عنب بلدي – العدد 75 – الأحد 28-7-2013
ياسمين مرعي
هي آلية من آليات تقصي الحقائق، تعتبر الأوسع انتشارًا والأكثر تطبيقًا، والأقرب اتصالًا مع العدالة الانتقالية، نظريًا وعمليًا. ورغم أن مفهوم لجنة الحقيقة مرتبط غالبًا بمثالها الذي يمكن القول بأنه الأكثر شهرة، لجنة جنوب إفريقيا للحقيقة
والمصالحة، فذلك العمل كان نوعًا غير معتاد من اللجان من جوانب مختلفة، مثل كونها لجنة الحقيقة الوحيدة التي كان لها سلطات منح العفو ..
يشير مصطلح «لجنة الحقيقة» عمومًا إلى هيئات تتقاسم مميزات خاصة، وهذه اللجان هي هيئات مؤقتة، تعمل غالبًا لمدة سنة أو سنتين، وتتم الموافقة عليها رسميًا أو الترخيص لها، أو تخويل السلطات لها من قبل الدولة، وفي بعض الحالات، من قبل المعارضة المسلحة؛ وهي هيئات غير قضائية تتمتع بنوع من الاستقلال القانوني، ويتم تشكيلها غالبًا في مرحلة من مراحل الانتقال السياسي، سواء من الحرب إلى السلم أو من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية؛ وتركز على الماضي وتحقق في نماذج من الانتهاكات الخاصة المرتكبة خلال مدة من الزمن، وليس فقط حول حدث خاص بعينه، وهي تعطي الأولوية لحاجيات الضحايا والإصابات؛ وغالبًا ما تنهي عملها بتقديم تقرير نهائي يتضمن الاستنتاجات والتوصيات؛ وهي تركز على انتهاكات حقوق الإنسان، وفي بعض الأحيان على انتهاكات المعايير الإنسانية.
منذ العام 1974 كان هناك ما لا يقل عن 25 لجنة للحقيقة تم تشكيلها في مختلف أنحاء العالم، وإن كانت تعرف بأسماء مختلفة، وكل واحدة منها كانت مختلفة عن الأخرى، ولم يكن لجميعها أثر على الصعيد الوطني أو الدولي، فكانت هناك «لجان عن المختفين» في الأرجنتين وأوغندا وسري لانكا؛ و «لجان الحقيقة والعدالة» في هايتي والإكوادور، و «لجان الحقيقة والمصالحة» في تشيلي وجنوب أفريقيا وسيراليون وغانا وبيرو وصربيا والجبل الأسود. و»لجنة التحقيق من أجل تقييم تاريخ الديكتاتورية وعواقبها في ألمانيا». و»لجنة التلقي والحقيقة والمصالحة» في تيمور الشرقية.
رغم أن لجان الحقيقة قد لا تكون مناسبة في جميع السياقات، إلا أن لها طاقة كامنة تفيد في جلب عدة فوائد للمجتمعات التي تعيش فترة انتقالية. وفي أفضل الحالات، يمكنها أن تساعد على إجلاء الحقيقة حول طبيعة وحجم جرائم حقوق الإنسان في الماضي، وتشجيع محاسبة المرتكبين من خلال تجميع الأدلة والمحافظة عليها وتحديد الأشخاص المسؤولين بشكل علني، والتوصية ببرامج مفصلة لتعويض الضحايا والإصلاحات القانونية والمؤسسية الضرورية، وتوفير قاعدة إعلامية للضحايا من أجل التحدث مباشرة مع الوطن بقصص حياتهم الشخصية، والتحفيز على النقاش العام حول كيفية التعامل مع الماضي وكيف يمكن ضمان مستقبل أفضل، والدعوة إلى المصالحة والتسامح على الصعيد الفردي والوطني، وأن تعمل كحصن ضد وقائع النعرات الوطنية أو الرجعية لأحداث الماضي.
ثمة عدد من العوامل الخارجية التي قد تحد من بلوغ هذه الفوائد الكامنة. وتشمل هذه العوامل مجتمعًا مدنيًا ضعيفًا، وعدم الاستقرار السياسي ومخاوف الضحايا والشهود في الإدلاء بالشهادة، وإدارة قضائية ضعيفة أو فاسدة، والاضطراب الذي تحدثه الانتهاكات الجارية.
وعلاوة على ذلك، توجد غالبًا عدة إكراهات عملية قد تعيق عمل اللجان، ومنها عدم كفاية المدة الزمنية من أجل إنجاز المهمة، ونقص التمويلات، وكثرة القضايا، وانعدام تعاون مرتكبي الأفعال، وضعف سلطات التحقيق، وعدم القدرة على توفير الأمن للشهود.