خمس سنوات ولم تتمكن الأحداث التي تمر بها سوريا من خرق جدار الإعلام الحكومي السوري، المنظومة التي تشكل أهم أجندة الدعاية السياسية والحزبية للنظام، والأحزاب “المعارضة” الداخلية، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، التي تعيش في كنف “حزب البعث” الحاكم، وتسبّح بحمده.
منذ اندلاع الثورة السورية، كان للإعلام السوري الحكومي الممثل بوكالة أنباء “سانا”، وصحف “البعث” و”تشرين” و”الثورة”، إضافة إلى إعلام الحلفاء التابع لطهران، مثل قناتي “المنار” و”الميادين” وغيرهما، دور كبير في تكذيب ما يجري على الأرض.
ورغم أن شعارات هذه المؤسسات تدل على “الحياد” و”الموضوعية” ونقل الواقع كما هو، لكن الواقع كان مغايرًا بشكل كامل، وكانت تغطية ما يدور على الأراضي السورية متفقةً مع رؤية الواقع من منظور محور المقاومة والممانعة، الممتد من إيران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت عبر دمشق.
يعتبر النظام السوري وموالوه هذا الإعلام “وطنيًا”، لكن في محاولات تقديم الدحض العلني لهذا التوجه، يتبين أنه ساهم ولا يزال في دق إسفين في وحدة السوريين، كشعب يحاول التخلص من الديكاتوتورية والانطلاق إلى مجتمع التعددية والحرية والديمقراطية. إذ يفترض على إعلام ينطلق من الواقع ويكون “نبض الحدث”، أن ينقل معاناة السوريين أينما كانوا، طالما يمثل سوريا بمساحتها الجغرافية وبـ 14 محافظة، ويمثل مأساة المهجرين الهائمين على وجوههم في الداخل والخارج.
عناوين من الفضاء
يكاد لم يبق صحيفة ولا موقع إخباري في العالم، إلا ونقل الفيديو والصور التي تظهر الطفل السوري عمران دقنيش، ينتشله رجال الدفاع المدني من تحت أنقاض منزله في حي القاطرجي بحلب، الأربعاء 17 آب الجاري، بعدما استهدفه قصف الطيران الحربي.
صمّت وسائل إعلام النظام آذانها عن الحدث، وكأن شيئًا لم يكن، ما جعلها تعيش في حالة انفصام عن الواقع ليست بجديدة، وأثبتت أنها تعيش لتمثل النظام ورؤيته وما يريد قوله، لا كوسائل إعلام تمثل السوريين ورغباتهم وتتحدث عن آلامهم.
من قبل عمران، لفّت صورة الطفل السوري إيلان الكردي، الذي وجد ميتًا على أحد شواطئ تركيا في مثل هذه الأيام العام الماضي، العالم، ولم تجد لها أي مساحة على وسائل إعلام حكومة النظام السوري.
ونظرًا للضغط الهائل الذي شكلته هذه الحادثة تم تناولها في هذه الوسائل على خجل، وسط تأطير “فج” للموضوع، على أن “الإرهابيين سبب مأساة الطفل وعائلته”.
النوم في العسل
تصدّرت صورة الطفل السوري، عمران، اليوم الجمعة 19 آب، الصفحات الأولى لأهم صحف العالم، وعنونت صحيفة تايمز البريطانية أنه “رمز لحرب الأسد في سوريا”، وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه “رمز لمعاناة مدينة حلب”، ولم تخرج صحف عالمية مرموقة مثل “فاينانشيال تايمز” و”sueddeutsche”، والنشرات الإخبارية الرئيسية لتلفزيونات عالمية من هذا الإطار.
في حين بقيت صحف النظام السوري والتلفزيون السوري العام، تتحدث عن “تقدم الجيش العربي السوري” وتدميره “أوكار الإرهابيين”، والبحث عن خيوط “المؤامرة الكونية” التي تتعرض لها سوريا عبر فرد مساحات على الورق وفي الاستديوهات لمحللين وخبراء يفندون بنودها ويفضحون أدوار الدول “المتورطة في سفك الدم السوري”، وذلك بعد مرور سريع على عناوين هذه الصحف يوم 18 و19 آب الجاري.
ويبدو أن صحيفة “البعث”، الناطقة باسم الحزب الحاكم، لا تزال تعيش في مرحلة سطوة البعث على سوريا وشعبها، ففي إمعانها لتجاهل أزمة الطفل عمران ومعه آلاف أطفال السوريين، ركّزت على أزمة تركيا ما بعد الانقلاب “الفاشل”، وعنونت في صفحتها الأولى “النظام التركي يفرّغ سجونه من المجرمين ويملؤها بالانقلابيين“.
ووجدت عنوانًا مميزًا في صفحاتها الداخلية حول مشاركة “قوى الأمن الداخلي بفعالية أطول رسالة وفاء للوطن وقائده”. ونسيت تمامًا أن قائد هذا الوطن هو السبب في مقتل 400 ألف سوري حتى الآن، كما يقول معارضون للنظام السوري.
أما صحيفة “تشرين” الحكومية، فوجدت من المفيد الحديث عن التحدث عن “شركات الاستخبارات التي تستأجرها أمريكا ضد سوريا والعراق“، بعدما كشفت قناة “الميادين” ذلك، دون أن تجد قصة الطفل عمران مكانًا ولو بسطور معدودات على صفحتها الأولى ولا على الصفحات الداخلية.
صحيفة “الثورة” لم تخرج عن السكة بل تصدّرت صفحتها الإلكترونية والورقية عنوان لا يمكن فهمه إلا من قبل كاتبه، حين نشرت مقالًا بعنوان “من نبض الحدث.. غزل لرفع أشرعة النجاة من الشمال.. ورقص أرعن على إيقاع المجاديف جنوبًا”.
إعلام الطرشان
الحالة الصعبة التي وصل إليها إعلام حكومة النظام السوري، من الإنكار وعدم رؤية أو طرح إلا ما تراه يخدم الآلة الدعائية لحزب البعث وحكومة النظام، جعل موالي النظام في حيرة من أمرهم، في وقت هجر السوريون على الضفة الأخرى هذا الإعلام منذ زمن.
حدا ذلك بالكثير من السوريين إلى عدم انتظار تناول قصة الطفل عمران وغيرها من قصص آلامهم عبر هذه الوسائل، ليعبروا عنها على صفحاتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، دون النظر إلى هذا الإعلام “المسيس” والمؤدلج” الذي لايقدم إلا منتجات معلّبة بعيدة عن الصحافة ورسائلها، وبلغة “خشبية” أكل عليها الزمن وشرب.
ووفق خبراء إعلاميين جعل هذا الواقع الإعلام الحكومي يعيش أزمة هوية، فلا رسائله تصل للجمهور كما يريد، ولا رجع صدى من المتلقين، بل رسالة باتجاه واحد، مصيرها أن تدخل من أذن المتلقي اليمين وتخرج من اليسار دون أي تأثير.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :