جودي عرش – حمص
عاد بعض سكان مدينة حمص إلى حي باب السباع رغم مخاطر “كبيرة” تحدث عنها مواطنون، ورغم وصف ناشطون معاملة النظام السوري للسكان العائدين إلى الحي بأنها “أشبه بمعاملة السجناء“، فإن ذلك كفيلًا بالحد من عودة المهجّرين إلى منازلهم.
بدأ سكان الحي الأصليون يتوافدون إلى منازلهم في منطقة باب السباع بشكل ملفت منذ منتصف العام الماضي، وقدّرت بعض العائلات التي وصلت إلى الحي (رفضت كشف هوياتها) الفئة العمرية التي عادت، بأكثر من 40 عامًا.
(م. ر) سيدة أربعينية استقرت مؤخرًا مع زوجها (57 عامًا) وأبنائها في باب السباع، وقالت إنها عادت لأن زوجها، الذي يعاني وضعًا صحيًا غير مستقر، لم يستطع مزاولة عمله، مضيفةً “عدنا بما أننا لم نعد نستطع دفع إيجار المنزل الذي قطنا فيه بعد نزوحنا، ورغم أن عودتنا محفوفة بالمخاطر لكننا مللنا رحلة التهجير القسرية”.
دخول الحي يتطلب موافقة أمنية
يتطلب دخول “باب السباع” موافقة أمنية شخصية تصفها السيدة بـ”المعقدة”، ويضطر رب العائلة لتقديم طلب إلى المحافظة يتحول بعد توقيعه إلى الأفرع الأمنية، ليستقر أخيرًا في مكتب الأمن العسكري المسؤول عن المنطقة. ووفق (م. ر) يبقى الطلب بين 4 و6 أيام، كما حدث مع عائلتها التي تسلمت موافقة عقب تلك المدة قضت بالسماح لها بدخول الحي.
ويتولى المكتب الهندسي التابع للأمم المتحدة مهمة إعادة ترميم المنازل المتضررة في حي باب السباع، كتركيب النوافذ والأبواب وتمديد خطوط الكهرباء والصرف الصحي، وقدّرت السيدة الأربعينية أعداد الواصلين الجدد إلى الحي بـ400 عائلة، مشيرةً إلى أن الحياة بدأت تعود إليه.
وترى (م. ر) أن ما استقطب قاطني الحي وحثهم على العودة، هو عودة حركة السير بشكل طبيعي إليه وإعادة بعض المحال التجارية فتح أبوابها، وأكدت إعادة تأهيل بعض المباني في الحي وعلى رأسها مسجد المريجة.
قوانين صارمة يفرضها النظام
تدقيق أمني يفرضه النظام السوري على قاطني الحي، متمثلًا بالحواجز الأمنية التي تعلن حظر التجوال في شوارعه مساء كل يوم، وفق يوسف أبو خالد، أحد سكان الحي.
ويشرح أبو خالد لعنب بلدي طبيعية الحياة في باب السباع، مشيرًا “نخضع لقبضة أمنية مشددة ويفرض النظام قوانين صارمة يتحكم من خلالها بمواعيد خروجنا ودخولنا من وإلى الحي، إضافة إلى حظر تجوال يبدأ في الساعة السادسة من مساء كل يوم”.
وتحتاج الزيارة موافقة من الحاجز في مدخل الحي، في حين إذا قرر الضيف المبيت عند مضيفه لظرف طارئ “فيتطلب الأمر الخضوع لتحقيق وإهانة واستفزاز، وربما يتطور الأمر إلى شتم وطرد”، بحسب أبو خالد، الذي وصف شعور من يعيش داخل الحي، “تُحِس أنك تقطن في سجن كبير يخضع للمراقبة في كل شيء حتى التنفس”.
ويرى الرجل الأربعيني أن التدقيق الأمني يعود لاستقرار عدد كبير من عوائل الضباط داخل الحي، إضافة إلى “الضغينة التي يكنها النظام إزاء سكانه الأصليين باعتبارهم حاضنين للإرهاب” على حد وصفه، مؤكدًا أن عددًا من الضباط القادمين من الرقة ودير الزور وحلب استقروا مع عوائلهم في بعض منازل الحي”.
الناشط الحقوقي، عبد العزير الدالاتي، اعتبر عودة سكان الحي الأصليين بمثابة “تغيير للمخطط الديموغرافي الذي يسعى النظام لتطبيقه في حمص منذ بدء الحراك الثوري”، مشيرًا في حديثه إلى عنب بلدي إلى أن عودة أهالي باب السباع خصوصًا، وسكان حمص القديمة عمومًا، “تمثل ضربة في وجه مخطط التغيير الديموغرافي الذي يسعى النظام لتطبيقه”.
الدالاتي قال إن النظام يضع صعوبات عديدة في وجه قاطني الحي، ما يدل على أنه “مستاء من عودتهم رغم تظاهره الدائم بالوطنية والاشتراكية”، لافتًا إلى أنه “يحاول مرارًا اغتنام الفرصة لتمليك الحي لطوائف من غير السّنة بشكل نهائي”، على حد وصفه.
منطقة باب السباع، التي تتضمن أحياء عشيرة والنازحين وكرم الزيتون، ومنطقتي المريجة والعدوية، كانت مسرحًا لأول عملية نزوح في مدينة حمص، عقب مجزرة كرم الزيتون (آذار 2012)، وراح ضحيتها عشرات النساء والأطفال، قتلوا ذبحًا على أيدي مسلحين من الطائفة العلوية، يقول عنهم ناشطو المدينة إنهم باتوا ضمن مجموعات الدفاع الوطني التي تشكلت قبل نحو عامين.
ووفق أهالي الحي فإن النظام وبعد سيطرته على باب السباع بالكامل، سهّل سرقة منازلها من قبل الميليشيات الطائفية، وبيع الأثاث المنهوب في أسواق أعدت خصيصًا له، عرفت فيما بعد بـ “أسواق السنة”، بينما يرى آخرون أن عودة سكانه الأصليين أمر لا مفر منه رغم “المخاطر”، تفاديًا لاستمرار معاناة عاشوها أثناء رحلة نزوحهم خلال السنوات الماضية.