لا يختلف حال السكان في مدن وبلدات الغوطة الشرقية عن بقية المناطق السورية، التي تعاني بسبب شح الكهرباء وانقطاع مصادر الطاقة الأساسية، ما جعل حياة المواطنين “أصعب” في ظل استمرار الحرب، خاصة أن المولدات الكهربائية التي يستخدمها معظم السكان في المنطقة بحاجة إلى مازوت وبنزين، ولا يمكن في حالة الحصار المفروضة الحصول عليهما بسهولة، وإن تم تأمين المحروقات تكون أسعارها “كاوية” ولا يمكن لأي مواطن شراؤها.
وشكّل صرف الأموال على المحروقات عبئًا كبيرًا على الطبيب محمد الحكيم، المتخصص في الجراحة العامة، والذي يؤكد أن عدم جدوى استخدام المولدات وعدم قدرتها على تأمين الاحتياجات المنزلية جعل الأهالي يدفعون الأموال للمستثمرين الذي يملكون مولدات ضخمة من أجل الحصول على الكهرباء.
ويوضح الطبيب “لا يمكن القول إن هناك مصدرًا واحدًا للكهرباء لدى الأهالي في الغوطة الشرقية، بل تتنوع هذه المصادر حسب الحاجات وحسب القدرة على الدفع”، فهناك البطاريات الصغيرة التي تستخدم للإضاءة، وهناك البطاريات المتوسطة 12 فولط القابلة للشحن، لكن حاجة الأهالي للطاقة جعلتهم يبتكرون طرقًا بديلة، أبرزها طاقة الرياح باستخدام عجلات الدراجات الهوائية، لكنها “غير مجدية”.
ونتيجة لذلك، بادر الأهالي للاشتراك بمولدات ضخمة، بعد أن أصبح هناك مولدة مركزية لكل حارة، يشتركون فيها مدة ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميًا، وهذا كان “أنسب خيار” على حد قوله.
غلاء الطاقة الشمسية يحرم الأهالي منها
منذ أن قطع النظام الكهرباء عن مناطق الغوطة الشرقية بعد سيطرة قوات المعارضة عليها، درج الأهالي على ابتكار الطرق البديلة لتوليد الكهرباء بالتعاون مع المجلس المحلي في كل مدينة، وكانت المولدات الضخمة هي المسيطرة على الساحة، فازداد عدد المستثمرين الراغبين بالاستثمار في هذا المجال بعد أن وجدوا دعمًا من المجالس المحلية، لكن اشتداد الحصار وعدم القدرة على توفير المحروقات قفز بسعر الأمبير من 60 ليرة العام 2013 إلى أكثر من 1500 ليرة في نفس العام، إلى أن ساهم وجود الأنفاق بعد ذلك بتوفير المحروقات، وفق ما يقول مواطنون وتجار في الغوطة الشرقية لعنب بلدي.
إضافة إلى المولدات المركزية، دأب الأهالي على استخدام منتجات جديدة، هي “ألواح الطاقة الشمسية”، لكن سعرها “المرتفع جدًا” والذي يقدر بنحو 400 دولار لكل لوح مع لوازمه، جعل استخدامها محصورًا بميسوري الحال.
وبنتيجة ذلك، انقسم السكان في الغوطة الشرقية من حيث الاعتماد على البدائل لتوليد الطاقة الكهربائية إلى ثلاثة أقسام، قسم يحصل على الكهرباء من الطاقة الشمسية، وقسم آخر يشترك بمولدة ضخمة مدة ساعتين إلى ثلاث يوميًا، وقسم يعيش بالظلام.
طريقة اشتراك المواطنين بالمولدات المركزية في الغوطة الشرقية:
الطريقة الأولى: الاشتراك عبر شراء الأمبير، استهلاك يومي لمدة ثلاث ساعات بـ 1100 ليرة سورية أسبوعيًا.
الطريقة الثانية: الاشتراك عبر تركيب ساعة عداد، ويكون الاستهلاك بالكيلو واط ساعي، بسعر 250 – 300 ليرة للكيلو واط الواحد.
22 مستثمرًا يمدون الغوطة الشرقية بالكهرباء
ساهم تحرك المجلس المحلي من أجل تأهيل وإصلاح قطاع البنية التحتية في الغوطة الشرقية بجلب مزيد من المستثمرين وأصحاب الأموال لشراء مولدات كبيرة ووضعها في الخدمة، لقاء حصولهم على مبالغ مالية من الأهالي، يحددها المجلس المحلي.
وتعد هذه المرحلة متطورة عن المراحل التي مر بها السكان من أجل تأمين الطاقة ومواردها، فكانت وماتزال الخدمات المقدّمة من المجلس المحلي محدودة وحسب الإمكانيات، إلى أن عمل المجلس على تقسيم الأحياء إلى حارات وسعى لعقد تفاهمات بين المستثمرين والأهالي للحصول على الكهرباء مقابل اشتراكات شهرية وأسبوعية.
وحول ذلك يقول موفق حجازي، مسؤول في المجلس المحلي، قسم الكهرباء والطاقة البديلة في مدينة دوما، “منذ ثلاث سنوات تغيّر الوضع في الغوطة، لدينا في مدينة دوما 22 مستثمرًا، لديهم مولدات ضخمة، بقياسات وأحجام متباينة، وقد توافق أصحاب المولدات والسكان على كمية التيار إلى منازلهم، واتفقوا على استجرار يومي ثابت، ومع الوقت استقر استجرار الكهرباء، وبدأ التعامل بالكيلو واط ساعي، وبدؤوا بتركيب عدادات تقيس حجم الاستهلاك بالأمبيرات”.
خدمات المجلس مقابل رسوم
للمجلس المحلي الحالي دور في مساعدة الطرفين على استقرار التيار في المنطقة، عبر إصلاح الشبكات وتأهيلها وتسليمها للمستثمرين، إذ توجد في الغوطة شبكات توتر منخفض فوق الأرض وتحت الأرض، وهناك (شبكة هوائية، وشبكة أرضية)، وأحيانًا عند تعطل هذه الشبكات يتم اللجوء إلى استخدام شبكة الإنارة الرديفة للشبكتين السابقتين، ويتم استثمارها في تخديم الأحياء، التي لا توجد فيها شبكات أرضية أو هوائية، وذلك لضمان استمرار وصول خدمة الكهرباء إلى المشتركين.
ويوضح مسؤول المجلس المحلي أن المجلس، وعبر إبرام عقود مع المستثمرين، يحدد أسعار الكيلو واط الساعي، وينظم العمل قدر المستطاع، ويهيئ الشبكة، ويصلحها، مقابل حصوله على رسم بمقدار خمس ليرات، تؤخذ عن كل ساعتي تشغيل.
الكهرباء تؤمّن فرص عمل جيدة
يضيّق نقص الفيول والمازوت في الغوطة الشرقية في كثير من الأحيان على الأهالي استخدام الطاقة الكهربائية ويحرمهم منها، لذلك يكون “الاستهلاك على الشعرة”، كما يقول مسؤول المجلس المحلي، فاستهلاك مدينة دوما بالكامل يبلغ حوالي 5 ميغا واط ساعي يوميًا، في حين أن الحاجة الفعلية هي أكثر من 23 ميغا واط، وهذه الأرقام تزيد يوميًا بسبب زيادة الاعتماد على الكهرباء في مختلف مجالات الحياة، مقابل نقص المازوت والمحروقات عمومًا.
ويعتبر المسؤول حجازي أن توزيع الكهرباء والعمل في هذا القطاع يشغّل نحو 700 عامل، عدا عن الوظائف الإدارية في المجلس، مشيرًا إلى أن قطاع الكهرباء أمّن فرص عمل جيدة جدًا.
الطاقة الشمسية لاستخراج المياه الجوفية
وبالنسبة لمصادر الطاقة البديلة فإن أكثر مصدر مجدٍ، إلى جانب المولدات المركزية، هو ألواح الطاقة الشمسية، لأن طبيعة المنطقة المنبسطة والمحاطة بالجبال يمنعان استخدام طاقة الرياح على عكس بقية المناطق السورية مثل “فتحة حمص المعروفة”. وهذا جعل استخدام الطاقة الشمسية أساسيًا، كما يقول حجازي، في مجالات مثل “الغاطسات الشمسية”، التي تستخدم بشكل واسع لاستخراج المياه الجوفية، وتعمل على الطاقة الشمسية، وتقدر استطاعتها 24 فولط. وهناك مشروع حالي لتوفير مياه الشرب في البلدات بالاعتماد على غاطسات تعمل بالطاقة الشمسية طاقتها واحد حصان، 220 فولط، مع محول وألواح وبطاريات.
مساع لخفض سعر الكهرباء
وفي دراسة حديثة أصدرها المجلس المحلي واطلعت عليها عنب بلدي، قدر احتياجات مدينة دوما من الكهرباء بحوالي 23 ميغا واط ساعي يوميًا لتأمن الكهرباء، عبر مجموعة مولدات 1000 KVA و800 KVA، حيث تمت تجزئة المدينة إلى 13 قطاعًا، كل قطاع يحتوي ثلاث مولدات، ويسعى المجلس لتأمين المازوت للمولدات وتخفيض سعره كونه يشكل الجزء الأكبر من تسعيرة الكهرباء، وفي حال تم توفير المازوت سينخفض سعر الكيلو واط ساعي.
تابع قراءة ملف: “مدن الأمبيرات”.. شبكات الكهرباء تنهار أمام أعين السوريين
العام 2011.. بداية خريف مشاريع الكهرباء في سوريا
وزارة الطاقة المؤقتة “تنوّر” على السوريين في إدلب وحلب
مجلس اعزاز المحلي: الكهرباء في كل بيت بمعدل عشر ساعات يوميًا
وزارة الخدمات.. جديد الحكومة المؤقتة لتولي قطاع الكهرباء في مناطق المعارضة
“خط إنساني” في حلب لتزويد مناطق المعارضة بالكهرباء
الكهرباء في حمص ورقة ضغط النظام والمعارضة.. والمواطنون “ضحية”
محطة “الزارة” الحرارية.. ورقة ضغط المعارضة على النظام
إدلب.. مولدات ضخمة تسد حاجة السكان من الكهرباء
محطة زيزون تتحول إلى ركام بعد أن دمرها قصف الطيران
تقاطع مصالح بين تنظيم “الدولة” والنظام والمعارضة
عنفات غازية “كهلة” لتوليد الكهرباء في الحسكة
درعا.. النظام يتحكم بشريان الكهرباء ومهربون يوردون “الديزل” عبر الصحراء
الغوطة الشرقية: المجلس المحلي يتكفل بالكهرباء ويضبط أسعار الأمبيرات
قصة مستثمر استخدم “زيت القلي” و”السمنة” في توليد الكهرباء بالغوطة الشرقية
حكومة النظام ترفع أسعار الكهرباء لتغطية العجز
موالون ومعارضون تجمعهم كراهية “التقنين الكهربائي” وشتم المتسبب
لقراءة الملف كاملًا: “مدن الأمبيرات”.. شبكات الكهرباء تنهار أمام أعين السوريين
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :