محمد رشدي شربجي
بحضور شعبي جماهيري، أزاح محافظ اللاذقية ولفيف من مثقفي ووجهاء المدينة، الستار عن تمثال للبسطار العسكري في عيد الجيش. لا يستطيع المرء فهم هكذا حدث إلا أن نظام الأسد تعرى عن آخره، ولم يعد يفكر بمساحيق التجميل، كل الكلام عن الدولة الحديثة والتطوير والتحديث استبدله نظام الأسد بالبسطار، لا مجال لتخليد قتلى النظام إلا بالتأكيد على أنهم ما قتلوا إلا فداءً للبسطار العسكري.
العقل البشري عند مؤيدي العسكر في سوريا والعالم العربي يتعرض لردة ونكسة تطورية، قد لا يكون أصل الإنسان قرد، ولكن ما يحدث عند هذه الأقوام يثبت العكس تمامًا، بعض القرود أصلها إنسان، في مصر صورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مواطنًا مصريًا يعيش في كندا يلتقط صورًا والبسطار العسكري فوق رأسه، موجهًا رسالة الشكر والامتنان للجيش المصري مطالبًا إياه بسحق المعارضين وزجهم في السجون. نقف على الحياد بالتأكيد إزاء الصراع السياسي الذي تشهده مصر وندعو الله ليل نهار أن يحفظ مصر مما حدث في سوريا، ولكن الكلام هنا عن تيار من الشعب العربي له جوقة من المنظرين والمثقفين يعتقد أن البسطار العسكري هو الحل المثالي الوحيد للتعامل مع الشعب العربي.
طريق الحرية طويل وشاق، ونعترف أنه يبدو أصعب وأطول بكثير مما بدى لنا في بداية الربيع العربي، وهو طريق محفوف بالمخاطر، ولكن الدخول في هذا الطريق لا بد منه، فلا تنمية ولا كرامة دون ديمقراطية، ولا ديمقراطية دون ثورات على هذه الأنظمة وعلى حكم العسكر فيها.
ليس للعسكر في العالم العربي أي إنجازات، ففي سوريا ساهم الجيش بمئات المجازر بحق شعبه، وفي مصر حكم الجيش ستين عامًا وأحل قومه دار البوار. بمرارة حادة يستنتج المرء أن الجيش الوحيد في المنطقة الذي لم يوجه النار إلى شعبه هو الجيش الإسرائيلي، وبالرغم من ذلك لا نرى تماثيل للبسطار العسكري تزين ساحات الكيان الصهيوني، ولا نرى المظاهرات الشعبية العارمة تخرج لتؤيد الجيش. ولكي نكون منصفين فقد ساهمت النخب السياسية ما بعد الثورات وخلالها في تشويه الربيع العربي بعيون كثير من الجماهير، وهو ما دفعهم إلى أحضان الأنظمة المستبدة وزاد تمسكهم بها. تشرذم النخب وسعيها لمكاسب ومصالح سياسية قبل التخلص من النظام السابق أو الحالي ساهم بتشتيت قواها وتشويه صورتها لصالح قوى الاستبداد التي قايضت الناس على الأمن مقابل الحرية.