أحدثكم عن داريا 3 شريدي
عمر عبد المجيد
في وسط داريا تمامًا، يوجد ثلاث مقابر بجانب بعضها البعض بحدود دائرة قطرها 200 متر تقريبًا، يفصل بين المقبرة والأخرى شارع، مقبرة باتجاه الشمال وأخرى باتجاه الجنوب والثالثة باتجاه الغرب. يقطع وسط داريا شارعان متعامدان مع الشارع الرئيسي، الأول يتجه نحو الشمال ويؤدي إلى المعضمية، والثاني شارع الثورة ويتجه إلى الجنوب ويؤدي إلى صحنايا، وهو سوق تنتشر فيه معارض الموبيليا، فيما الشارع الرئيسي القادم من مدينة دمشق ويتجه نحو الغرب فإنه يؤدي إلى جديدة عرطوز والبساتين. منطقة المقابر هي منطقة اقتصادية وحيوية للغاية.
من المعروف أن المقابر تكون على أطراف البلدة المسكونة، لكن في داريا الآن هي في وسطها، وهذا يفسر أن منطقة المقابر كانت على أطراف المدينة في زمن مضى، ومع التوسع العمراني أصبحت المقابر الثلاث في وسطها، وما وراء هذه المقابر باتجاه الجنوب والغرب منطقة “السكة” أو “مغرّب”، ومؤخرًا سميت بـ “شريدي”، وهي تسمية حديثة أطلقت مع افتتاح خط ميكروباص يمر من ساحة “شريدي”.
من هنا تقسم داريا إلى قسمين رئيسيين، الأول يسمى داريا البلد وهي داريا القديمة، والثاني يسمى “السكة” أو “شريدي”، الذي يمتد شمال وغرب داريا، هذه المنطقة كان -ومايزال- جزء كبير منها منطقة بساتين.
“شريدي” وهو اسم عائلة معروفة بداريا، مشتق من فعل شرد، وللاسم دلالة مهمة، هي أن كل شخص يترك التجمع السكاني هو بمثابة الشارد عنه، والشرود عن التجمع يعني أنه في المقام الأول ليس بمأمن، ومن معاني كلمة شرد في اللغة مايلي: خرج عن الشيء، مشى على غير هدى، غفل عما حوله، تشتت، تاه، حار، لا نظام فيه ولا اتجاه له، تفرق.
في بداية الثورة حاول المتظاهرون النزول إلى دمشق للتظاهر فيها، إلا أن أمن النظام والشبيحة منعوهم من هكذا خطوة، كما منعوهم أحيانًا من التظاهر في داريا البلد، فاضطروا إلى الذهاب إلى ساحة شريدي، التي أطلق عليها فيما بعد “ساحة الحرية”، للتأكيد على شرود داريا عن النظام ومؤسساته وايديولوجيته الظالمة والفاسدة والتحاقها بالحرية، كان ذلك تحولًا وشرودًا مهمًا في سلوك أهالي داريا الأخلاقي.
لابد من إعادة التذكير بأن ثوار داريا هم من أهالي داريا، اللهم إلا إذا كان هناك جنود من مناطق سورية أخرى انشقوا في المدينة والتحقوا بالثورة فيها، وأن الثورة في داريا لم تأخذ أيًا من التوجهات السياسية أو الإيديولوجية غير سياسة وإيديولوجيا الثورة السورية، في نقائها وصفائها الأول، وهي ما زالت عليه، وهي في هذا الأمر لم تشرد كما شرد البعض في جبهات أخرى.
واليوم داريا تؤكد بصمودها وقتالها وبسالتها على نقائها وعدم شرودها عن الثورة… الشرود هو غفلة وحيرة وتيه، أما التحول فهو عقل وتفكير.. داريا لا تشرد إنما تتحول، ومنها ستكون التحولات الكبرى في الثورة، وعلى الجميع أن لا يشردوا عن النموذج الديراني النقي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :