عنب بلدي – خاص
لم تكن الاشتباكات التي شهدتها قرية الخندق في ريف حماة الشمالي الغربي حدثًا اعتياديًا في بيئة موالية للنظام السوري، رغم حجم القصف والدمار والتهجير في بلدات أخرى أعلنت وقوفها سابقًا في وجه الأسد.
قدّمت “الخندق”، ذات الألفي نسمة، عشرات القتلى والجرحى في صفوف قوات الأسد والميليشيات المحلية ذات الصبغة الطائفية، ما جعل منها قرية تفتقر لعنصر الشباب، كحال عشرات القرى والبلدات العلوية في الجزء الغربي من سوريا.
احتقان الحاضنة الموالية
يرى رامي، وهو اسم وهمي لشاب من مدينة مصياف في ريف حماة الغربي، أن الاحتقان في “الشارع العلوي” بات واضحًا للعيان، “أعمى من لا يرى الغضب والحزن على محيا الرجال والنساء عند كل جنازة”، موضحًا لعنب بلدي أن ما جرى في “الخندق” هو رد فعل طبيعي على الاستنزاف الحاصل في “الحاضنة الموالية”.
وتعود الحادثة إلى يوم الأربعاء 17 آب، حين اقتحمت دورية تتبع لمفرزة “الأمن العسكري” في مدينة السقيلبية قرية الخندق، للقبض على شاب فارٍ من قوات الأسد، ليقابلوا باشتباكات أدت إلى مقتل الشاب وخمسة عناصر من الدورية. تلا ذلك بيومين اقتحام قوات الأسد وعناصر الأمن للقرية من جهاتها الأربع، وشنوا فيها حملة دهم واعتقالات بين الأهالي، تخللها اشتباكات تسببت بمقتل عنصر من القوات المقتحمة ومدني من آل الفجر.
لا يقتصر الاحتقان والرفض لسياسة الأسد في استنزاف حاضنته وتطويعها للقتال على مختلف جبهات سوريا، كما أشار رامي، مؤكدًا أن أحداثًا أخرى شهدها ريف حماة الغربي في الأشهر القليلة الماضية، لكنها لم تأخذ حقها إعلاميًا نظرًا لتكتم الإعلام الرسمي وخوف الأهالي من البوح، وتحديدًا في قريتي شطحة ومرداش، ذات الغالبية من الطائفة المرشدية، حين رفض الأهالي تسليم أبنائهم للقتال في صفوف النظام، ما قوبل بحملة اعتقالات وتهديد شديد اللهجة.
ونوه الشاب، الذي ينتمي للطائفة “الإسماعيلية” في مصياف، ويعرّف نفسه بالجامعي الثائر ضد الأسد، إلى أن هناك فهمًا خاطئًا من المجتمع السوري المعارض للأقليات في سوريا، معتبرًا أن الأسد، ورغم كونه “علويًا”، إلا أنه ساهم بشكل مباشر في محاربة طائفته وباقي طوائف الأقليات، من خلال تهميشهم علميًا وثقافيًا وزجّهم في الأمن والجيش، ما جعلهم طرفًا رئيسيًا في الصراع إلى جانبه.
طرطوس تعبت وصافيتا بلا رجال
تودّع طرطوس يوميًا عشرات القتلى، سقطوا على امتداد التراب السوري، كذلك الأمر في قرى اللاذقية وحماة وحمص الموالية، وهو ما ترصده مواقع التواصل الاجتماعي، إذ خصصت صفحات لإحصاء القتلى وذكر مناقبهم، لكن التعليقات تعكس سخطًا من الموت المستمر للشباب، فرصدت عنب بلدي تعليقات انتقدت النظام وأخرى هاجمته “إلى متى سيقتل أبناؤنا.. طرطوس تفدي الأسد لكنها تعبت.. صافيتا دون رجال جميعهم قتلوا..”.
وينتهج الإعلام الرسمي سياسة التعتيم على عدد القتلى من الطائفة العلوية، فلم تستطع المراكز الحقوقية تقديم أي دراسة توضح حجم الخسائر، لكن استمرار المعارك على مدار الأعوام الخمسة يؤكد أن “البيئة الحاضنة” تعرضت لاستنزاف كبير، ففي أيار 2014، أوضح محافظ طرطوس في أحد اللقاءات المتلفزة أن نحو ستة آلاف من أبناء المدينة فقدوا وقتلوا، ليعزز حديثه فرضية أن المحافظة قدّمت نحو عشرة آلاف شاب على أقل تقدير، حتى يومنا هذا.
تنذر أحداث “الخندق” الأخيرة بتصدع واضح في حاضنة الأسد المبنية على أساس طائفي، وربما تمتد إلى قرى وبلدات أخرى غرب سوريا فيما لو استمر الأسد بحربه ضد باقي مكونات الشعب السوري، كما يرى البعض، بينما يشكك آخرون في قدرة “الطائفة” على الانتفاضة في وجه الأسد، لا سيما وأن دعوات كثيرة من المعارضة والناشطين للانخراط في الثورة ذهبت في مهب الريح.