تلوث واعتداءات تطول السكان وعمال النظافة

“نبّاشون” دون رقيب في أحياء دمشق

وجود عدد من النباشين بالقرب من حاويات القمامة في منطقة دويلعة بدمشق- 18 آذار 2025(عنب بلدي/كريستينا الشماس)
tag icon ع ع ع

عنب بلدي – كريستينا الشماس

“صباحًا من كل يوم، نأتي مع سيارة نقل القمامة، يندفع نحونا النباشون، نقف متفرجين لا يمكننا فعل شيء، فإذا تعرضنا لهم يعتدون علينا”، هكذا نقل عامل النظافة أحمد فاتح، المعاناة التي يتعرض لها عند قيامه بعمله في تفريغ حاويات القمامة بمنطقة دويلعة في دمشق.

وتشهد غالبية مناطق دمشق وريفها ظاهرة انتشار “النباشين”، الذين يستولون على حاويات ومكبات النفايات على مدار اليوم، متناوبين بين بعضهم للحصول على أكبر قدر ممكن من بقايا الزجاج والبلاستيك أو ما شابه.

يعاني أهالي المناطق السكنية من انتشار “النباشين” في أحيائهم، فبعد إفراغ حاويات القمامة من قبل ناقلات تابعة لمديرية نظافة دمشق، يعودون من جديد لنبش (تفريغ) أكياس القمامة، بحثًا عن حاجتهم من الزجاج والبلاستيك، ثم يتركون الأكياس ملقاة على أطراف الأرصفة، فضلًا عن الروائح الكريهة المنبعثة منها.

وبحسب إفادة الأهالي الذين قابلتهم عنب بلدي، في منطقتي دويلعة وكشكول، وهما من الأحياء العشوائية في محيط العاصمة من الجهة الشرقية، فإن النفايات تنتشر في شوارع الحيين باستمرار، خاصة عند مواقع الحاويات، بسبب العبث بها من قبل “النباشين”.

ورغم شكاوى الأهالي المستمرة لاتخاذ إجراءات مناسبة، فإن مطالبهم لم تجرِ الاستجابة لها حتى لحظة تحرير هذا التقرير.

من “النباشون”؟

مجموعة من الأشخاص “المجهولين” يقومون بنبش أكياس القمامة في الحاويات، بحثًا عن مواد قابلة لإعادة التدوير من النفايات الصلبة، أي تجميع قطع البلاستيك والألمنيوم والزجاج، ومن ثم فرزها وبيعها في السوق السوداء لجهة غير معروفة سواء بالقطعة أو بالكيلو.

غالبية الأشخاص الذين يقومون بنبش القمامة هم تحت السن القانونية، ويمارسون عملهم بطريقة غير قانونية، فلا يوجد أي ترخيص من مديرية النظافة يسمح لهم بالقيام بهذه الممارسات.

ولا يقتصر عملهم على النبش في حاويات القمامة بالأحياء السكنية فقط، بل يمتد بالتوغل بشكل دائم في مكب النفايات بمنطقة “الإدعشرية”، وغيرها من محطات نقل النفايات.

وبحسب إفادة طارق بيدو، أحد سكان منطقة كشكول، فإن “النباشين” الذين يترددون إلى حيهم السكني يحتكرون المنطقة، فلا يسمحون لمجموعة أخرى من “النباشين” بالدخول إليها، وهذا ينطبق على مناطق أخرى.

وجود النباشون في مكب نفايات الإدعشرية بالقرب من باب شرقي في دمشق - 12 آذار 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)

وجود النباشون في مكب نفايات الإدعشرية بالقرب من باب شرقي في دمشق – 12 آذار 2025 (عنب بلدي/كريستينا الشماس)

اعتداءات على السكان وعمال النظافة

تعرضت ريم العبد لـ”كلمات بذيئة، وتهديد بالضرب إذا تعرضت لهم مرة أخرى”، بحسب قولها.

ريم تسكن منطقة الدويلعة في دمشق، وتوجد بقرب منزلها حاوية قمامة، إذ يعمد “النباشون” إلى بعثرتها على الأرصفة، ما يتسبب بتلوث الشارع، الأمر الذي دفعها للتحدث معهم لإيقافهم، لكنهم هاجموها، بحسب ما ذكرته لعنب بلدي.

عامل النظافة عمر حمود، أكد تسجيل اعتداءات متكررة على عمال النظافة بسبب إزالتهم أكياس القمامة قبل انتهاء “النباشين” من استخلاص مواد تهمهم بداخلها.

“تعرضت لإصابة في رأسي بعد مهاجمتي من أحد النباشين وضربي بقطعة زجاج، فقط لأنني مارست عملي بأخذ أكياس القمامة”، قال “أبو محمد”، أحد العاملين السابقين في مديرية نظافة دمشق.

أضاف العامل أن “النباشين” يعتبرون أنفسهم أوصياء على كل قطعة يمكن أخذها من القمامة، وقابلة لإعادة التدوير والبيع.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع عدد من “النباشين” للحديث عن أوضاعهم لكنهم رفضوا التصريح بأي معلومة.

من يقف خلفهم؟

يتساءل الأهالي الذين قابلتهم عنب بلدي عن المسؤول عن محاسبة وضبط ممارسات “النباشين”، بعد مناشدات عديدة لم يسمع لها صدى.

أحد العاملين السابقين في مديرية النظافة بدمشق، فضّل عدم ذكر اسمه، قال لعنب بلدي، إن هناك مجموعة من الأشخاص تدير عمل “النباشين” وتستغل أوضاعهم المادية المتردية، ومقابل القطع التي يجمعونها يعطونهم مبلغًا يساوي “قشورًا” مقارنة بالأرباح.

بحسب قول العامل، فإن عمل “النباشين” غير قانوني، ورغم ذلك لم يجرِ خلال فترة حكم النظام السابق أخذ إجراءات صارمة تجاههم.

ما الحل؟

المشرف العام على قطاع البيئة في مديرية نظافة دمشق، صبري عباس، صرح لعنب بلدي أنه سيتم التعامل مع ظاهرة “النباشين” من خلال منع وجودهم في محطات نقل النفايات أيًا كان موقعها، إذ ستوضع هذه المحطات في الاستثمار، وبالتالي لن يكون هناك مكان لـ”النباشين”.

وفيما يخص وجود “النباشين” في الأحياء السكنية، بيّن عباس أن من الخطط المستقبلية التي تعمل عليها مديرية النظافة في محافظة دمشق، إنشاء حاويات ذكية “تحت الأرض”، فبحسب الدراسة المبدئية للمشروع، تم تحديد 100 موقع لهذه الحاويات، للحد من تراكم القمامة في معظم المناطق السكنية، وإنهاء ظاهرة “النباشين”.

أمراض وطرق التعرض لأخطار النفايات

بحسب دراسة نشرتها المجلة العربية للنشر العلمي بعنوان “تأثير النفايات الصلبة على المجتمع المحلي“، قد يتعرض الشخص لأخطار صحية بسبب النفايات عبر عدة طرق، مثل:

• الملامسة، مثل ملامسة النفايات لجلد الشخص أو أغشيته المخاطية.
• الاختراق، مثل وخز الشخص بإبر مستعملة، أو جرحه بنفايات معدنية حادة.
• البلع، مثل تناول طعام أو شرب ماء أو سوائل قد تسربت لها النفايات، مثل شرب ماء تلوث بتسرب من مياه الصرف الصحي.
• التنفس، عبر استنشاق الرذاذ الملوث بالمواد الكيماوية من النفايات أو الجراثيم، أو استنشاق الهواء الملوث بالغبار.

وأشارت الدراسة إلى أن التعامل المباشر وملامسة النفايات قد يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض منها:
التعرض للجراثيم من البراز: مثل بكتيريا “إي كولاي” و”السالمونيلا”، وفيروسات قد تؤدي إلى التهاب الأمعاء، وأيضًا التعرض لفيروس التهاب الكبد “إيه” الذي ينتقل عبر تناول طعام ملوث ببراز شخص مصاب.

الطفيليات التي ترتبط مع فضلات الحيوانات: مثل الذي يوجد في براز القطط بشكل خاص، ويؤدي إلى الإصابة “بداء المقوسات”، الذي إذا أصيبت به الحامل فإنه قد ينتقل للجنين ويؤدي إلى مضاعفات خطيرة.

الجراثيم من بؤر الحيوانات مثل القوارض: مثل داء “البريميات”، وهي عدوى ترتبط ببول الجرذان، وقد تقود إلى اليرقان والتهاب السحايا وحدوث تلف في الكلى.

الفيروسات التي تنتقل عبر الدم: كالتهاب الكبد الفيروسي “بي” و”سي”، وفيروس “إتش آي في” المسبب لمتلازمة نقص المناعة المكتسب (إيدز). وهذا يحدث عبر وخز الشخص بإبر ملوثة بالفيروسات، وهي مشكلة تواجه خاصة من يتعاملون مع النفايات الطبية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة