العتم المقارن
كتب الزملاء تركي الدخيل ومشاري الزايدي وعضوان الأحمري في موضوع مشترك: هل الناس نادمة على أنظمة مثل صدام حسين ومعمر القذافي؟ وأيهما أفضل للعراق الحزين وليبيا المحزنة؛ ظلم النظام أم الانهيار الكلي بين أيدي الغرباء؟ والحقيقة أن طرح المسألة بهذه الطريقة لا يفيد في الوصول إلى نتائج قومية أو إنسانية.
وهو ما اتفق الكّتاب الثلاثة على تأكيده. فليس معروًفا عن أحد منهم سوى المواقف النبيلة بصرف النظر عما إذا كانت القضايا خاسرة أم رابحة.
معظم من أتحدث إليهم من أهالي الدول الاشتراكية السابقةُيعربون عن أسفهم لسقوط تلك الأنظمة٬ وعن حنينهم إلى الاستقرار الذي عرفوه في ظلّها. فقد كانت جميع الأشياء الأساسية مؤّمنة تقريًبا بدًءا بالرغيف٬ مروًرا بالعلم٬ وانتهاء بالوظيفة. وماذا يهم بعدها أن يكون هناك نقص حاد في الحرّية٬ أو أن تكون إيلينا تشاوشيسكو رئيسة علماء البلاد٬ مثلما كان أحد صهري صدام حسين؟! وأين الكارثة في أن تقطع ليبيا علاقاتها مع النمسا إذا لم تسمح للطالب سيف القذافي بأن يرافقه نمره إلى سكن الجامعة؟! أكثر من ذلك٬ أين الكارثة في أن يشغل الأخ العقيد جميع الأمم والدول والبلديات حول العالم بمكان إقامة خيمته المزركشة التي تذكره بأيام لم يكن يملك سقًفا سواها٬ وأصبح يملك سقوف النفط في أسواق العالم؟!
عندما ننظر الآن إلى تلك التفاصيل تبدو واهية ولا معنى لها. فلا القصور العديدة التي بناها صدام٬ ولا القصور التي يحتلّها «داعش» فيِسرت٬ أمر يستحق الثورات والانهيارات ووقوف الدول على حافة الزوال. هذا إذا لم يكن لدينا أي معيار إنساني٬ أو أخلاقي٬ أو قانوني في معاملة الشعوب. لقد أّمن تشاوشيسكو للرومانيين معظم ضرورات الحياة٬ لكنه جّردهم من كرامتهم٬ وأرغمهم على عبادته٬ وعلى جعله هو الأب والأم والأرض. ومن أجل ذلك لم يترك جماعة بشرية في مكانها. وكان يحرص على أن ينام كل روماني وهو يرتعد خوًفا مهما كان بريًئا٬ أو لا علاقة له بأي شيء. وعندما قامت الثورة في وجهه٬ حدث ذلك في المدينة التي كان يعتقدها معقل شعبيته وعبادته. فجأة٬ تطلع العّمال من حولهم وغيروا اتجاه المظاهرة نحو الرجل الإله الذي ما عاد يقبل شيًئا دون العبادة.
ألا تستحق الشعوب الاستقرار والرغيف والوظيفة من دون أن تسجد كل يوم للرمز المرعب؟! وهل الخيار الوحيد الممكن بين ظلم يدوم 40 عاًما يعلّق المشانق في الجامعات ويطارد معارضيه إلى أوروبا٬ و«داعش» يفلت بكل فظاعاته على الليبيين وينّكل بهم في أمنهم وأرزاقهم وحياتهم؟ لماذا لا يحق لنا حياة عادية مثل بقية البشر؟ ولماذا يتبارى أطفال العالم من أجل الميداليات الذهبية بينما نقصف أطفالنا بالكيماويات٬ أو نغلق المدارس في وجوههم٬ أو نحولهم جميًعا إلى خيام حارقة في الصيف٬ موحلة في الشتاء٬ ظالمة في كل حين؟ المسألة أيًضا أن الأنظمة التي قُلبت وحلّت محلها هذه الفوضى٬ قد أسهمت إلى أبعد مدى في ظهور مجرمي الظلام الذين لم يتعلموا شيًئا في سنوات الخفاء والعتم سوى كيف يتجاوزون الجلاّد السابق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :