عنب بلدي – العدد 75 – الأحد 28-7-2013
كثر تغيروا للأحسن أو لغيره، وآخرون أخذوا مكان غيرهم في الحياة، تزوج البعض، بينما وصلت للبعض معنا -في المعتقل- أوراق الخُلع. وفي الوقت الذي يكافح فيه أناس من أجل غيرهم بانتظار من يحبون، يستقلّ ثلة قطار الرحيل إلى الوجه الآخر دون التلفت إلى من يترقب في محطة الأمل وصول من عبروا إلى محطات أخرى في الوقت بدل الضائع وكل شيء قد ضاع!!…
وفي الزحمة من كل ذلك تحاول ألا تشوبك شائبة من هنا أو هناك، تنال منك ومن طاقتك، إن وجدت، تتلفت حولك وتمد يديك، تبحث جاهدًا عمن يسندك فتدخل في دوامات لا نهاية لها من الحيرة والوحدة والعجز.
كلما قرأت آيات من القرآن يزداد اعتقادي بأنه {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم47، أمضي معه فأطالع {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} الرعد17 إلى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} الصف8، مرورًا بالكثير والكثير.
تريحني تلك الآيات كثيرًا، ولكنها في الوقت ذاته تحمّلني أعباء أحسها اليوم بأنها فوق طاقتي في ظل العجز الذي أعيشه.
كذلك العقل والأفكار والمبادئ التي تشربناها خلال السنوات الماضية أشعر في كثير من الأحيان بأنها نقمة عليّ، أو بالأحرى بأنني نقمة عليها..
عندما نغوص في تفاصيل الحياة -أية حياة- ونصطدم بمواقفها ومطباتها وعلاقاتنا مع من حولنا، نحاول استجداء الآيات والمبادئ السامية، فتسعفنا أحيانًا ونخذلها أحيانًا أخرى، وإن كنت أدرك بأن {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} الشورى30، ولن تتغيروا حتى {يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الأنفال53 حتى وحتى !!..
كلما توقفت الأرض عن الدوران واكتست الشمس وشاح السواد، وأظهر الإنسان أبشع ما عنده، وأصرّ آدم على الأكل من شجرة الخلد، وملك لا يبلى، كلما تردد في مخيلتي صدى صوت الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة30 فأصحو على {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} البقرة30 ويتكرر المشهد والسيناريو ذاته إلى ما لا نهاية على ما يبدو.
كلما اتسعت بنا الخطوات، ضاقت فينا النفوس، تضيق القلوب والأمكنة، تموت الدموع قهرًا في المقل، فنهبط بأيدينا جميعًا إلى أسفل سافلين {وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} البقرة36.
كلما أستذكر طلب موسى من ربه أن يشد عضده بأخيه هارون {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} طه31، أو زكريا ينادي ربه (رب لا تذرني فردًا) كلما خطر ببالي قول محمد عليه الصلاة والسلام لأصحابه (أنتم تجدون على الحق أعوانًا وهم لا يجدون)… أي نحن لن نجد…
إن كان النبي موسى طلب أن يكون معه من يشدّ على يده، فكيف بمن عصفت به رياح الضعف، فشوّهت الزمان والمكان وعرّت الضمائر وجمدتها.
كلما اعتراني كل ذلك شعرت بالحاجة إليكم، إلى أصدقاء أحببتهم وأحبوني، إلى نصحهم ورشدهم، فلم أملك إلا الدعاء واستجداء الله أن يصبرني ويعوضني عن البعد عنكم {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} الإسراء80.