فتحت معركة حلب الباب أمام تطورات جديدة وخطيرة في القضية السورية٬ إذ كان قرار تحالف النظام بخوضها سبًبا رئيسًيا في تأجيل جولة مفاوضات جنيف3 التي كان من المتوقع عقدها بداية أغسطس (آب) الحالي٬ كما هو الاتفاق الروسي الأميركي الذي تم قبل أشهر في موسكو للمضي نحو الحل السياسي في سوريا.
الهدف الأساسي من معركة حلب٬ كما رآها حلف النظام٬ هو خلق وقائع ميدانية جديدة٬ حدها الأدنى حصار حلب٬ والأعلى الاستيلاء على المدينة٬ وتصفية قوة المعارضة العسكرية والمدنية في مدينة تمثل رمزية سياسية وعسكرية بالنسبة للسوريين٬ وتحتل أهمية خاصة لأصدقاء الثورة السورية٬ وخاصة جارتهم في الشمال تركيا. وفي تقدير تحالف النظام أن حصار حلب أو الاستيلاء عليها٬ سوف يضعف المعارضة وأصدقاءها٬ ويجعلهم أكثر استجابة لطروحات التسوية٬ التي يسعى الروس للوصول إليها٬ والتي لا تجد لها معارضة جدية من جانب الشريك الأميركي الساعي إلى تحقيق أي «إنجاز» في الموضوع السوري٬ ولو على حساب الشعب السوري وقضيته.
ورغم أهمية الهدف الأساسي لمعركة حلب٬ فثمة أهداف أخرى للمعركة من جانب أطراف حلف النظام٬ أبرزها إجراء تغييرات ديموغرافية في حلب لصالح الطرف الإيراني وأدواته من الميليشيات الشيعة وخاصة «حزب الله»٬ وذلك عبر طرد وقتل المزيد من سكانها وإحلال بنية ديموغرافية شيعية في مدينة٬ لم يقيض لهم أن يقيموا وجوًدا شيعًيا فيها على نحو ما حصل في المدن التي يسيطرون عليها مثل دمشق وحمص والسويداء.
ولم تكن أهداف حلف النظام من معركة حلب خارج وقائع ومعطيات محيطة في المستويين الداخلي والخارجي. فالمعارضة السورية وصلت إلى مستوى كبير من الضعف والتردي في تشكيلاتها السياسية والعسكرية وفي علاقاتها البينية وعلاقاتها الخارجية أيًضا٬ وأصدقاء المعارضة في المستويين الإقليمي والدولي٬ صاروا أقل قدرة أو رغبة في تنشيط وتقوية دورهم في القضية السورية٬ وهذا ينطبق بشكل خاص على تركيا٬ التي تواجه مرحلة ما بعد الانقلاب الفاشل٬ لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية وسياساتها.
وسط تلك المعطيات٬ بدا لحلف النظام أن كسب معركة حلب أمر محسوم وسهل٬ خاصة في ظل أمرين اثنين؛ أولهما تجربة المعارك التي شهدتها حلب ولا سيما شمالها في الأشهر الأخيرة٬ والتي كرست معبر الكاستيلو ممًرا وحيًدا لحلب مع الشمال٬ والأمر الثاني استكمال تحشيد قوات تحالف النظام من قواته والإيرانيين والميليشيات وقوات النظام والطيران الروسي في محيط حلب٬ وهي أكثر من كافية لإغلاق الممر٬ وإكمال حصار حلب.
ورغم أن إغلاق الممر تم على نحو سريع وسط هجوم مدمر بمختلف القوات والأسلحة٬ فإن وقائع المعركة في الأيام التالية٬ بينت نتائج مختلفة٬ الأهم فيها رفض مغادرة المدنيين وقوات المعارضة عبر الممرات التي أعلن عنها الروس٬ ثم توجه فصائل المعارضة المسلحة للضغط على خواصر حلف النظام الضعيفة وخاصة في القطاع الجنوبي٬ مع الاستمرار في خوض معارك مواجهة عنيفة ضد قوات تحالف النظام على الأرض والتصدي للطيران بالحدود الممكنة٬ وكلها منعت حتى اللحظة من تحقيق أهداف المعركة وفق تصورات الحلف.
إن معركة حلب كما تظهر اليوم٬ لن يتم حسمها لصالح تحالف النظام٬ كما أنها لن تحسم لصالح قوات المعارضة بالإمكانات الراهنة٬ مما يعني أنها ستكون معركة كر وفر، كسب هنا وتراجع هناك٬ وهذا بحد ذاته٬ سيشكل في المدى القريب عاملاً إيجابًيا لصالح المعارضة٬ يمكن أن يتعزز إن استطاعت المعارضة تطوير قدراتها٬ وتحسين علاقاتها البينية٬ وضمنت دعًما سياسًيا وعسكرًيا أفضل من أصدقائها ومن المجتمع الدولي٬ وكلها ليست بالأمور السهلة٬ والتي يمكن أن تتحقق بصورة عاجلة٬ لكن لا بد من المضي بجدية ودأب من أجل تحقيقها.
غير أن مساعي المعارضة لتحسين ظروفها في معركة حلب لن تكون بعيدة عن أعين وإجراءات تحالف النظام وروسيا في ضوء الوقائع التي ظهرت في الأيام الماضية٬ مما يعني أن الحلف أيًضا سيقوم بخطوات تهدف إلى استعادة المبادرة من أجل تحقيق أهدافه وخاصة من ناحية حشد مزيد من القوات والتنسيق بينها٬ وتقوية الخواصر الضعيفة، وتصعيد عمليات القصف والتدمير على قوات المعارضة والتجمعات السكانية٬ وقد بدأ تنفيذ تلك الخطوات بمستويات متعددة.
خلاصة الأمر أن الفترة القادمة من معركة حلب ستكون صراًعا عنيًفا بين الطرفين٬ وصولاً إلى استئناف جولة جديدة من مفاوضات جنيف3 التي ستكون نتائج معركة حلب على طاولتها مغلفة بكل العنف الدموي والدمار اللذين يرتكبهما حلف النظام٬ والدفاع الصلب والقدرة على التقدم اللذين يفترض أن تثبتهما المعارضة السورية بجناحيها السياسي والعسكري٬ ووسط إرادة دولية٬ يفترض أن تتسم بالجدية في معالجة ترديات القضية السورية بعد معركة حلب.