اتفاق عبدي- الشرع لم يبرّد الجبهات شرقي حلب

مدرعة عسكرية تتوغل في قرى شرقي منبج بعد انسحاب فصائل الجيش الوطني السوري - 23 كانون الأول 2024 (قسد)

camera iconمدرعة عسكرية تتوغل في قرى شرقي منبج بعد انسحاب فصائل الجيش الوطني السوري - 23 كانون الأول 2024 (قسد)

tag icon ع ع ع

تعود لحظة انطلاق المعارك العسكرية شرقي حلب لنهاية العام الماضي، قبيل سقوط النظام السوري بأيام، وتركزت بين “قسد” و”الجيش الوطني”، في حين وقفت الإدارة السورية الجديدة موقف الحياد منها، في وقت كانت تخوض فيه مفاوضات لإقناع قيادة “قسد” بالاندماج مع الجيش السوري الجديد.

ومن المفترض اليوم أن “الجيش الوطني السوري” لم يعد موجودًا ككتلة عسكرية، بعد أن وافق على حل نفسه، في 29 من كانون الثاني الماضي، عندا أعلنت فصائل “الجيش الوطني”، خلال مؤتمر “النصر”، قبولها الاندماج ضمن وزارة الدفاع السورية، لكن المواجهات العسكرية لم تتوقف شرقي حلب.

وفي 10 من آذار الحالي أيضًا، عقد الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، لقاء مع قائد “قسد”، تضمن اتفاقًا ينص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية.

ورغم أن الكتلتين العسكريتين وافقتا على الاندماج بالجيش السوري، لا تزال المعارك العسكرية مستمرة، ولا يزال الجيش التركي يقصف بشكل يومي مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا.

الاستهدافات التركية لـ”قسد” تندرج ضمن اعتبارها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المدرج على لوائح الإرهاب من وجهة نظر أنقرة، وتهاجم مناطق سيطرتها منذ سنوات تحت هذه الأسباب، لكن المواجهات العسكرية بين “الجيش الوطني” سابقًا، و”قسد” التي توشك على الاندماج في مؤسسات دمشق، تعتبر حالة معقدة.

المعارك مستمرة

لا تزال المعارك العسكرية بين الطرفين مستمرة حتى اليوم، دون أي تقدم أو تراجع لطرف على حساب الآخر، وتقتصر هذه المعارك على القصف المتبادل، والاستهدافات المتفرقة هنا وهناك، دون أي تعليق رسمي من دمشق حولها.

ونشرت “قسد” اليوم، الأربعاء 19 من آذار، إحصائيات لعملياتها العسكرية شرقي محافظة حلب، قالت إنها استهدفت خلالها القوات التركية والفصائل الموالية لها، ردًا على استهدافات تركيا لقرى بالقرب من سد “تشرين”.

وأضافت أنها تصدت لمحاولة تقدم باتجاه مناطق تسيطر عليها.

وتغيب الإعلانات من جانب الحكومة السورية عما يجري في المنطقة نفسها، رغم أن “الجيش الوطني” صار يتبع للجيش السوري، بينما تقتصر إعلانات تركيا النشطة عسكريًا في المنطقة على حديث عن قتل “إرهابيين”، وأحيانًا العشرات منهم.

اتفاق لم يحلحل خطوط التماس

كانت الصورة التي جمعت مظلوم عبدي بالرئيس السوري، أحمد الشرع، الحدث الأبرز منذ سقوط النظام السوري، إذ لطالما اعتُبرت “قسد” من أكبر القوى العسكرية في سوريا، وتدعمها الولايات المتحدة الي تنتشر قواتها العسكرية بكثرة شرقي سوريا.

الخطوة نفسها لم تؤد فعليًا لإيقاف المعارك، رغم أن “قسد” طالبت مرارًا بهدنة، وإيقاف المعارك، وهو ما أرجعه الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” سمير العبد الله، لاستمرار الطرفين في ممارسة الضغط المتبادل، سعيًا لضمان التطبيق الكامل للاتفاق بينهما.

وأضاف الباحث لعنب بلدي أن التوترات تفاقمت بين الجانبين بسبب “الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها (قسد) في المنطقة”، لافتًا إلى أن الأخيرة تستهدف بين الحين والآخر مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة أو حتى المدنيين.

وفي المقابل، تسعى تركيا إلى منع “قسد” من تحقيق مكاسب ميدانية جديدة أو التراجع عن الاتفاق، ما يدفع أنقرة للاستمرار في قصف مواقع “قسد” بشكل متكرر، وفق العبد الله.

وتُنسب للطرفين هجمات تستهدف المدنيين، ينفيان مسؤوليتهما عنها، أحدثها كانت قبل يومين عندما اتهمت “قسد” تركيا باستهداف مدنيين في ريف عين العرب/ كوباني، ما أسفر عن مقتل تسعة مدنيين، ونفت تركيا ذلك لاحقًا.

وتُتهم “قسد” باستهداف مناطق مأهولة بالسكان في ريف حلب الشمال والشرقي، وهو ما تنفي الأخيرة مسؤوليتها عنها باستمرار.

من جانبه، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، أن مناطق شرق نهر الفرات هي مناطق نفوذ الولايات المتحدة، بينما يعتبر غربها خارج هذا النفوذ، وتعتبر المنطقة تحت سيطرة “وحدات حماية الشعب” المدرجة على لوائح “الإرهاب” في أنقرة.

وأضاف أن هذا الانتشار على جانبي الفرات تحاول تركيا إفراغه من “الوحدات”.

واعتبر أن حالة عدم اليقين تلعب دورًا باستمرار المعارك، إذ لا يوجد تصديق كامل على أن “قسد” ستنخرط في اتفاق نهائي، وهو ما يمكن اعتباره حالة “اللاسلم ولا حرب”.

شيخ علي يرى أن تركيا تحاول الاستفادة من حالة عدم اليقين باستمرار الاتفاق، عبر استمرار المعارك في سد “تشرين” من باب ممارسة الضغط أكثر على “قسد” حتى تخرج “الوحدات” من هذه المناطق.

وإلى جانب ما سبق، يرى الباحث أن بعض الفصائل التي انخرطت ضمن وزارة الدفاع، لا تزال تتلقى الدعم من تركيا، وتتحرك بناء على أوامر تتلقاها من أنقرة.

ما علاقة تركيا

في 15 من آذار الحالي، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن أنقرة تراقب عن كثب اتفاقًا بين الحكومة السورية و”قسد”، معربًا عن قلقه بشأن التهديدات المستقبلية المحتملة لأمن تركيا.

وخلال مقابلة مع قناة “TV 100” التركية، قال فيدان إن تركيا أعربت عن مخاوفها للمسؤولين السوريين خلال زيارة إلى سوريا.

وتابع، “إذا كان هناك اتفاق تم توقيعه بنيات حسنة، فليكن، ولكن قد تكون هناك بعض المشكلات أو الألغام المزروعة في المستقبل (…) نحن كتركيا نراقب هذا عن كثب”.

وتخشى أنقرة أن تستغل “قسد” الاتفاق لتعزيز موقفها أو تحقيق مكاسب إضافية بدلًا من الالتزام ببنوده، وفق ما يراه الباحث سمير العبد الله.

وأضاف الباحث أنه على الرغم من مرور وقت على إعلان الاتفاق، لم يظهر على المشهد أي تقدم فعلي في تطبيقه، إذ لم تنسحب “قسد” حتى الآن من المناطق التي سيطرت عليها بعد سقوط النظام.

من جانبه، يرى الباحث أسامة شيخ أن الحكومة السورية تحاول على الجانب الآخر تجنب أن تكون في موقف محرج “مع أن موقفها محرج الآن”، فمن جهة وقعت اتفاقية مع “قسد” لكنها لم تصل لوقف إطلاق النار على جميع الجبهات، وأول ما يخطر على البال هنا هو أن المنطقة لا تعتبر جبهة بين دمشق و”قسد”.

وانطلاقًا من محاولاتها تجنب الإحراج، تتجنب دمشق أي حديث عن الاشتباكات التي تدور في هذه المنطقة وتتجاهل المناطق الساخنة بالكامل، بطريقة تشبه محاولات تجاهل التوغلات الإسرائيلية في الجنوب.

ويهدف تجاهل دمشق لمعارك شرقي حلب مع “قسد” لتجنب الإخلال بعلاقتها مع تركيا، خصوصًا أن أنقرة تنظر للاتفاق بإيجابية، لكنها غير موقنة بنجاحه، وفق شيخ علي.

طرف ثالث

لا يمكن اعتبار “قسد” طرفًا واحدًا عندما يتعلق الأمر بتسوية مع “دمشق” أو هدنة مع تركيا، إذ تتأثر “قسد” بتيار داخلها يعتبر واسعًا، ويتغلغل سياسيًا وعسكريًا.

ويرى الباحث سمير العبد الله أن أطرافًا أخرى تلعب دورًا في تأجيج النزاع وتعطيل الاتفاق، خصوصًا شرقي حلب، أبرزها بعض عناصر حزب “العمال الكردستاني” المرتبطين بإيران، والعاملين في صفوف “قسد”، إضافة إلى العشرات من “فلول النظام” الذين انتقلوا إلى مناطق سيطرة “قسد” وكانوا وراء عدة اشتباكات.

ويعتقد أسامة شيخ علي من جانبه أن تيارات ضمن المنظومة العسكرية في شمال شرقي سوريا غير راضية عن الاتفاق مع دمشق، وهو ما يلاحظ من خلال اعتقالات نفذتها “قسد” للمحتفلين بالاتفاق في 10 من آذار الحالي، أو الطلب من المدنيين الخروج بمظاهرات مناهضة للإعلان الدستوري في بعض الحالات.

ولفت إلى أن حزب “العمال” غير راضٍ عن الاتفاق ويحاول أن يبحث عن مخرج له، ويمانع إتمام الاتفاق، وهو ما تدركه تركيا فعليًا، ويعتبر أحد الأسباب المباشرة لاستمرار المواجهات العسكرية شرقي حلب.

شيخ علي اعتبر أن تركيا تحاول إيصال رسالة لدمشق أيضًا مفادها أنها لن تتخلى عن ملاحقة من تراه مهددًا لأمنها القومي، مهما كان شكل الاتفاق مع “قسد”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة