عنب بلدي – العدد 74 – الأحد 21-7-2013
مركز المجتمع المدني والديمقراطية في سوريا
كانت حقبة القرون الوسطة من الحقب المظلمة في تاريخ أوروبا، حيث سادت فيها حكومات دينية وتولى رجال الدين مناصب الحكم والقضاء والتشريع، وامتدت سيطرة الكنيسة ورجالها إلى كافة نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما أدى إلى ردود فعل عنيفة تجاه تدخل رجال الدين في حياة الشعب وإخضاعه لسيطرتها والترويج لمفاهيم الحرمان من دخول الجنة في حال الطرد من رحمة الكنيسة، بل وصلت الأمور إلى منح صكوك الغفران لمن يشاؤون، وسميت تلك الحقبة بالعصور «المظلمة» نظرًا لمحاربة الكنيسة لكل عالم ومفكر وفيلسوف يخالف معتقداتها. ولا تقتصر هذه الطريقة في الحكم على دين محدد كما يحاول البعض حصرها بالمسيحية وكهنتها في الفترة مابين القرنين الخامس والعاشر الميلادي، وإنما تكاد تكون سمة بارزة من سمات الحكم الديني أينما وجد وفي أي زمن.
وقد اصطلح على هذا النمط من الحكومات الدينية تسمية الحكم «الثيوقراطي» الذي يعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية. وهو نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته وشرعيتَه مباشرة من الإله، ومن تشريعات وقوانين وتعاليم دينية، حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبرون موجهين من قبل الإله، ويمارسون السلطة بالنيابة عن الشريعة الإلهية، أو يمتثلون لتعاليم سماوية، وبذلك يجمعون بين أيديهم السلطتين الدينيّة والزمنيّة.
ولأنّ من سمات الثيوقراطية، أنها جامعة، شاملة، للسُلطتين، فمن الطبيعي، أن يتصرف الذي يقف على رأسها كحاكم مُطلق. وبالتالي فهو حاكمٌ لا يُخطئ في أحكامه.
وفقًا لذلك يحظى رجال الدين بمكانة مرموقة في الدولة، ولديهم سلطة ونفوذًا كونهم يسيطرون على جميع القطاعات، كالتعليم والقضاء من خلال الفتاوي التي يصدرونها وتقررها الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الدولة، ليتحكموا بمصير الشعب في ظل غياب القانون.
ومن أبرز النماذج في العصر الحديث، النموذج الايراني في الحكم، كونه يوصف بأنه «جمهورية ثيوقراطية». أُنشئ عام 1988 في إيران مجلس مصلحة النظام استجابة لرغبة الخميني مرشد الثورة، يقوم هذا المجلس المحافظ بتعيين فقيه إسلامي مدى الحياة في منصب القائد الأعلى، كما يعتبر الجهة التنفيذية في الحكومة، ويحمل مسؤولية تحديد ما إذا كانت التشريعات القانونية مطابقة لرؤيته لشريعة الإسلام ويختص بحق رفض وقبول طلبات الترشيح لأي منصب يتم شغله بالانتخاب، بما في ذلك منصب رئاسة الجمهورية.
وفي الغرب يعتبر الفاتيكان نموذجًا آخر من الحكم الثيوقراطي حيث ينتخب «مجمع الكرادلة» وهو تجمع لرجال الدين الكاثوليكيين، الأب الذي يكون بعد ذلك رئيسًا لفترة تمتد إلى مدى حياته، ويحق للكرادلة فقط انتخابه. ويعين الأب وزير الخارجية المسؤول عن العلاقات الدولية، ويخضع القانون هنالك لإملاءات الأب واجتماعات يعقدها رجال الدين.