العنف الأسري خطر يهدد المجتمع السوري في أورفة التركية
سيرين عبد النور – أورفة
“كابوس مزعج أتمنى أن أصحو منه ويختفي كل شيء فجأة”، تصف اللاجئة السورية عتاب ما تعيشه حاليًا في مدينة أورفة التركية، متحدثةً ووجها مليء بالكدمات، عن قصص عايشتها مع زوجها “حاد المزاج وشديد العصبية” يوميًا، ما دعاها إلى الهرب خارج المنزل.
وتقول عتاب لعنب بلدي إن ضرب زوجها اليومي لها أمام أطفالها دعاها لما أقدمت عليه، مضيفةً “لقد حول حياتي إلى جحيم وأجبرني في النهاية على الفرار منه”، مشيرةً إلى أنها كانت تتعرض للضرب بأدوات حادة وسط تهديدات أخرى، كان جيرانها يسمعونها، إلا أن بابًا مقفلًا يمنعهم من تقديم المساعدة، على حد وصفها.
ترفض اللاجئة السورية العودة إلى زوجها عازية السبب للخوف على حياتها، وهي تعتبر واحدة من عشرات أخريات أقررن أن التهديد بالإيذاء أو الطرد من المنزل، هي إحدى الوسائل التي يستخدمها كثيرون لإخضاع زوجاتهن وإرغامهن على السكوت.
علا، سيدة سورية تسكن في حي الهاشمية في أورفة، اختارت البقاء مع عائلتها، مبررةً “أنا صابرة من أجل الحفاظ على أسرتي وأبنائي”. خيار صعب قد تترتب عليه معاناة مستمرة كما ترى علا، إلا أنها “مجبرة فهو أفضل من الشارع”، واصفةً حياتها اليومية بأنها تتلخص بمشكلات مستمرة ووجع تحاول نسيانه بالحديث عنه لجاراتها أو لطبيبتها التي تشرف على علاجها من الكدمات، وتقدم لها بعض الدعم النفسي.
عشرات الحالات تستقبلها المراكز الاجتماعية
ليست علا الوحيدة التي تعيش معاناة العنف الأسري، فالعديد من السيدات يتعرضن للعنف في ظل خلافات عائلية تتزايد في أورفة، بينما يترك بقاؤهن صامتات آثارًا نفسية وجسدية يصعب علاجها، كما ترى الدكتورة كوثر العيسى، العاملة ضمن إحدى المراكز الاجتماعية في أورفة.
“هناك عشرات الحالات التي تصلنا بشكل أسبوعي إثر تعرضها للعنف الزوجي والعائلي”، تقول العيسى والتي تعتبر أن هذا العنف لا ينصب على النساء فقط بل يشمل الأبناء أيضًا، وتصفه بأنه “ذو تأثير سلبي على العائلة وخاصة الأطفال”.
وتزداد التأثيرات السلبية كلما تقدم الطفل في العمر، ويؤثر العنف الأسري على أدائهم المدرسي، وفق العيسى، التي تتخوف من أن يتحول الشعور الداخلي للأطفال إلى الغضب والعداء تجاه ذويهم، ثم إلى حالة من الاكتئاب والإحباط والاضطرابات السلوكية، والتي ستنعكس على صحتهم الجسدية، وتؤثر على مرحلة النضج في ظل نقص الاهتمام بهم، على حد وصفها.
العنف فرضه “الهم الاقتصادي“
“هذا العنف فرضته ظروف الحياة الصعبة والضغوط المتزايدة على كاهل الزوج، وخاصة الهم الاقتصادي وتأمين لقمة العيش والشعور الدائم بغياب الأمان والاستقرار”، كما يرى أنس عبد الناصر، ويعمل أستاذًا للغة العربية في أورفة.
تزوج عبد الناصر قبل ست سنوات وهو أب لطفلين، كما يقول لعنب بلدي، مضيفًا “نحن هنا في مجتمع غريب ومنفتح بعيد عن عاداتنا وتقاليدنا وديننا”، ويعتبر أن الانفتاح النسبي الذي يعيشه المجتمع التركي خطر على الأسر، ومن واجب الزوج حماية أسرته من الضياع بمختلف الأساليب والوسائل “ومنها الضرب”.
ووفق أستاذ اللغة العربية فإن الضرب هو إحدى الوسائل للسيطرة على تصرفات الأبناء وضبط العائلة، ويعزو سبب حدوث الشرخ الأسري إلى فقدان البيئة السابقة والابتعاد عن الأهل والمجتمع القريب الذي كان يشكل حاضنة تساعد على حفظ العائلة، وتجاوز أي شرخ في حال حدوثه، مردفًا “بعض العنف ضروري ومشروع”.
ويرى الشيخ جمال البدري، أستاذ العلوم الشرعية في مدينة اسطنبول، أن حديث عبد الناصر يأتي ضمن إطار “أسباب صحيحة تبرر تصرفًا خاطئًا، وعلاج غير صحيح للمشكلة”، معتبرًا أن الضرب وسيلة أخيرة ممكن اللجوء إليها “على ألا يكون مبرحًا لا يكسر عظمًا ولا يدمي ولا يجرح”.
وتجب المساءلة القانونية قبل الدينية، وفق البدري في حال تجاوز الزوج والوالد حدود عملية التأديب، وأدى ذلك إلى أذية الزوجة والأبناء، لافتًا إلى أن القانون التركي يمنع العنف ضد الزوجة ويعاقب عليه.
كثيرة هي الحالات التي تُعايشها أحياء وأزقة أورفة التركية يوميًا، وتبقى وفق رؤية الكثيرين مشكلة صعبة الحل حتى اليوم، بينما يرى البدري أن الأسرة التي تربي الفرد وتزرع فيه الفضيلة والأخلاق، وتبعد عنه نوازع الجريمة، “تنشأ متفاهمة ويكون أفرداها أشخاصًا واعين ومستقيمين”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :