عاد “أبو محمد” وأسرته إلى منزلهم في إدلب مخيرين بين البقاء فيه رغم إحاطته بالخطر أو النزوح مرة أخرى، لكن صاروخًا داهم المنزل صباح اليوم التالي حسم أمرهم بالرحيل.
“النزوح داخل المناطق المحررة”، خيار يتخذه الأهالي في إدلب والمدن المحيطة بها حين تشتد وتيرة القصف، يتركون خلالها بيوتهم أيامًا أو ربما أشهرًا ليعودوا إليها، بعد أن تخف وتيرة القصف على مناطقهم، في عملية أشبه بالعيش بين فكّي قرش نائم دون معرفة موعد استيقاظه، وفق ما ينقله المواطنون هنا لعنب بلدي.
تتكون عائلة “أبو محمد” من خمسة أفراد أصغرهن دانيا، ذات الـ 12 عامًا، ويسكنون في بيت واسع، لكن منطقتهم المعروفة بالمربع الأمني المستهدفة دومًا، أجبرتهم على الخروج منه لا سيما في الأوقات العصيبة.
يعتبر المربع الأمني المكان الأكثر خطورة في مدينة إدلب، إذ يضم مبانٍ حكومية وأمنية سابقة، لا تزال تستهدف حتى اليوم خشية تحويل تلك المباني إلى مقرات تابعة لـ “جيش الفتح”، الذي يدير المدينة منذ تحريرها في آذار مارس 2015.
حين بدأ الهجوم الأخير، أواخر تموز المنصرم، على مدينة إدلب خرج “أبو محمد” وعائلته مصطحبًا معه عائلات أبنائه، إلى إحدى القرى المجاورة لكي يكونوا في مكان أقل ضررًا من مدينتهم، لكن غلاء أجار البيوت في تلك المنطقة جعلهم يراجعون قرارهم هذا بالعودة إلى البيت، أو اتخاذ قرار آخر أقل ضررًا.
يرتفع أجار البيوت في القرى الأكثر أمنًا في المناطق المحررة، بحسب وتيرة القصف فيها، ففي المناطق المحاذية للحدود التركية كسرمدا والدانا وأطمة ذات وتيرة القصف الأقل، تصل الإيجارات إلى 100$ شهريًا للغرفة الواحدة المفروشة، والذي يعد أكثر من متوسط الدخل العام، ما يضطر أكثر من عائلة إلى السكن في غرفة واحدة توفيرًا لأجارها.
عادت عائلة “أبو محمد” من أرمناز، حيث نزحت مع عائلة أخيهم في غرفة واحدة، ما اضطرهم للخروج منها بعد أيام بسبب ضيق العيش، ووضعوا ضمن خياراتهم آنذاك إما البقاء في بيتهم الخطر ذ ي الغرف الخمس، أو النزوح لمزرعة عمتهم التي تبعد كيلومترات قليلة عن المدينة، لكنها أكثر أمنًا على أي حال.
النزوح إلى المزارع القريبة خيار مطروح، يتخذه الكثير من الأهالي في إدلب إذ يمتلك معظمهم مزرعة متواضعة تحوي غرفة واحدة على الأقل، كانت تعتبر متنزّههم صيفًا وأصبحت ملاذًا آمنا لهم الآن، لكن كثرة النزوح إلى المزارع وقلة الغرف السكنية جعل البعض يلجؤون إلى نصب الخيام فيها.
غادرت العائلة بيتها صباح اليوم التالي بعد مداهمة البيت بصاروخ ألقته طائرة “MIG”، وحولّ البيت الفسيح إلى ركام.
أدركت النجاة العائلة لكن الخوف الذي داهم قلوبهم منعهم من البقاء فيه، سيما وأن تلك الصواريخ تكرر أهدافها في كثير من الأحيان، مخلفة وراءها قلقًا وتوترًا أو ربما استسلامًا.