د. أحمد الشامي
من المبكر الحكم على النتائج النهائية لمعركة “حلب” وعلى ما يبدو سيكون هناك كر وفر دون حسم نهائي.
ما يدفع للحذر في استقراء المسار المتوقع للمعارك هو كون الساحة السورية تخضع لتجاذبات شتى وتدخلات حولت البلد إلى ميدان تتصارع فيه اﻹرادات الخارجية، التي تتبادل “الرسائل” فيما بينها على حساب السوريين.
في رأيي معركة “فك حصار حلب” بدأت بقرار خارجي فرض على الفصائل التوحد للمرة اﻷولى منذ عسكرة الثورة.
من يدرك كيف يتم تحريك الفصائل “بالريموت كونترول” عبر غرف “الموك” وشبيهاتها يعرف أن الفصائل نادرًا ما تهب لنجدة بعضها، ناهيك عن الاهتمام بالمدنيين المحاصرين، ولنا في “داريا” و”حمص” أمثلة عن غياب الحس الوطني والمسؤولية لدى أغلب أمراء الحرب ممن يقودون تشكيلات محلية تكتفي من الغنيمة باﻹياب.
قرار التحرك باتجاه حلب كان قرارًا مشتركًا من قبل ممولي الفصائل الذين أدركوا أن سقوط المدينة، يعني نهاية اللعبة بالنسبة لكل من قطر والسعودية، وخاصة بالنسبة لتركيا، الخاسر اﻷكبر. هي إذًا قضية حياة أو موت، ليس بالنسبة للسوريين الذين يذبحّون كل يوم منذ خمسة أعوام، بل بالنسبة لممولي الفصائل.
هذا أمر مؤسف ﻷنه يعني أن قرار نصرة حلب لم يكن سوريًا حصرًا، بل أتى نتيجة توافق بين خوف الفصائل من اﻹبادة في حالة انتصار النظام في حلب وقرار الراعي التركي بتجاوز الفيتو اﻷمريكي جزئيًا، وتقديم بعض الدعم للمقاومة السورية وحضها على القيام بواجبها في مقارعة النظام.
“أردوغان” كان يخشى أن يصل مهزومًا وخانعًا إلى بلاط القيصر في قمة “سان بيترسبورغ”، لذلك أراد اﻷتراك تحقيق انتصار ما على اﻷرض. “بوتين” لا يريد المبالغة في “شرشحة” ضيفه ويرغب في اجتذاب تركيا لصفه، لذلك تغيب الطيران الروسي عن معركة حلب ولم يشارك بها سوى لرفع العتب، في حين استشرس الروس في الانتقام من إدلب ومحيطها ثأرًا لطياريهم القتلى في المروحية التي سقطت قرب سراقب.
سقوط هذه المروحية يبدو كلغز، ففي حين يصر الروس على أنها أسقطت بصاروخ حراري، بذلت كل الكتائب المتواجدة في المنطقة جهودها للتأكيد أن المروحية سقطت “لوحدها” إثر عطل فني! وهو ما يناقض المنطق، فمن مصلحة السوريين أن يخاف الطيارون الروس من إسقاط مروحياتهم، وكلنا نعلم أن الانعطافة الكبرى في حرب أفغانستان بدأت مع ظهور صورايخ “ستينغر” في أيدي المجاهدين، مما أدى إلى تحييد المروحيات الهجومية السوفييتية وفرض على جيش الاحتلال السوفييتي إرسال قوات برية وتحمل خسائر بشرية هائلة، مما أجبرالسوفييت على الفرار من المستنقع اﻷفغاني.
المستنقع السوري سيكون أكثر دموية بكثير من ذاك “اﻷفغاني” بالنسبة للروس.
هناك تناقض ما بين رسائل التهدئة المتبادلة بين “القيصر” و”السلطان” وبين إسقاط المروحية الروسية الذي قد يمهد لتصعيد كبير على الساحة السورية، فمن أين أتى هذا الصاروخ؟
من أرسل هذا الصاروخ الحراري للثوار يريد إرسال رسالة واضحة مؤداها أن قواعد اللعبة في سوريا قابلة للتغير بين ليلة وضحاها، وأن تزويد السوريين بوسائط دفاع جوي سوف يقلب كل المعادلات ويحول سوريا إلى مقبرة للغزاة.
التركي ليس له مصلحة، ولا رغبة في إغضاب بوتين ومن اعتذر بعد إسقاط مقاتلة اخترقت أجواءه وعن قتل طيار واحد، لا يبدو راغبًا في إعادة الكرة مع خمسة طيارين.
هل خرج السعوديون من حالة “الموت السريري” وأدركوا أنهم سيدفعون ثمن التفاهم التركي الروسي؟
هل أراد اﻷمريكيون تعكير شهر العسل التركي- الروسي وتوجيه رسالة مؤداها أنهم هم من يقررون مسار اﻷحداث في سوريا؟
هذا ما ستخبرنا به اﻷيام المقبلة.