«رؤية صورة هذا الطفل هذا الصباح وأنا في طريقي إلى مكان عملي جعلتني أبكي» (بي بي سي).
كان هذا تعليق بالإنجليزية لمستخدمة غربية علقت على صورة طفل سوري اسمه عمران٬ أثارت صورته التأثر في «السوشيال ميديا».
مكمن الفرادة بهذه الصورة هي تعابير الطفل عمران صاحب الخمس سنوات٬ وهو مغطى بالغبار٬ ينظر بذهول٬ وفي نفس الوقت ملامح طفولته لم تغب٬ ولكنه من عمق الصدمة لم يستطع حتى البكاء.
تزداد الصدمة عندما يمسح الطفل الغبار عن وجهه الغض٬ ليبين لون الدم الأحمر القاني٬ لون الجراح التي خلفها القصف٬ ربما الروسي أو الأسدي٬ لا فرق٬ فكلهم يهيل قذائف النار وصواريخ الشيطان على أهالي حلب.
لم تكن هذه هي الصورة السورية الأولى التي تعبر عن هول الحرب الرهيبة في بلاد العسل واللبن٬ بلاد الشام. قبلها كانت صورة الطفل «إيلان» التي هزت كل المشاعر الإنسانية في العالم٬ وهو بشورته وقميصه الصغيرين ملقى على شاطئ بعيد عن حضن أمه وحماية والده٬ جثة فاضت روحها المتعبة على أمواج الهرب والهجرة من نيران «داعش» وصواريخ بوتين وبراميل بشار وهاون نصر الله٬ وبلطات الميليشيات العراقية العميلة لحرس خامنئي الثوري في سوريا. بعض أهوال الحروب خلدها الفن والرسم وجعلها أيقونة باقية٬ ترمز لفداحة الشر وفظاعة ما جرى للناس. من أشهر تلك الأعمال لوحة «غرنيكا» للرسام الأشهر في العصور الحديثة٬ وهو الإسباني بيكاسو٬ الذي خلد فاجعة قرية غرنيكا التي تعرضت للقصف الألماني عام 1937 في بروفة مبكرة للحرب العالمية الثانية٬ كان ذلك خلال الحرب الأهلية الإسبانية.
القرية الصغيرة الواقعة بإقليم الباسك فتكت بها كاملة القذائف الألمانية٬ وكانت صدمة رهيبة للجميع٬ ومثلت لوحة بيكاسو أيقونة خالدة لهذا الرعب حتى اليوم.
كان ذلك رغم «بدائية» الطائرات وأسلحة الموت٬ في ذلك الوقت٬ فما بالك بما «يتفنن» فيه الروس ومن معهم اليوم في صنوف الموت المسلطة على أهالي حلب؟
هل لو عاش بيكاسو في وقتنا هذا وشاهد صورة الطفل الحلبي عمران٬ كان سيفعل شيًئا يشبه الغرنيكا؟!
الفنان الإنسان٬ لا يتغير٬ لكن مع عصر الصورة النقية٬ والنقل المباشر٬ والهواتف الذكية٬ صار لدينا مئات من لوحات الغرنيكا اليومية٬ فهل أثرت في الرأي العالم العالمي؟
صورة٬ أو لوحة٬ الطفل عمران٬ بلون الغبار المخيف فيها٬ ونظرات القنوط والهول الرهيبة٬ وانبثاق الدم من شقوق الغبار على الوجه الذاهل٬ هي بحد ذاتها غرنيكا٬ من دون ريشة الرسام وأصباغه.
لكنها غرنيكا لم تحرك شيًئا لدى المتذوقين الغربيين.