
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد - 6 من كانون الثاني 2025 (سانا)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الإماراتي عبد الله بن زايد - 6 من كانون الثاني 2025 (سانا)
تشهد الساحة السورية تحولات سياسية بارزة منذ سقوط نظام الأسد، ويرافق هذه التحولات عودة العلاقات السياسية مع بعض الدول العربية والغربية، والتي عانت خلال فترة الثورة السورية من القطيعة مع النظام.
وبرز الدور الخليجي بشكل ملحوظ في محاولة لاحتواء سوريا، وللمساهمة في عودتها إلى العباءة العربية، فكانت قطر والسعودية من أوائل دول الخليج العربي التي رحبت بالإدارة الجديدة، وسارعت لإرسال الوفود والبعثات والمساعدات.
وفي خطوة غير اعتيادية، زار أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، سوريا في 30 من كانون الثاني الماضي، وأيضًا اتجه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى المملكة العربية السعودية في 2 من شباط الماضي، في أول زيارة رسمية خارجية له بعد توليه منصب الرئاسة.
مقارنة بالموقفين القطري والسعودي، يلاحظ أن المشهد الإماراتي تجاه الإدارة الجديدة في سوريا ما زال متمهلًا، فرغم التواصل الرسمي بين الجانبين، لم يزر مسؤولون إماراتيون سوريا.
عند سقوط النظام السابق، أكدت الإمارات حرصها على وحدة وسلامة سوريا وضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري الشقيق، وعدم الانزلاق نحو الفوضى وعدم الاستقرار.
وفي 23 من كانون الأول 2024، بحث وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد آل نهيان، خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، آخر التطورات في سوريا، كأول تواصل بين البلدين بعد سقوط الأسد.
وبعد تنصيبه الرئاسة، هنأ رئيس دولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، قال في حديث لعنب بلدي إن النهج الإماراتي تجاه رئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، حذر لحد كبير، لمجموعة من الاعتبارات.
وعلى رأس هذه الاعتبارات، بحسب رأيه، أن الإمارات لديها هاجس من الإسلاميين في السلطة، ومن الخلفية الجهادية السابقة للرئيس الشرع، فضلًا عن أن التحول السوري أربك الحسابات الإماراتية، فقبيل التحول كانت الإمارات تسري باتجاه تعزيز علاقاتها مع نظام الأسد، وتعمل على إعادة تعويمه إقليميًا ودوليًا.
واعتبر أنه في نهاية المطاف، فإن الدول تشكل سياساتها تجاه سوريا وفق مصالحها، معتقدًا أن الإمارات صارت على قناعة متزايدة بشكل مستمر، بأن الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة يساعدها في تبديد هواجسها من التحول في سوريا، خصوصًا فيما يتعلق من الإسلاميين.
وأشار علوش إلى أن الإمارات اليوم بدأت تميل بشكل أكبر إلى تبني سياسة واقعية تجاه التحول السوري.
تسعى الإمارات من خلال سياساتها إلى تعزيز مكانتها الدولية وتوسيع نفوذها في الساحة العالمية، مع المحافظة على استقرارها الداخلي وتطوير اقتصادها.
وتتبنى الإمارات سياسات قائمة على الدبلوماسية والابتكار، وتسعى لتعزيز علاقاتها مع الدول في الشرق الأوسط وخارجه، إذ تعتمد سياسة تنموية تعتمد على الاستثمار في الدول الأخرى، مما يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي، فالإمارات تُعتبر واحدة من أكبر المستثمرين في العديد من الدول الناشئة.
الخبير في الشؤون السياسية العربية، طلعت طه، أوضح لعنب بلدي أن الإمارات دولة كبيرة اقتصاديًا ومهمة، ولها أن تستثمر في سوريا، وهي لم تقطع علاقاتها بسوريا قبل التحرير أو بعده، ولكن لا يمكن أن تقوم الإمارات بالاستثمار بسوريا مادام عدم استقرار سياسي وجيوسياسي وأمني.
وبرأيه، تحولت سوريا بعد 8 كانون الأول الماضي، لشكل جديد مختلف تمامًا، خاصة بعد هروب بشار الأسد، ولكن المشهد السوري مازال متوترًا للغاية، خاصة بعد أحداث الساحل السوري ومقتل مدنيين، والجميع اليوم بانتظار نتائج لجنة تقصي الحقائق التي تشكلت، بالإضافة لنزوح سوريين للبنان، ودخول الاحتلال الإسرائيلي لمزيد من الأراضي السورية، وتسريح الجيش السوري واستبداله بجيش آخر كليًا، وهناك نوع من الضبابية تجاه المشهد السوري المرتبك، الأمر الذي يفسر البرود والتمهل حيال سوريا.
الإمارات العربية كانت من أوائل الدول الخليجية التي أعادت علاقاتها مع نظام الأسد السابق، ففي عام 2018، قررت الإمارات إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، وفي عام 2022، زار الأسد دولة الإمارات في أول زيارة رسمية له لدولة عربية منذ بداية الثورة السورية.
في سياق الجولة الإقليمية التي قام بها في بداية كانون الثاني الماضي، زار وزير الخارجية السوري في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، الإمارات العربية المتحدة، في 6 من كانون الثاني الماضي، وبحث مع نظيره الإماراتي سبل تعزيز العلاقات بين البلدين. هذه الزيارة أول تواصل بين الإدارة السورية الجديدة والإمارات.
وعلى هامش أعمال القمة العالمية للحكومات، في 11 من شباط الحالي، في دبي، التقى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، نظيره الشيباني، وتطرقت مباحثات الجانبين إلى الأوضاع في سوريا، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية الراهنة، والتقى بعدها الشيباني عددًا من رجال الأعمال السوريين في الإمارات العربية المتحدة، للبحث بالاستثمارات في سوريا.
ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، أن اللقاء تناول مختلف المجالات الاقتصادية في سوريا، والأولويات التنموية والتوجه المقبل إليها.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، يعتقد أن زيارات الشيباني للإمارات هي محاولات لبناء علاقة ثقة بين دمشق وأبو ظبي، وبحسب تقديره، فإن كلا الطرفين يبديان رغبة بعلاقات عمل جيدة بين البلدين، إذا استطاعت حكومة الشرع أن تبدد هواجس الإمارات، والطريق سيصبح سالكًا بشكل أفضل لقيام علاقة قوية بين دمشق وأبو ظبي.
وتداولت وسائل الإعلام تصريحات للشيباني خلال مشاركته في “القمة العالمية للحكومات” في إمارة دبي بالإمارات، أن “الرئيس الشرع يعتزم زيارة الإمارات في وقت قريب”، دون أن يذكر أي تفاصيل أخرى عن موعد الزيارة.
الزيارة المرتقبة لرئيس سوريا في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى الإمارات ستعكس بدء مرحلة جديدة بين البلدين.
واعتبر علوش أن أي زيارة للرئيس الشرع إلى الإمارات ستنقل العلاقات بين دمشق وأبو ظبي لمرحلة جديدة، وستكون مؤشرًا على أن الإمارات اليوم بدأت تميل للتعامل والتعاون ولدعم الإدارة الجديدة في سوريا.
وقال، “ولكن هذا التعاون مرهون بدرجة أساسية بما إذا كانت الهواجس الإماراتية إزاء التحول السوري ستتبدد، وفق خطوات الرئيس الشرع وطبيعة إدارته في السياسة الداخلية والخارجية”.
يتشابه الموقفان الإماراتي والمصري حيال سوريا، فليست الإمارات فقط هي التي نأت عن الانخراط بشكل فعال مع الإدارة السورية الجديدة، بل أيضًا مصر تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة بعد الإطاحة بنظام الأسد، ولم ترسل أي وفد إلى دمشق.
وتواصلت مصر مع حكومة دمشق المؤقتة لأول مرة بشكل رسمي، من خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره السوري، أسعد الشيباني، في 31 من كانون الأول 2024.
وفسر الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، تشابه الموقفين بأن “كلا البلدين لديهما هاجس من الإسلاميين في السلطة، ومن الخلفية الإسلامية للرئيس أحمد الشرع، ولديهما خشية من أن التحول السوري يؤدي لإعطاء زخم جديد لتيارات الإسلام السياسي في المنطقة”.
وعلل أن هذه التيارات ضعفت بحد كبير بعد الإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي في مصر، وإضعاف حركة الإخوان في تونس وفي الدول العربية الأخرى.
أما الخبير في الشؤون السياسية العربية، طلعت طه، يرى أن مصر في حالة ترقب كامل لكل ما يحدث في سوريا، لحين استقرار أوضاعها، وأكد أنه لن تبنى علاقات بين سوريا والدول العربية إن لم يكن تعاونًا للاستقرار الكامل في الأراضي السورية.
وتبقى التطلعات بعودة سوريا لموقعها عربيًا، وبما فيها عودة علاقاتها السياسية، خاصة بعد الانفتاح السياسي الذي تشهده بعد سقوط الأسد، بالتهافت الملحوظ من قبل البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، في محاولة لاحتوائها ورغبة هذه الدول بإيجاد حلول للأزمة السورية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى