عنب بلدي – العدد 76 – الأحد 4-8-2013
سارة أبو عسلي
تعاني اللاجئة السورية في بلدان الجوار من مصاعب وتحديات على شتّى المستويات، غير أن تجربة النزوح واللجوء بحد ذاتها، فتحت لها أبوابًا جديدة لمستقبلٍ نسوي مختلف.
رحلة الهروب الطويلة من نيران الحرب الدائرة لم تمنع أم علي من أن تبدأ من جديد، إذ لم تنل ذات الأربعين عامًا لقبها الفخري كـ «مختارة الحي» عن عبث، بل هو أمر استحقته بسبب عملها الدؤوب لمساعدة النساء السوريات في حيها القائم ضمن حدود مخيم شاتيلا في العاصمة اللبنانية. ورغم أن حالها كحال الكثيرين من النساء اللواتي هربن من الاشتباكات المسلحة وطلبن اللجوء في بلدان مجاورة بحثًا عن الأمان والاستقرار، إلا أنها تحاول بقدراتها المحدودة أن تكون عونًا للنسوة من حولها ومثلاً يحتذى به في التضامن النسائي.
الظلم دافعٌ للمساعدة
تكاد أم علي المليئة بالحكايا والقصص أن تكون موسوعة شعبية بحد ذاتها، إذ تروي سير رحلتها من حلب إلى دمشق، ومن ثم إلى لبنان بكثير من التفاصيل والسرد وكأنها بطلة من أبطال المسلسلات التي تهواها، وباستثناء «أبنائها الثوار» في المدينة الذين تركتهم خلفها، لا يخفى عن القارئ غياب الرجال عن قصصها الكثيرة، فهي كغيرها من النساء السوريات النازحات، باتت مسؤولة عن تدبير أمور عائلتها منذ هروبهم من القصف الجوي والاشتباكات المسلحة منتصف العام الماضي.
«عندما يتعرض المرء للظلم يتشكل بداخله دافع لمساعدة ومناصرة غيره من المظلومين» تقول أم علي عند سؤالها عن لقبها الجديد، مضيفةً أنّها تساعد النساء السوريات في مخيم شاتيلا على تأمين معيشتهم من خلال إرشادهم على سبل الحصول على الإعانات المادية التي تقدمها الجمعيات الخيرية، وكذلك المساعدات الطبية والدوائية المجانية للمحتاجين.
أم علي التي لم تكمل تعليمها بعد نيلها الشهادة الابتدائية -بسبب العادات الاجتماعية السائدة في محيطها- لم تتعلم آليات التشبيك عند مختصين أو خبراء، بل دفعتها فطرة الإيثار والمساعدة على القيام بمبادرات شخصية، تربط من خلالها الجمعيات والمنظمات الإغاثية مع العائلات السورية المحتاجة الموجودة في شاتيلا.
المرأة قادرة
في بيتها الذي تحول إلى ما يشبه «مضافةً» ترتادها نساء الحي طلبًا للمشورة والنصح، تقول أم علي أن زوجها لا يمانع كونها «مختارة الحي» وبابتسامة عريضة تضيف أنها سعيدة جدًا بانتقالها من دور تقليدي كربة منزل إلى دور ريادي. إذ لا تقتصر نشاطات المختارة على التشبيك وحسب، بل تقوم أيضًا بتعليم اللاجئات السوريات مهنة الخياطة والطبخ ضمن مشاريع تمكين النساء التي تنظمها المنظمة السورية للإغاثة «نجدة ناو»، بحيث تصبح النساء قادرات على كسب رزقهن دون الاعتماد كليًا على المساعدات الإنسانية.
«أشعر اليوم بأهميتي بسبب نشاطاتي» تقول أم علي، مضيفةً أنها أصبحت اليوم «أقوى بكثير بسبب الثورة.»
فبعد خروجها من مجتمع محافظ يحدّ من حرية المرأة ودورها، تتمتع اليوم أم علي بالحرية المطلقة للحركة داخل وخارج المخيم بسبب أخذها دور المعيل، وترى في كل امرأة سورية «مشروع بطلة» حتى وإن لم تكن تعرف أنها كذلك، كما تشجع النساء على التمتع بحريتهن والخروج عن أدوارهن التقليدية «حتى إذا اضطرهن الأمر لحمل السلاح»، مضيفةً أنها تتمنى العودة إلى سوريا لتشارك بالقتال المسلح: «عندما نرى الظلم بأم أعيننا ونشهد موت الأطفال والنساء والبشر بأبشع الطرق، لا أستطيع إلا أن أفكر بحمل السلاح على أنه حق مشروع.»
كما تقدم أم علي الدعم اللازم لبناتها من أجل تحقيق ما لم تتمكن هي نفسها من بلوغه من حيث تحصيل العلم والعمل وتمنعهن من التفكير بالزواج قبل الحصول على شهادات جامعية تؤمن لهن مستقبلاً أفضل.
مصاعبٌ يلوّنها التفاؤل
تعاني أم علي من ضيق العيش بسبب غلاء الأسعار والإيجارات في بيروت، إذ يبلغ إيجار البيت الذي تقطنه في أحد الأزقة الضيقة في مخيم شاتيلا الشهير ببؤسه ورائحته الكريهة ما يقارب الـ400 دولار أمريكي شهريًا، لكنها ترى نفسها أكثر حظًا من غيرها الذين بالكاد يجدون سقفًا فوق رؤوسهم.
كما تصف شعورها كلاجئة بكثير من المرارة وتقول إن ذرة من تراب الوطن تعادل كنوز العالم بأسره، لكنّها في الوقت ذاته تؤمن بأن مستقبل أولادها سيكون أفضل لا محالة، وخصوصًا بمشاركة النساء في صنع هذا المستقبل. «أدعو النساء في بلدي أن يتماسكن مع بعضهن وأن يكنّ فاعلات في بناء البلاد والنهوض بها من دورهن كأمهات وزوجات ومعيلات»، تقول أم علي.