محمد إبراهيم – درعا
تعتبر مدينة إزرع أحد أهم خطوط دفاعات النظام عن مدينة دمشق من الجهة الجنوبية، ولكن أهميتها الاستراتيجية لم تنعكس على أرض الواقع، فحافظت المدينة على نوع من الهدوء بعيدًا عن الثورة، دون أن تشهد أي محاولة لتحريرها أو كسر دفاعات النظام فيها.
تقع مدينة إزرع إلى الشمال الشرقي من مدينة درعا، وتعتبر ثالث أكبر مدن درعا. تُوصف بأنها أول خطوط الدفاع للنظام عن مدينة دمشق من الجهة الجنوبية، كما أنها تتميز بخليط سكاني وديني يغلب عليه الديانة المسيحية. |
فهل المدينة محايدة في الثورة أم محيّدة عنها قسرًا؟
يصف بعض المتابعين انضمام إزرع إلى المظاهرات السلمية في بداية الثورة في درعا، بأنها شكلت منعطفًا هامًا حينها، فالمدينة التي تغلب على سكانها الديانة المسيحية يعتبر التحاقها بالحراك السلمي رسالة بأن الثورة لا تحمل نهجًا أو صِبغة طائفية.
ولذلك كان رد النظام على أولى المظاهرات الحاشدة في المدينة قاسيًا، فشهدت مجزرة في نيسان 2011، عندما فتحت قوات الأسد نيرانها على آلاف المتظاهرين فيها لتردي عشرات القتلى والجرحى، ليكتمل المشهد في اليوم التالي مع انطلاق آلاف المتظاهرين من أبناء مدن وبلدات درعا باتجاه إزرع لإبداء التضامن مع أهلها، لتقف قوات النظام في وجههم وتمنعهم من الوصول، منفذة مجزرة جديدة راح ضحيتها العشرات كذلك.
هذا المشهد عكس الأهمية الكبيرة التي تمثلها مدينة إزرع بالنسبة للنظام، واعتباره أن أي حراك ثوري فيها ممنوع تحت أي ثمن، ما دفعه لتحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية كبيرة، حظيت الأفرع الأمنية فيها بالسطوة العليا لتشن حملات اعتقالات طالت المئات من أبناء المدينة، ودفعت المئات غيرهم للنزوح هربًا نحو المناطق المحررة.
أبواب إزرع مغلقة
الأهمية الكبيرة التي أبداها النظام في حفاظه على إزرع، لم تجد ما يقابلها لدى فصائل المعارضة، فعلى الرغم من وصول الفصائل إلى تخوم المدينة أكثر من مرة، سواء بعد سيطرتهم على مساحات واسعة في منطقة اللجاة، أو سيطرتهم سابقًا على مدينتي خربة غزالة والشيخ مسكين، إلى أن المعارك كانت تقف على مسافات قريبة من المدينة، دون القيام بأي محاولة للتقدم نحوها.
عنب بلدي التقت مع طارق أبو الزين، المتحدث الإعلامي باسم غرفة عمليات إزرع التابعة للمعارضة، وأوضح أن المدينة تحولت إلى عصب حياة النظام العسكري في حوران، خاصة بعد اعتماده عليها كمركز لمؤسسات النظام عقب معركة “عاصفة الجنوب” في مدينة درعا، في حزيران 2015، وأضاف “المدينة تحتوي على أكبر ألوية النظام وقطعه العسكرية، ففيها اللواء 12 وقيادة الفرقة الخامسة والفوج 175 بالإضافة لقيادة اللواء 82 التي انتقلت إليها مؤخرًا”.
“الأهمية العسكرية للمدينة، بالإضافة لطبيعة سكانها وتركيبتهم الاجتماعية والدينية المميزة، والتحاق أعداد كبيرة من أبنائها في صفوف الجيش الحر في المناطق المحررة، وغياب الاهتمام العسكري بالمدينة من غالبية فصائل الجيش الحر”، كل ذلك دفع نحو تشكيل غرفة عمليات إزرع، بحسب أبو الزين، موضحًا أنها “تحظى بمصداقية واعتراف محكمة دار العدل ومجلس محافظة درعا والحكومة المؤقتة”، ومضيفًا أنهم وضعوا ميثاقًا لعمل الغرفة، يهدف إلى حمايتها ومؤسساتها والحفاظ على التنوع الديني فيها، فيما لو “حررت”.
إلا أن جميع الضمانات والتجهيزات العسكرية واللوجستية التي قدمتها غرفة عمليات إزرع لم تجد صداها لدى فصائل “الجيش الحر”، وقال أبو الزين “قوبلت جميع مبادراتنا لبدء عمل عسكري في إزرع بالرفض من قبل فصائل الجيش الحر في درعا، لارتهان القرار العسكري بالخارج الذي لا يريد أي معركة على إزرع حتى الآن”.
وعلى الرغم من هذا الرفض إلا أن غرفة عمليات إزرع شنت في كانون الثاني الماضي هجومًا على المدينة، في سعيها لتخفيف الضغط عن مدينة الشيخ مسكين التي تعرضت لهجوم حينها من قبل قوات الأسد قبل سيطرتهم عليها، وأضاف المتحدث “استطعنا الهجوم بشكل منفرد من أكثر من محور وقمنا بتدمير مرصد الصوامع والتعامل مع غالبية الدشم الدفاعية، إلا أن الإمكانيات المتواضعة لنا وعدم مشاركة باق الفصائل دفعنا لإيقاف المعركة”.
خطوط حمراء تمنع التحرير
يفسر البعض أن التركيبة الدينية الموجودة في إزرع هي من أهم أسباب هذا التحييد المتعمد للمدينة عن الخارطة العسكرية رغم أهميتها الكبيرة. لكن أبو الزين يرد على هذا الكلام موضحًا أن سكان المدينة بمجملهم مؤيدون للثورة على اختلاف معتقداتهم، معتبرًا أن “تحييد المدينة مردّه لقرار خارجي بحت، وللأسف ارتهان القرار الداخلي للفصائل بهذه الخطوط الحمراء الخارجية، التي تهدف لإطالة أمد المعركة في الجنوب لأطول فترة ممكنة”.
واعتبر أبو الزين أن “تحرير إزرع سيكون له دور كبير في اختصار المعركة وتحرير كامل المحافظة”، فالمدينة لا يمكن اعتبارها مؤيدة أو محايدة، بل هي “محيدة قسرًا عن الثورة”، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن الخطوط الحمراء لا تشمل إزرع فقط، بل هي مرسومة أمام كثير من المدن والبلدات، “بلدة خبب على سبيل المثال، تجاور مدينة إزرع ولا تقل أهمية عنها بسبب إشرافها على الأوتوستراد الدولي، وهي كذلك تخضع لخطوط حمراء تمنع الفصائل من الاقتراب منها”.
“التحرير” يبدأ بالقرار
مازال السؤال الأكبر حول مدينة إزرع، يتلخص في المتطلبات اللازمة لتحرير المدينة، والتي يرى أبو الزين أن أهمها “وجود نية صادقة لدى الفصائل بأهمية المعركة وأهمية تحرير المدينة، وتخليص حوران من ثكناتها العسكرية التي أذاقت أهلها ويلات القصف، بالإضافة لضرورة أن يكون قرار التحرير داخليًا بالكامل لا يخضع لأي ضغوطات خارجية”، وبعد ذلك لن تكون السيطرة على المدينة أمرًا صعبًا، وفق رؤيته، فهي ورغم تواجد النظام فيها بكثافة، إلا أن فصائل المعارضة لديها القدرة الكاملة على المواجهة، “لدينا خبرات عسكرية كبيرة، والعشرات من أبناء المدينة من الضباط المنشقين، لديهم الخبرة العسكرية الكبيرة والدراية الكاملة بجغرافيا المنطقة، وهؤلاء قادرون على إدارة أي معركة تحرير”.
حتى ذلك الحين، تتوقف مهام غرفة عمليات إزرع على “الرباط على أطراف المدينة ورصد تحركات النظام وعمليات زراعته للألغام، بالإضافة لرصد التحركات والتعزيزات وإبلاغ الفصائل الأخرى بها، بالإضافة لما نملكه من قدرة على مشاغلة النظام لتخفيف الضغط عن أي معركة أخرى، مع إصرارنا الدائم على ضرورة التجهيز المتواصل والضغط على الجميع للبدء بعملية تحرير المدينة”، بحسب المتحدث باسمها، مجددًا تأكيده على الميثاق الذي أعلنته الغرفة وتعهدت فيه بالحفاظ على المدينة وتنوعها الديني، وجهوزيتها الكاملة للحفاظ على مؤسساتها وحمايتها من أي عمليات تخريب أو سرقة.
بالنظر إلى إزرع كمدينة خاضعة لسيطرة النظام السوري، وتتجنب فصائل المعارضة التقدم نحوها رغم هيمنتها على مساحات واسعة في محافظة درعا، نستنتج أن رسم خارطة السيطرة لا تحدده الانتماءات الدينية أو التأييد والرفض للنظام والثورة، بل هو يخضع لقرارات تبدو إقليمية أكثر بكثير منها داخلية، وإزرع مثال.