“التفاح القلموني” ينضم إلى ضحايا الحرب
مراد عبد الله – عنب بلدي
تعد المواسم الزراعية، وخاصة التفاح، أهم مصادر الدخل لكثير من العائلات التي تقطن في منطقة القلمون (شمال غرب دمشق)، والتي اشتهرت بكمية الإنتاج والجودة والسمعة في مختلف الدول العربية، لكن هذه المواسم أصبحت اليوم مهددة الانقراض مقارنةً بالحال قبل عام 2011.
التفاح يعتبر من أهم المواسم في سوريا، وبلغ عدد أشجاره المثمرة في 2010 نحو 15 مليون شجرة، محتلًا المركز الخامس على صعيد المساحة المزروعة بـ 49 ألف هكتار.
كما احتل التفاح السوري المرتبة الثالثة على المستوى العربي، و32 على المستوى العالمي، والتاسعة على مستوى دول آسيا، وفقًا لدراسة صادرة عن المركز الوطني للسياسات الزراعية في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، في 2011.
وتعد المنطقة الوسطى والقلمون الغربي ومنطقة الزبداني ورنكوس ومضايا، من أهم المناطق التي تنتج ما بين 20 إلى 32% من الإنتاج الكلي للبلاد.
الزبداني.. أرض التفاح بلا تفاح
اليوم، توجد بعض المساحات الزراعية من التفاح في مناطق شبه آمنة، تحت سيطرة النظام السوري، خاصة في مناطق ريف حمص الغربي (جبل الحلو)، ما أدى إلى بقاء الإنتاج على حاله، لكن المحاصيل في سهول القلمون تراجعت بشكل كبير في العامين الماضين.
ويكمن السبب الرئيسي وراء تراجع الإنتاج إلى اندلاع المعارك بين المعارضة وقوات الأسد، قبل استلام “حزب الله” اللبناني زمام المعارك، وخاصة في منطقة الزبداني، التي تعتبر المنطقة الأولى في سوريا بإنتاج التفاح. فقد كان إنتاجها يفوق أكثر من 100 ألف طن بمساحة تقدّر بـ 51210 دونمات، وبعدد أشجار يفوق 1.5 مليون شجرة تفاح، بحسب مصلحة زراعة الزبداني.
إلا أن “الويلات” بدأت على محاصيل التفاح بعد وضع النظام حواجز على جبال المدينة ومنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم للاعتناء بالأشجار وقطف الثمار.
ويقول أهالي المنطقة إن قوات الأسد ومقاتلي “حزب الله” اللبناني بدأوا بنهب المحاصيل ثم حرقوا الأشجار وقطعوها بحجة عدم تسلل عناصر المعارضة من خلالها، بينما بيعت بعضها أخشابًا في المناطق المجاورة الجبلية الباردة في الشتاء.
كما أجرت قوات “حزب الله” عمليات تجريف واسعة للأراضي، بحسب شهادات سكان وناشطين من المنطقة لعنب بلدي، وهو ما أدى إلى توقف هذه الزراعة بشكل كامل.
“جرود القلمون” ممنوعة عن الأهالي
بعد سيطرة النظام السوري على مدينة يبرود في 2014، تمكّن بالتعاون مع “حزب الله” من بسط سيطرته على معظم مدن وبلدات القلمون، ووضع حواجز على أطراف البلدات ومنع الأهالي من التوجّه إلى مزارعهم، بذريعة وجود عمليات عسكرية ضد ما أسماها “التنظيمات الإرهابية”.
رنكوس من البلدات التي عانت من هذه الممارسات، كون معظم أهلها، البالغ عددهم نحو 25 ألف نسمة، يعتمدون على المواسم الصيفية كدخل رئيسي ومصدر رزق وحيد يدخرونه لفصل الشتاء، فكان الفلاح البسيط يربح سنويًا بمقدار 250 ألف ليرة سورية، في حين تصل أرباح فلاحين آخرين إلى حدود مليون ونصف تقريبًا.
وتبلغ مساحة الأراضي نحو 22 ألف هكتار، وتشتهر بأصناف الفواكه مثل التفاح والكرز كونها تتمتع بطبيعة جبلية.
وتواصلت عنب بلدي مع أحد الفلاحين في رنكوس (رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية)، وأفاد أنه في كل عام كان يجني من محصوله بين 350 و400 ألف ليرة من المواسم المختلفة وخاصة التفاح. لكن مع بداية الثورة السورية تراجعت قيمة المحصول بسبب تعرض المنطقة لمعارك عنيفة، إضافة إلى توقف استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية في المنطقة بسبب ارتفاع أسعارها، إذ وصل سعر طن السماد إلى أكثر من 300 ألف ليرة، وهناك معاناة في تأمينه.
قطع الأشجار وردم الآبار
الحواجز سمحت للأهالي بالصعود إلى الأراضي الزراعية، في نيسان الماضي، ليتفاجؤوا بأن حقولًا كاملة تضم أشجارًا يزيد عمرها على ثلاثين سنة، قطعت وبيعت حطبًا، بعد أن وصل سعر طن الحطب في الشتاء الماضي إلى نحو 75 ألف ليرة.
ويتهم أهالي رنكوس عناصر “الدفاع الوطني” من البلدات المجاورة، والمتعاونين مع النظام السوري، وأفاد الناشط الإعلامي، أبو علاء الرنكوسي، أن النظام سمح لعناصر الدفاع الوطني بقطع الأشجار وبيعها، مقابل دفعهم على كل حقل مبلغًا ماديًا، حسب نوع الشجر وحجمه.
وأضاف الناشط أن الأمر لم يقتصر على قطع الأشجار، بل تعداه إلى ردم جميع آبار المياه الموجودة في المنطقة، في أخطر ممارسات النظام، لأنها تعد شريان الحياة للأراضي الزراعية، إضافة إلى سرقة مقتنياتها من أنابيب المياه و”الغطاسات”، واصفًا ذلك بـ “محاولات القضاء على جميع أشكال الحياة وتهديد الزراعة في المنطقة”.
المميزات النسبية التي اشتهرت بها المنطقة في إنتاج التفاح خسرتها خلال السنوات الخمس الماضية، وهو ما أظهرته إحصائيات مصلحة زراعة الزبداني، العام الماضي، إذ قدرت كمية الإنتاج في المنطقة بـ 21 ألف طن، متراجعةً بنسبة 80%.
ورغم إعلان النظام السوري، العام الماضي، أن الإنتاج في عموم سوريا وصل إلى 350 ألف طن، وفي 2014 بلغ 400 ألف طن، وهو ما يعادل كمية الإنتاج قبل الثورة، إلا أن وصول سعر كيلو التفاح في الأسواق إلى حدود 250 ليرة، والسماح باستيراد التفاح من إيران في 2014، يؤكّد تراجع كمية إنتاج التفاح في عموم البلاد، بعدما تحولّت المناطق المتخصصة بزراعته في أرياف دمشق مسرحًا لعملياته العسكرية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :