لا خوف عليهم ولا هم محزونون
عنب بلدي – العدد 75 – الأحد 28-7-2013
شغف – حماه
الخوف والحزن متلازمة يتوقعها كل من هو خارج حدود الوطن -بإرادته أو رغمًا عنه- ممن هم يعيشون داخل حدوده..
تلك المتلازمة خيال نفسي سلبي يُنسَج على غرار أفكارهم.. وإذا سمعوا خلاف ذلك بأن سكان إحدى المحافظات الهادئة نسبيًا يحاولون نزع الخوف من نفوسهم ليقبلوا على الحياة برضى، بتسليم للقدر، يبدأون برشقهم بعبارات النقص والتخوين والتجريد من الإحساس والشعور بمأساة الآخر..
أَوَ حُتِّمَ علينا وكُتِبَ على جباهنا الحزن والخوف طيلة العمر؟! أم هي فاتورة يدفعها من يعيش في زمن الحرب؟!
ألسنا بشرًا نخاف ونحزن كغيرنا ونحاول أن نتخلص من ذلك باستمرار ونسعى لأجل ذلك حتى تستقيم حياتنا؟ أم علينا أن نستسلم للخوف ونذعن له بالطاعة والقعود!
هل عندما يقضي الواحد منا حاجاته، ويمارس مواهبه، ويزور الأصدقاء والأهلين -إن أُتيحت له الظروف- يكون خائنًا لدماء الشهداء، وعديم الإحساس بمشاعر الناس ومسحوق الضمير؟
هل يجب علينا لنثبت لأحدهم أننا مخلصون للقضية أن نتربص في بيوتنا ونسلّم لهم بأن تربصوا فإنا معكم متربصون!
الخوف والحزن ليسا دلالةً ومقياسًا للتضحية والنبل والإخلاص للقضية، بل إن وجدا في قوم دلّا على ضعفهم.. ولو كانا دليلاً حقًا على مدى إخلاص أحدهم لكان مرضى الخوف هم القدوة الحسنة في ذلك!.
نحن نرى أن الظروف التي نعيش بها هي ما يحدد إقبالنا أو إدبارنا على مهامنا والروتين الخاص بكل منا، وما اعتاد المرء على ممارسته من مهام يومية هو ما يرسم واقعنا وحياتنا، فعندما يتاح لنا الخروج من بيوتنا لقضاء حوائجنا، لتنمية مواهبنا، للسعي وراء رزقنا، لإدخال الفرح لقلوب أطفالنا، علينا ألا نتردد قيد أنملة في ذلك.
إذا أتينا إلى القرآن وجدنا أن مقاومة الحزن والخوف وتهدئة النفس وطمأنتها مطلب إلهي للأنبياء قبلنا، فالله سبحانه عندما يصطفي أنبياءه كان أول ما يخاطبهم به كلمة «لا تخف»..
لنأخذ القصة الأكثر تكرارًا «قصة موسى»..
أوحى الله لأم موسى أن ترضع طفلها ثم إذا خافت عليه تلقه في اليم «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم». لماذا طلب منها أن تنهي رضاعته حين تخاف؟! هل كان هذا لتخليص نبي الله موسى من حليب الخوف الذي سيرضعه من أمه؟ هل في هذا إشارة إلى اتخاذ كلّ الأساليب التي من شأنها أن تبعدنا عن تناول الخوف والحزن واشباع به أنفسنا؟.. الله سبحانه كان لا يريد لنبيه أن يستسيغ حليب الخوف وأراد أن يبعده عن ذلك ولو برميه في الماء، ثم بعد ذلك يقول الله يا أم النبي «لا تخافي ولا تحزني» ستعاودين إرضاعه فهدئي من روعك كي يطمئن في رضاعته..
في المشهد الآخر حينما بلغ موسى أشده واستوى وآنس من جانب الطور نارًا قال له الله: «يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين».. وإلا سيقطع الخوف عليه الطريق ولن تُبَلَّغ الرسالة.. ثم إذا ما همّ بلقاء فرعون «قال رب إني أخاف أن يكذبون» كلمه الله «قال كلا فاذهبا بآياتنا» لقد أنكر عليه خوفه الذي لن يزول إلا بمواجهته له، بالعمل، بالسعي والمواجه الحقيقية للحياة والعدو ..
الخطاب ذاته أيضًا نجده يتردد لمريم العذراء وهي في مخاضها «وناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا» ثم «وهزي إليك بجذع النخلة» وَ «وكلي واشربي وقري عينا».. يأمرها بالعمل بالإقبال على الحياة رغم البلاء وموقفها الحرج مع قومها.. قمة الإيجابية في هذا الخطاب وقمة الفعالية المنبثقة من قلب الحزن الكامن في صدر العذراء مريم.
نبينا محمد يزرع حبات الطمأنينة في قلب الصّدّيق وهما في الغار، والمشركون عند أقدامهم «إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا».. ونفسه نبينا استعاذ من الحزن «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن».. فعلٌ يُسَر له إبليس لا بد أن نتعوذ منه.. فهو يوهن العزم ويضر بالإرادة..
هُدهُد سليمان لو أن الخوف تسربل لقلبه الصغير الذي يخفق بين خافقيه لما أُتِيَ بسبأ «فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين».. لولا مواجهته لخوفه من سليمان لم تُسلم بلقيس وقومها مع سليمان لله رب العالمين..
لنأتي إلى حاضرنا.. المدن المحررة يقوم سكانها بنشاطات شتى وبكل حرية وطلاقة دون خوف يذكر رغم آلة القتل التي تهددهم كل لحظة..
فنحن لم نثر إلا بعد أن خلعنا عباءة الخوف السوداء تلك، فكيف لنا أن نلبسها ثانية لتكون دليلًا على شجاعتنا وإخلاصنا، كيف للغير أن يقول لنا خافوا واجلسوا في أماكنكم وبيوتكم وأغلقوا محلّاتكم وأسواقكم وتوقفوا عن الأكل والشرب والدراسة والزواج والتعليم لتنتصر ثورتكم!
لنمشي على الأرض واثقي الخطى مذعنين لأمر الله لا خوف علينا ولا نحن محزونون .
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :