أبو صياح بلاقسي.. من إصلاح الإطارات إلى دفن الموتى، إلى توثيق الشهداء

  • 2013/07/21
  • 11:33 ص

لا يكاد يذكر اسم أبي صياح -في مدينة داريا- إلا ويذكر معه فرح أو ترح، عرس أو جنازة. البساطة والعفوية طبعه، وتفانيه في مساعدة الناس أهم خصاله، في الأفراح تراه كأن الفرح فرحه، يسعى في خدمة الآخرين حتى يخيل إليك أن الفرح لا يتم إلا بوجوده، وكذا في الأتراح تراه لا يألو جهدا في السعي للمشاركة في دفن من يعرفه ومن لا يعرفه ناهيك عن حفر القبر وتجهيزه لمجرد سماعه خبر وفاة أي شخص في مدينته داريا.

عرف أبو صياح منذ نشأته بهمته العالية وحبه لفعل الخير واندفاعه لمساعدة الآخرين حتى فيما يتعلق بمجال عمله حيث كان يعمل في إصلاح إطارات السيارات (كومجي).

أما الثورة فكان لأبي صياح معها قصة أخرى حيث اقترن اسمه مع جنازة كل شهيد من شهدائها منذ سقوط أول شهيد وحتى هذه اللحظة، وبرز ذلك بشكل جلي خلال المجزرة الكبرى التي شهدتها المدينة نهاية آب 2012 حيث شهد أهالي المدينة بعظم ما قدمه بالرغم من قسوة تلك المرحلة وخطورتها، حيث مضى في مهمته غير آبه بكل ما حوله وكان له الدور الأبرز في تنظيم أمور دفن الشهداء وتوثيق أسمائهم على القبور.

عنب بلدي التقت الحاج أبو صياح بلاقسي وأجرت معه حديثًا مطولاً ننقل مقتطفات مما جاء فيه:

مجلس علم وجنازة

بدأ حب أبي صياح لمساعدة الآخرين بعد حضوره لعدد من مجالس العلم في داريا والتي كان موضوعها عن دفن الموتى وفضل المشاركة في الجنازة، وقد صادف خروجه من أحد تلك المجالس مرور جنازة، فبادر إلى المشي فيها والمشاركة بدفن الميت ما أشعره بالراحة والرضا عن نيل الأجر الذي تحدث عنه الشيخ، فصار من يومها يتطوع لحفر القبور كلما سمع نداء «لا إله إلا الله» في المآذن، وكان عمره حينها ثلاثة عشر عامًا.

وقد توجه أبو صياح يومًا مع أهل ميت إلى المُغسّل الوحيد في المدينة يومها، فطلب منهم أجرًا عاليًا، ففكر في تعلم التغسيل والتكفين ليقوم بذلك بنفسه عندما تدعو الحاجة، وطلب من أحد المشايخ تعليمه المهنة، وقد استطاع من خلال الممارسة اتقانها، وصار يسابق إلى مساعدة الناس الذين لا يجدون من يعينهم في إجراء مراسم التغسيل والدفن.

إصلاح الإطارات وبيع الخضرة

اعتمد أبو صياح منذ صغره على نفسه في تحصيل لقمة العيش، فقد عمل في محل لإصلاح الإطارات منذ أن كان طفلًا لقاء «3 ليرات في الجمعة»، واستمر في عمله إلى أن بلغ سن الخدمة العسكرية، وقد أصبحت أجرته الأسبوعية «800 ليرة» وما إن أنهى خدمته حتى فتح محلًا خاصًا يعتاش منه. وكان أبو صياح يستغل موسم البركة في رمضان، فيقوم ببيع العنب والبقوليات عند مسجد عمر في الحارة القبلية من داريا.

قرار الانضمام للثورة

«من يوم اللي استشهدو أول 3 شباب عنا بداريا … معقول شايف إدامك عم ينقتل زلم وتسكت يعني!.. عم ينقتلو ادامك مو قيل عن قال .. وعم تشوف مين عم يقتلهم وشلون عم يقتلهم عمدًا».

قوة القلب من ذكر الله

يمتلك أبو صياح شجاعة وقوة قلب مصدرها إيمانه و «ذكر الله» حسب قوله، فليس من السهل على أي شخص انتشال الجثث، خصوصًا المشوهة منها والمتناثرة الأشلاء. إذ إنه كثيرًا ما يقوم بسحب الجثث من الأحياء التي تتعرض لعمليات القنص، أوبسحبها من تحت الأنقاض ونقلها إلى مكان الدفن. وبالإضافة إلى ذلك قام وبالتعاون مع عدد من أهالي البلدة بتنظيم قبور الشهداء وشواهد القبور لييسر للأهالي التعرف على أماكن قبور أبنائهم وكيفية استشهادهم.

أبو صياح يرى بأن الله سخره ليهتم بأمور الشهداء بالإضافة لجنود آخرين مجهولين من شباب داريا.

البقاء في المدينة

رغم الحملة الهمجية التي تتعرض لها المدينة وما تشهده من قصف مدفعي وقصف بالطيران ومحاولات اقتحام، إلا أن أبو صياح كان من الصامدين الذين رفضوا مغادرة المدينة.

بالنسبة إليه؛ الشهداء جميعهم أخوته، وهم الدافع الرئيسي لبقائه في المدينة، «البلد إلنا وكلنا إخوة» ولا يحق لأحد أن يتزحزح ويتركها، «البلد شرفنا وعرضنا، إذا تركناها تركنا شرفنا وتركنا عرضنا»

جثث قتلى النظام

أفاد أبو صياح بأن أعدادًا كبيرة من قتلى النظام سقطوا في المدينة في المعارك والاشتباكات، وقد تم تسليم جثثهم للنظام من خلال المختار (وذلك قبل اشتداد الحملة الحالية) ولم يتم دفن أي منهم في أراضي داريا أو مقابرها بل تم تسليمهم جميعًا للمشفى الوطني رغم صعوبة المهمة، فهو يعتقد بضرورة دفنهم حتى وإن كانوا قتلى للنظام… «الإنسان لازم ينستر تحت الأرض»

صمود داريا

يمتلك أبو صياح إيمانًا راسخًا بأن الثوار المرابطين على جبهات المدينة تساندهم الملائكة ويمدهم الله بعون منه. ويقول إن بعض جبهات القتال الكبيرة كان يقاوم فيها أربعة شباب فقط من الجيش الحر دون أن يستطيع جيش النظام التقدم من جهتهم.

توحيد التنسيقيّتين

المجلس المحلي للمدينة يلقى إعجاب أبو صياح، وحسب تعبيره «ما في أحلى من التنظيم.. بس لازم يكون كلو بوضوح»، وبرأيه أن الدعوة «بالحكمة والموعظة الحسنة» هي أساس لتقبل الآخر، وحل الخلاف والوصول إلى حل يرضي الجميع.

أما عن دوره في توحيد جهود التنسيقيّتين فهو يرى أن الشباب في كلا التنسيقيّتين لا يحملون في قلوبهم سوى المحبة لبعضهم، ونفى وجود أي حواجز بينهم وجل ما قام به هو جمعهم للحوار.

شهداء داريا

فقد أبو صياح عددًا من معارفه خلال الأشهر الماضية، منهم والدته وابن أخته وعددًا من أبناء عمومته. وعبّر أبو صياح عن مشاعر مختلطة تنتابه عند فقدان كل شهيد من معارفه وغيرهم بين الفرحة والحزن. فألم فراق الشهيد يخففه يقينه بأن الله اصطفى هؤلاء الشهداء وأكرمهم بالشهادة بعد أن بذلوا وضحوا في سبيله.

أما عن أعداد الشهداء فذكر أبو صياح أن أعدادهم في داريا منذ بداية الثورة تجاوزت الـ 1900 شهيد أشرف هو على دفنهم. منهم  ما يفوق الـ 965 شهيد سقطو خلال مجرزة داريا أواخر آب 2012، وقرابة الـ 700 شهيد سقطوا خلال الحملة الأخيرة والمستمرة على المدينة. وبين المجزرة والحملة سقط ما يفوق المئتي شهيد. عدد منهم لا يزال مجهولاً.

ما بعد الثورة

«بدنا نعمل داريا جنة ونجبر بخاطر أهل البلد  لنعوض أهلها» ما مروا به، يقول أبو صياح.. كما أفصح عن نيته في متابعة عمله في إصلاح إطارات السيارات بالإضافة إلى دفن الموتى، وأبدى استعداده لتلبية أي مساعدة يطلبها منه أهالي البلدة.

بين دفن الموتى وتنظيم الأعراس

رغم الحصار الخانق والظروف القاسية التي تعاني منها المدينةـ إلا أنها شهدت في الفترة الأخيرة عددًا من الأعراس والحفلات التي كان للحاج أبو صياح دور في تنظيمها. فتنظيم الأعراس بالنسبة إليه يؤكد على استمرار الحياة والنسل ويعمل على نشر البهجة وإدخال السرور على قلوب المرابطين في المدينة.

عنب بلدي

أبو صياح تعرف على جريدة عنب بلدي من خلال النسخ الورقية التي يتم توزيعها في المدينة، وقد كان يسر عندما يجد نسخة منها تحت باب محله. وبرأيه أن لها دور كبير في رفع المعنويات وتوضيح الحقائق ووضع البلد في ظل انتشار إعلام «صم بكم» المنفصل عن الواقع.

مقالات متعلقة

لقاءات

المزيد من لقاءات