شوارع خاوية وفقدان سندات الملكية شكّل عقبة
“الأمل وتغيّر الحال” يحكم حركة سوق عقارات دير الزور
سيرين عبد النور – عنب بلدي
“من الصعب أن تعبر المفردات عن بوح العتبات التي غطاها تراب السنين وهدها الشوق إلى أهلها”، عبارة كتبها أحد أهالي مدينة دير الزور، وغصت بأمثالها مواقع التواصل الاجتماعي، بينما غدت منازل المدينة بين مدمرة وخالية، ما أثر على أسعار العقارات، والتي غدا تحسّن حركة بيعها وشرائها “حلمًا بعيد المنال”
من يزور أحياء دير الزور اليوم يرى أنها فقدت صخبها وحيويتها، أبوابٌ مغلقة بما بقي من سلاسل حديدية، وأقفال صدأ معظمها، تحكم قبضتها على أبواب حُطّم بعضها جزئيًا جراء الانفجارات وأيادي العابثين، داخل أكثر من عشرة أحياء يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في المدينة.
“المنازل فقدت الكثير من قيمتها ومحتوياتها، وتحول بعضها إلى رماد محترق”، تقول السيدة نجلا من سكان دير الزور، والتي نزحت عنها قبل قرابة ستة أشهر، موضحةً في حديثها إلى عنب بلدي أن معظم الأهالي رحلوا دون اصطحاب شيء معهم ما ترك المنازل وما تحتويه عرضةً للتلف والعبث.
نكبة اقتصادية في ظل ركود الأسعار
وتشير نجلا إلى أنه لم يبق سوى مئات العائلات التي يتكثف وجودها في ثلاثة أحياء: الشيخ ياسين والعرضي والحميدية، بينما تتناثر بعض العوائل ضمن ما تبقى من أحياء المدينة، أمر ساهم بانخفاض كبير لأسعار العقارات داخل المدينة، والتي شهدت ركودًا خلال السنوات القليلة الماضية.
ويرى محمد العاني، النازح عن دير الزور، والذي يعمل في مجال البناء والاستثمار العقاري، أن سوق العقارات توقف منذ أكثر من أربع سنوات، “بينما تحولت الأموال التي كانت مستثمرة فيه إلى غبار”.
انخفاض أسعار المنازل والمحال أسهم بخلق نكبة اقتصادية أثرت على من يملك عقارات في المدينة، والتي تقدر بعشرات ملايين الليرات السورية، وفق أهالي دير الزور، ويقول العاني لعنب بلدي إن أحد المحال في شارع البريد القديم بيع قبل ثلاث سنوات بمبلغ 600 ألف ليرة سورية، في وقت كانت التقديرات تشير فيه إلى أن سعره الحقيقي يصل إلى ثلاثة ملايين ليرة، “واليوم لا يساوي قرشًا لتعذر الوصول إليه”.
شوارع رئيسية غدت “غنائم” بيد التنظيم
بعد أن كانت أسعار الإيجارات في مناطق رئيسية داخل المدينة (شارعا ستة إلا ربع وسينما فؤاد) تتراوح بين 20 إلى 40 ألف ليرة باعتبارها تشكل قلب دير الزور التجاري ومركز حركتها، أضحت اليوم “غنيمة” لتنظيم “الدولة”، الذي استولى على معظم ما نجا منها، وفق العاني.
أحياء عدة، أبرزها الحويقة والرشدية، كانت معروفة بارتفاع أسعار عقاراتها، غدت اليوم أكوامًا من الحجارة المتناثرة، وربما يحرّم الاقتراب منها أو يعجز صاحبها عن رؤيتها.
التدهور الكبير جاء تبعًا لتوقف حركة السوق وتعطل الحياة الاقتصادية في الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام داخل المدينة، بحسب عمر العلوش، أحد سكان حي الجورة، والذي انتقل إلى الأحياء التي يسيطر عليها النظام (الجورة والقصور) منذ مطلع عام 2015.
وأفضى النشاط التجاري الذي شهدته تلك الأحياء بين عامي 2013 و2015، إلى ارتفاع في أسعار العقارات وإيجاراتها وصفه العلوش، خريج كلية الاقتصاد، بـ”الخيالي”، نتيجة ارتفاع الطلب وزيادة أعداد الأهالي القاطنين فيها (قارب الرقم حينها ربع مليون شخص)، ما جعلها تعيش انتعاشًا مؤقتًا توقف مع حصار التنظيم لمناطق سيطرة النظام.
ما سبق شكًل نكسة في مؤشر النمو العقاري، وفق العلوش، واعتبر أنه أسهم في توقف حالة الطفرة العمرانية التي عاشتها تلك المناطق، كما حدّد نقطة البداية لمؤشر معاكس انحدر هبوطًا مع كل يوم من عمر الحصار، متأثرًا بزيادة أعداد النازحين منها خوفًا من قذائف تمطرها يوميًا.
شوارع تجارية أساسية داخل مناطق النظام مثل شارع الوادي وشارع حوض الفرات قرب حي القصور (يطلق عليه الأهالي اسم عطرة إلا ربع تيمنًا بشارع ستة إلا ربع)، انخفضت الحركة فيها بشكل كبير مع استحالة وصول البضائع إليها، ما أفضى إلى انخفاض قيمة عقاراتها ودخولها وضع الركود منذ العام الماضي وحتى الجاري.
فقدان إثباتات الملكية شكّل عقبة
وفق الأهالي، يشكل فقدان الأوراق والإثباتات القانونية للعقارات عقبة آنية ومستقبلية، تمنع حركة السوق، فضلًا عن غياب جهة رسمية تصدق صكوك البيع والشراء والتأجير في الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام، ولكن ذلك لم يمنع من توثيق بعض حالات البيع والشراء، استنادًا لتصديق السلطة التي تحكم مناطق وجود العقار.
نازحون كثر اشتكوا من إحراق مباني البلدية والمحكمة ومقر الكاتب بالعدل، بعد العبث بالوثائق هناك، ويرى بعضهم أنه أثر وسيؤثر بشكل كبير على تحديد هوية مالك العقارات، ما سيعرقل بدوره حركة السوق الحالية، رغم أن التنظيم خصّص ديوانًا للعقارات يبحت أوضاعها ويشرف على عمليات البيع والشراء ويصدّق على المعاملات التجارية، فضلًا عن وضع يده على مئات العقارات بعد اتهام أصحابها بـ”الردة والكفر”.
وتحدث بعض سكان المدينة لعنب بلدي عن نزاعات قديمة طفت على السطح حول أحقية ملكية الأراضي والعقارات، بعد فصل محاكم التنظيم في دعاوى النزاع حول الملكية، ورد بعض المحال والأراضي إلى ملاك سابقين بعد إصدار قرارات قطعية انتزعتها من مالكها الحالي.
في الوقت الذي كان من المفترض أن تشكل العقارات أصولًا ثابتة لمالكيها لينتفعوا بها سكنًا أو استثمارًا لا أموالًا تركوها خلفهم، يرى معظم الأهالي أن وصف “ناشز” (المرأة التي خرجت عن طاعة زوجها فهجرها دون طلاق)، هو أفضل ما يمكن إطلاقه على وضع العقارات في الوقت الراهن والتي غدت وقفًا غير قابل للبيع أو الشراء، على حد وصفهم، آملين بتغير الحال إلى الأفضل مع قادم الأيام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :