عنب بلدي – خاص
يبدو الأمر مستغربًا عندما يتردد على مسامعك أن رقمًا يستطيع الصراخ، إلا أن الاستغراب سيزول تمامًا عندما يراقب المتلقي مشاهد من فيلم “319”، والذي يلخّص قضية حساسة غزت الثورة السورية منذ بدايتها، متمثلة بعشرات الآلاف من المعتقلين القابعين في سجون النظام السوري.
يُجسّد الفيلم بشكل روائي مرئي ضمن بيئة عمل “حذرة”، مشاهد لم يعايشها إلا المعتقل، ويعالج التعذيب النفسي له بعيدًا عن الجسدي، محاولًا الدلالة إلى قضية لا يمكن لفيلم أو أكثر تغطية تفاصيلها الدقيقة، لصعوبة خلق الصورة التي تجعل المشاهد في جو السجن، يسمع آهات المعتقلين وصرخاتهم.
صرخة تحدٍ اخترقت جدران السجن واستقرت في أذن مديره، كانت كفيلة بجعل الضابط المدير يرتعد خوفًا، كما أظهرت إحدى لقطات الفيلم، ليتوجه المدير إلى أقبية سجنه باحثًا عن مطلق الصرخة، ويتأكد بعد قتله أنها ليست صرخة ألم.
الفيلم الذي يندرج ضمن إطار الأفلام السينمائية التجريبية منخفضة الميزانية، عرضت مشاهده على مدار 25 دقيقة ضمن فعاليات حملة “المعتقلون أولًا” في مدينة غازي عنتاب التركية، الأربعاء 10 آب الجاري، ووثق في في مشاهده أعداد المعتقلين وضحايا التعذيب، مستندًا إلى أصواتٍ وصرخاتٍ مسربة من داخل سجون النظام السوري.
ويرى السوري عروة قنواتي، الذي جسّد دور مدير السجن، في حديثه إلى عنب بلدي أن الصرخة حرّكت الضابط الذي يصنع لنفسه ألحانًا من أصوات المعتقلين وأنينهم، “لأنه لم يعتد سماعها من قبل”، وهنا يظهره المشهد موجهًا سؤاله لأحد المعتقلين “من أنت؟” ليأتيه الجواب “أنا المعتقل 319”.
ستة أشخاص بينهم ثلاثة ممثلين ومصور ومهندس صوت ومخرج، حاولوا من خلال الفيلم ربط الرقم بروح المعتقل، وفق مخرج العمل رودي عبد الرحمن، مدللًا بعشرات الأرقام حملها سوريون على جباههم في صور سرّبها “قيصر”، “فكلٌ لديه قصة وتجربة، وليسوا مجرد إحصائيات تدور في أروقة نظام عالمي ظالم”.
استمر العمل على الفيلم ستة أشهر، “تضمنت صعوبات تقنية على اعتبار أنه تطوعي ومجهود شخصي لأعضاء الفريق العامل فيه”، ووصفه عبد الرحمن بأنه “منخفض التكلفة وليس للبيع”، وقال إنه يسعى وزملاءه إلى طرح مشروع أفلام الميزانية المنخفضة، وتعليم الشباب الراغب بصناعة السينما بمواد بديلة وبأقل التكاليف، لأنه “سيحدث فرقًا في الإعلام السوري الجديد”، وفق رؤيته.
“319” ليس أول الأفلام الروائية السينمائية التي تتحدث عن قضية المعتقلين، بل سبقه إلى ذلك عديدٌ من التجارب، إلا أن القيمة المضافة للفيلم تكمن وفق مخرجه، بأنه يسعى إلى إيصال تجربة الاعتقال لمن لم يخضها، من خلال عرض الجانب النفسي للتعذيب، وترافقه موسيقى تتناغم مع الصورة، وهو ما اعتبره “تجربة جديدة نسبيًا على السينما السورية الثورية الناشئة”.