حرصًا على سلامتكم.. نأسف لتأخيركم!

tag icon ع ع ع

حرصًا على سلامتكم.. نأسف لتأخيركم!

عبارة انتشرت عند معظم الحواجز الأمنية في شوارع دمشق الرئيسية.

قد توحي هذه الكلمات للقارئ، للوهلة الأولى، بشيء من الطمأنينة، لكنها لا تلغي حقيقة الانزعاج الذي يشعر به الناس جراء التأخير الذي يتجاوز الساعة عند كل حاجز، بعدما كان الوصول إلى أي نقطة داخل دمشق لا يستغرق أكثر من عشرين دقيقة.

السبب الرئيسي لهذا التأخير هو تضييق المسارات الذي تعتمده الحواجز الأمنية، حيث تجبر السيارات على المرور عبر مسار واحد مخصص للتفتيش، بينما يُفتح مسار عسكري خاص لحاملي البطاقات الأمنية.

ومع حلول شهر رمضان، باتت الحواجز تشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين الذين يعانون أصلًا من حر الصيف وصيام النهار الطويل هذا العام.

 

“المشي أسرع من أي وسيلة نقل أخرى”

يقول سامح، وهو طالب جامعي، إنه قرر الاستغناء عن وسائل النقل والاعتماد على المشي لتجنب الانتظار الطويل عند الحواجز الأمنية. ويوضح:

“التنقل بالمواصلات أصبح معاناة يومية، فالمشي في العاصمة بات أسرع من أي وسيلة أخرى. عبور الحاجز قد يستغرق ساعتين، خاصة عند حاجز طلعة القصر، الذي يتسبب بازدحام طويل يمتد حتى جسر الرئيس. إضافةً إلى ذلك، فإن عناصر الحاجز يتعاملون مع الناس بطريقة سيئة، والكثير من الأشخاص يتجنبون المرور عبره، خصوصًا إذا كانوا من مناطق معروفة بمناهضتها للنظام، إذ تزداد احتمالية اعتقالهم هناك.”

 

“الحواجز تحمي نفسها وليس المواطنين”

أما أبو أنس، الذي اضطر إلى ترك مهنة القيادة بسبب أزمة المازوت والبنزين وصعوبة المواصلات، فيعبر عن استيائه قائلًا:

“التضييق على الطرقات، وازدحام المرور، والإجراءات الأمنية الجديدة التي تمنع الناس من ركن سياراتهم في بعض الأحياء، كلها عوامل زادت من معاناة المواطنين. بعض الحواجز في المناطق التي تضم أفرعًا أمنية تقوم بحجز جزء من الطريق ليكون خطًا عسكريًا خاصًا. وهذا يؤكد أن هذه الحواجز وضعت لحماية أنفسهم، وليس لحماية المدنيين، على عكس اللافتات التي ترفعها الحواجز عن ‘أمان المواطن’ وما شابه ذلك”.

 

“نأسف لتأخيركم… نحن هنا لحمايتكم”

أما محمد، وهو ناشط سلمي في “أيام الحرية”، فقد كانت له تجربة مختلفة مع أحد الحواجز في منطقة المزة. يروي قائلاً:

“في الأيام الأولى من رمضان، وبينما كنت عائدًا إلى المنزل وسط ازدحام خانق عند حاجز مشفى المواساة، بدأ عناصر الأمن بتوزيع تمر وماء على العابرين، مكتوب عليها: ‘نأسف لتأخيركم… نحن هنا لحمايتكم… الجيش العربي السوري”.

ويضيف محمد معلقًا:

“إنهم يستخدمون الأساليب التي كنا نطبقها في الحراك السلمي ضمن حملات العلاقات العامة (PR)، لكنها ليست حملة ممنهجة بقدر ما هي مجرد محاولة لتحسين صورة الجيش والأمن أمام الناس. ولكنني أعتقد أن الناس باتوا يدركون حقيقتها، ولن تنجح في تبرير معاناتهم اليومية.”

 

الحواجز الأمنية: من التفتيش إلى الجباية

لم يعد السوريون يخفون استياءهم من المزاجية التي تتحكم بسلوك عناصر الحواجز الأمنية، وما يمارسونه من ابتزاز ونهب واعتقالات تعسفية، خصوصًا عند مداخل دمشق.

وباتت بعض الحواجز تتجاوز مهام التفتيش الأمني، لتتحول إلى أدوات لتحصيل الجباية المالية، إذ يقوم عناصرها بالتدقيق على فواتير الكهرباء والمياه وأوراق ترسيم السيارات، بحيث يُمنع أي شخص لم يسدد فواتيره من العبور.

يروي أيهم، وهو أحد سكان دمشق، عن حادثة وقعت معه عند أحد الحواجز في ركن الدين:

“فوجئت عندما طلب مني عنصر الأمن فواتير الكهرباء والماء، وشعر جميع ركاب الحافلة بالذعر. حاولت إقناعه بأن الفواتير باسم والدي، وأنني لا أزال أعيش مع عائلتي، لكن ذلك لم يكن مجديًا. وبعد طول نقاش، تحقق العنصر من أنني مقيم في المنزل ذاته وسمح لي بالمرور.”

ويتابع متذمرًا:

“هذا الإجراء غير قانوني. عناصر الجيش ليس من صلاحياتهم طلب الفواتير، خاصةً وأن الحكومة تطلب ثمن خدمات لم تعد توفرها، كالكهرباء.”

 

الحواجز.. سلطة بلا ضوابط

هذا هو واقع الحواجز الأمنية في دمشق، حيث يقررون، ويجبون، ويعتقلون، ويحكمون، ويهينون، ويعرقلون الحياة اليومية كما يحلو لهم، تحت شعار “حماية المواطن والوطن”.

 




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة