلال مرحلة التعافي المبكر، تلك الموجهة إلى تحفيز الاقتصادات المحلية وتحسين قدرة الوصول للخدمات الأساسية، من خلال تعزيز القدرة الشرائية للفئات المستهدفة وتحفيز الأسواق المحلية وإصلاح البنية التحتية.

الدسوقي أوضح أن العديد من الجهات المانحة والمنظمات السورية قامت بتدخلات تندرج ضمن سياق “النقد مقابل العمل”، لكن كانت النتائج غير مستدامة بفعل عوامل عدة.

وأشار الباحث في الاقتصاد السياسي إلى أهمية دراسة التجارب السابقة لمعرفة العوامل المقيدة وتلك المساعدة على نجاح تدخلات كهذه، كذلك عدم الاكتفاء بمقاربات تقليدية ضمن برامج “النقد مقابل العمل” لدعم التماسك المجتمعي والسلم الأهلي.

يتطلب الأمر مقاربة أشمل حوكمية ومجتمعية وثقافية مدمجة ببرامج “النقد مقابل العمل”، وكذلك من المهم تحفيز الاقتصاد المحلي الإنتاجي ضمن تدخلات “النقد مقابل العمل”، وأثر التدفقات النقدية على قضايا أخرى تتعلق بالتضخم، وما سبق مهم كي لا تكون تلك البرامج دون أثر مستدام، بحسب الدسوقي.

50 عامًا للتعافي

قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا على الأقل، لاستعادة المستويات الاقتصادية للبلاد في مرحلة ما قبل الحرب في حال حققت نموًا قويًا.

وذكر التقرير الأممي، في 20 من شباط، أن سوريا خسرت نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي خلال 14 سنة من الحرب في سوريا، مشيرًا إلى ضرورة زيادة معدل النمو الاقتصادي بسرعة خلال العقد المقبل لضمان التعافي.

وبحسب التقرير، فإن 14 سنة من الحرب أدت إلى تأخر التقدم الاقتصادي والاجتماعي في سوريا بنحو 40 عامًا، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 50%، وارتفع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 66%.

وقال التقرير إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة عاطل عن العمل.

ولفت إلى أن 75% من السكان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، تشمل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف والأمن الغذائي والمياه والطاقة والمأوى.

وأشار إلى أن إنتاج الطاقة في البلاد انخفض بنسبة 80% وتضرر 70% من محطات توليد الكهرباء، ما أدى إلى انخفاض قدرة الشبكة الوطنية بنسبة 75%.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة