أشفقوا على أولادكم من كثرة إشفاقكم عليهم
عنب بلدي – العدد 76 – الأحد 4-8-2013
هوشيار – قامشلو
لربما يحدث لدينا ردة فعل من تراكم نمط التربية الصعبة، والتي يغلب عليها القسوة والعقاب، فتكون النتيجة المعاكسة هو نمط تربية متساهلة، يتناوب فيها الأهل بالقيام بأي شيء يتعلق بالطفل، أكلًا وملبسًا وواجبات.
يعتقد الوالدان بأنهم يحسنون صنعًا، عندما يبدون اهتمامًا زائدًا بالطفل، أو ربما يعتقدون أنهم يغذون مشاعر الطفل بالامتلاء، فلا يحسون بالحرمان والحاجة، ولكن يغيب عن خاطرهم أنهم من المحتمل -والأمر كذلك- أن ينتقلوا إلى الجانب المتطرف من الاهتمام، فطفلهم تعود أن كل شيء مستجاب، حتى قبل أن يطلب، لدرجة أن بعض الأطفال أحيانًا لا يعرف أن يطلب ويسأل، لأنه مستجاب الحاجة بشكل تلقائي.
يدخل الطفل في البيئة الحقيقة ويحتك مع الواقع، فينصدم بالصد والحرمان والرفض ، لذا قد ينكص ويقع أو يتعرض لمشاكل نفسية متراكمة تكسبه نمطًا شخصيًا أقرب إلى الشخصية الناقمة أو الخجولة الانعزالية.
حرص الوالدين الزائد على الطفل من وقوعه في الخطأ، وإصرارهم على أن يكون الطفل نموذجًا مستقيمًا بعيدًا عن تجاربه الشخصية وخياراته الفردية يرتد سلبًا على مستقبل الطفل الخاص، لأنه سيستمر في عدم خوض المواقف بشكل فردي.
فبمجرد ظهور أي مشكلة أو عائق في حياته، سيجد والديه هما من ينجدانه ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا)، يكبر الطفل ويجد نفسه هشًا، لينًا، يفشل مع تجارب الحياة الحقيقية، والاجتماعية على وجه التحديد، لأن والديه أراداه نموذج الإنسان المستقيم الذي لا يخطئ.
علينا أن نعلم أن الصحيح نوعان، نوع معروف ومألوف، ونوع يتولد من رحم الفشل والخطأ والتجربة، فنعرفه بعد أن نلمسه بيدنا، ربما ينجح الطفل مع الأولى لكنه لم يجرب ويتعرف على الثانية.
يخطر هنا السؤال التالي: هل سقطنا بسبب الفشل؟ أو هل في حياتنا عندما كنا نتعرض للأخطاء كنا نسقط ولا نقوم بعدها؟ أم كنا نستعيد قدرتنا وننهض. كم مرة وقعنا في مشكلات أخطائنا؟ ألم نقم بعدها ونتابع وقد تعلمنا شيئًا جديدًا؟
لماذا نمنح لأنفسنا حق الوقوع في الخطأ، ونمنع الطفل هذا الحق؟
قد يفهم مما سبق بأنها دعوة إلى «الخطأ»، بالطبع لا، ولكن الدعوة هي إلى أن لا يدمر الخطأ طفلك، ليس المقصود ترك الطفل سائبًا يتعلم بالمحاولة والخطأ، وإنما هو ترك المجال للطفل ليعبر عن قدراته الخاصة، ويثق بنفسه بعيدًا عن تدخلات الوالدين.
تقوم النسور ببناء أعشاشها من قطع خشنة من الزجاج والأحجار وتغطيها بالريش الناعم، وما إن تكبر فراخها وتصبح قادرة على الاعتماد على نفسها، تزيل الأم الغطاء الناعم شيئًا فشيئًا، حتى لا يبقى سوى الزجاج والحجارة الخشنة، فتحاول الفراخ الابتعاد عن العش، وإن لم تخرج الفراخ، تدفعهم الأم خارج العش لكي يطيروا، وثم تنتظر، فإذا استطاع الطير التحليق كان ذلك هو المطلوب، وإذا لم يستطع وتبين أن الفرخ سيقع نحو الأسفل، حلقت الأم في اللحظة المناسبة وذهبت تحمله على ظهرها إلى العش مجددًا، وهكذا مرارًا وتكرارًا حتى يستطيع الفرخ أن يتعلم الطيران، وهنا تنتهي وظيفة الأم، حيث قد علمت صغارها التحليق بطريقة الحب القاسي.
فإذا أردتم لطفلكم أن يحلق عاليًا ما عليكم إلا أن تدفعوه لذلك..
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :