بعد تسويات حمص القديمة.. أهالي الوعر يرفضون تفريغ حيهم

  • 2016/08/21
  • 2:35 ص
عائلة في أحد شوارع حي الوعر بمدينة حمص كانون الثاني 2016(عنب بلدي)

عائلة في أحد شوارع حي الوعر بمدينة حمص كانون الثاني 2016(عنب بلدي)

جودي عرش- حمص

سلم سلاحك مقابل طعامك”.. سياسة النظام السوري التي فرضها بهدف الضغط على فصائل المعارضة في حي الوعر الحمصي وإضعاف قواهافيما لم ينجس.ممن الاعتقال بالرغم من وعود الأمان والحياة الرغيدة التي أطلقها النظام ولم ينفذها.

تسهيلات كبيرة للتسويات يقدمها النظام في الوعر، في سياق سياسة الإفراغ السكاني التي يتبعها في الحي، بهدف صرف الأنظار الدولية عنه، كما يرى الناشط الإعلامي رضوان الهندي.

سياسة التسويات الفردية والجماعية بدأت لأول مرة في حمص قبيل خروج مقاتلي المعارضة من مناطق حمص القديمة في أيار 2014، وبلغ عدد المقاتلين الخارجين بالتسوية ما يقارب 300 مقاتل، بقي مصير الكثير منهم مجهولًا حتى اللحظة.

مصير أسود عقب التسوية

طبق النظام السوري سياسة التسويات لأول مرة في سوريا في ثمانينيات القرن الماضي، وأسهم بهذه الخطوة في إنهاك القوات التي تحاربه، وأتاح للمقاتلين المعارضين لحكمه فرصة عدم الاعتقال والملاحقة مقابل تسليم السلاح الموجود لديهم والإبلاغ عن رفاقهم، حسب الناشط المدني والخبير في العلاقات الدولية، وليد فارس.

وقال فارس لعنب بلدي “لم تكن ورقة الضغط الوحيدة على المقاتل في الثمانينيات تسليم السلاح مقابل عدم الاعتقال، بل زاد على ذلك اعتقال بعض من عائلته في سبيل تسليمه لنفسه، أو إجراء تسوية وتسليم سلاحه، وهذا ما حصل في تلك الحقبة وهو ما يحصل الآن، فلا يزال نظام الأسد يحاول الضغط على الأفراد من خلال تجويعهم في مناطق محاصرة كمنطقة حمص القديمة سابقًا، أو اعتقال أحد أفراد أسرهم وإجبارهم على تسليم أنفسهم وسلاحهم إلى أقرب نقطة تسيطر عليها قواته”.

فرضت قوات الأسد التجويع على عدة مناطق سورية، كان منها منطقة حمص القديمة، ثم لجأت إلى عرض تسويات مقابل الطعام، وهذا ما جعل أكثر من 300 مقاتل يلجؤون للتسوية بعد تعرضهم لموجة كبيرة من الجوع، كما أوضح فارس، مضيفًا “سوّق النظام لهذا الأمر دوليًا على أنه خطوة إيجابية في التعامل مع (المتمردين)، لكنه في الواقع اعتقل معظم الشباب الخارجين، وتعرض عدد منهم للتصفية الميدانية، فيما لا يزال أكثر من 70 شابًا مجهولي المصير حتى اللحظة”.

“أمان ومعاملة حسنة”، هذا ما وعد به النظام مقاتلي المعارضة في حال خروجهم، فيما وصف “س.م”، أحد مقاتلي حمص القديمة والمعتقل الآن في سجن عدرا المركزي، هذه الوعود المكررة بـ “الأكاذيب” التي أودت به إلى السجون.

وصرح الشاب لعنب بلدي، ”خرجت من منطقة حمص القديمة عن طريق التسوية، بعد انعدام كل سبل الحياة في المنطقة، وإصابتي بأمراض عدة، فسلمت نفسي إلى أقرب نقطة أمنية، حيث اقتادوني إلى مدرسة الأندلس وقاموا بعزلي مع رفاقي بحجة خوفهم من بطش ميليشيات الدفاع الوطني التي يتوقعون تدخلها في أي لحظة، كما قاموا بإطعامي وإعطائي آمالًا بالحياة الجديدة تحت مسمى المسامحة والعفو، وهذا ما لم أراه بعد أسبوعين من خروجي”.

خروج مقاتلي حمص القديمة في أيار 2014 جعل مصير معظم الموقوفين في مدرسة الأندلس مجهولًا، فيما اقتيد “س.م” إلى فرع “الأمن السياسي” ليبقى هناك مدة تجاوزت ثلاثة أشهر، نقل بعدها إلى سجن عدرا، “إخلاء حمص القديمة كان بمثابة الصفعة القوية، حيث تم إخراج العشرات من المدرسة بسيارات أمنية خاصة واقتيادهم إلى جهات مجهولة، فيما تم اقتيادنا نحن وبلغ عددنا 100 شخص آنذاك إلى فرع الأمن السياسي بحجة الحصول على أوراق إخلاء سبيل، لنجد أنفسنا معتقلين بحجة الإرهاب المسلح وقتل المدنيين”.

مئات المناشدات التي وُجّهت إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لم تفلح بإنقاذ “س.م” ورفاقه، بينما نجا “محمد أبو سامر” من الاعتقال مقابل مبالغ مالية “كبيرة”.

”لم أكن أفكر بالتسوية كخيار حياة، لكنني أجبرت على ذلك بعدما اعتقل النظام والدتي، فقمت بتسليم نفسي وسلاحي بعد وعود بالإفراج عنا بشكل فوري، وبعد الإفراج عن والدتي شعرت بقرب نهايتي إن لم أتحرك فورًا، فلجأت إلى دفع مبلغ كبير من المال للسلطات في سبيل إخراجي خارج سوريا، وهذا ما تم فعلًا”.

سياسة تفريغ تتكرر في الوعر

بدأ النظام بتفريغ حي الوعر، آخر معاقل المعارضة في حمص، منذ تعليق الهدنة المبرمة بين طرفي النزاع منتصف آذار الماضي، ولجأ فيها إلى عدة أساليب، كان أبرزها تخيير الموظفين في القطاعين الحكومي والخاص بين وظائفهم أو خروجهم من الحي برفقة ذويهم أوائل حزيران الفائت، فيما لجأ أيضًا إلى بث إشاعات بنيته القيام بعمل عسكري يستهدف الحي، في محاولة للضغط على سكانه بالخروج.

وفي هذا الصدد، قال الناشط الإعلامي رضوان الهندي، ”أوائل حزيران صرح إعلام النظام بفتح معبر لإخراج العائلات من الحي إلى مناطق وصفها بالآمنة، وهذا ما قمنا بنفيه مرارًا، ولم يخرج آنذاك سوى بضع عائلات وثقنا اعتقال 17 شخصًا منها”، وتابع “يلجأ النظام إلى خيار التسوية بتسهيلات لم تشهدها المدينة من قبل، حيث يستطيع الفرد أن يسلم نفسه برفقة مغلاق بندقية أو عدد من الحقن الطبية”.

من جهته، رأى الدكتور عبد الظاهر وحود، أمين “التيار الثوري السوري”، في حديث مع عنب بلدي، أن حي الوعر يختلف عن منطقة حمص القديمة بشكل جذري، حيث يحوي نسبة من المدنيين غير المشاركين بالقتال أكبر من تلك التي كانت في حمص القديمة، وتابع “حي الوعر اليوم ليس كما كان سابقًا يضم نحو مليون نسمة،  فعندما يقل عدد السكان في منطقة ما يقل الاهتمام الدولي بها، وهذا ما يسعى النظام إليه عبر التسويات والقصف الممنهج، إضافة إلى اتباع سياسة التجويع وتخويف المواطنين بإلحاق المجازر بهم في حال اختيارهم البقاء في الحي”.

رفع معنويات الحاضنة الشعبية هو من أولويات النظام السوري، من خلال تصوير العائدين إلى “حضن الوطن”، من وجهة نظر الدكتور وحود، لكنه اعتبر أن “الإصرار على البقاء” هو ما يميز أهالي الوعر البالغ عددهم اليوم نحو 75 ألف نسمة، مؤكدًا أن النظام سيفشل في خططه الرامية إلى تفريغه، رغم الحصار المحكم من جميع أطرافه.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا