عائلات الرقة تعود إلى منازلها بعد توقف معاركها “المزمعة”

  • 2016/08/07
  • 9:43 ص
مواطنون في أحد شوارع مدينة الرقة السورية تشرين الأول 2014 (NBC News)

مواطنون في أحد شوارع مدينة الرقة السورية تشرين الأول 2014 (NBC News)

سيرين عبد النور – أورفة

بعد أسابيع من نزوح عشرات العائلات إلى القرى القريبة من الرقة، وهجمة إعلامية حذرت من معارك كبرى ستشهدها المدينة خلال الفترة المقبلة، عادت أم محمد إلى منزلها في حارات البدو، والذي كان يحتضنها وأطفالها الأربعة، وتقول إنها ورغم كونها محظوظة بعثورها على مكان نزحت إليه إلا أن منزلها “أولى” بها وبأطفالها.

وجاء النزوح عقب مخاوف كان مصدرها منشورات قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، حذرت المواطنين من البقاء في المدينة، داعيةً إلى الخروج منها قبل بدء المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما بقيت عائلات أخرى كثيرة في المدينة متحدّين الصعوبات المحتملة.

أم محمد تقول لعنب بلدي إنها قررت ألا تخرج من المدينة بعد الآن، فهي تحصل على مصروف شهري لا يتجاوز 50 ألف ليرة سورية، يرسلها زوجها الذي يعمل في تركيا منذ قرابة عام، عازية السبب إلى أنها تدير شؤون الأسرة ولا تتحمل أعباء النزوح في ظل شح المال.

وتصف السيدة تصرفات التنظيم بـ”المقبولة رغم التشديد على النساء”، مؤكدةً “نشعر هنا بالأمان نوعًا ما، كما نحصل على احتياجاتنا وطعامنا بأسعار مقبولة دون أن يستغلنا أحد”.

وبينما تعبّر أم محمد عن رأيها، يرى بعض ناشطي المدينة أن خيار البقاء في المدينة صعب ومكلف، على اعتبار أن القصف ليس الخطر الوحيد الذي يهدّد المواطنين، فالانفجارات متوقعة في أي مكان يضم عناصر التنظيم، ومنها تفجير ضرب أحد المخازن التابعة للتنظيم، منتصف تموز الماضي، وقتل إثره حوالي 14 شخصًا بينهم أطفال، وكان قريبًا من منزل أم محمد، إلا أن ذلك لم يمنعها من الإصرار على قرارها بالبقاء.

أسواق الرقة “تتنفس”

الأمان النسبي الذي حل بالمدينة بدا واضحًا في أسواقها وحركة شوارعها، كما يقول عمار، وهو مواطن في الرقة، ويملك عربة صغيرة لبيع الخضار، يركنها يوميًا قرب دوار الدلة المعروف داخل الرقة، ويصف، في حديث إلى عنب بلدي، التغير في أوضاع المدينة بأنه “انعكس بشكل إيجابي على أسعار المواد التي انخفضت إلى حد ما سابقًا”.

ووفق عمار فقد عادت حركة التسوّق بشكل شبه طبيعي، عازيًا ذلك إلى عودة الكثير ممن نزحوا خارج المدينة خلال الفترة الأخيرة، ويؤكد الشاب أنه غير خائف من القصف الجوي، مصرًا على البقاء في منزله الذي يسكنه منذ أكثر من 20 عامًا في منطقة الدرعية.

ورغم أنه يشعر بالضيق من وجود مقر الحسبة التابع للتنظيم في حيه، إلا أن عمار يرى أن “عناصر التنظيم تحسنت معاملتهم مع الناس هذه الأيام، وهم أكثر هدوءًا وطمأنينة بعد أن مروا بأيام عصيبة وقلق شديد في الأسابيع الماضية”.

المدنيون هم الخاسر الأكبر

الهدوء الظاهر في شوارع المدينة، لا يمكن أن يغطي على إجراءات التحضير لحرب قريبة لا تزال محتملة في الرقة، إذ يستمر التنظيم بحفر بعض الخنادق الصغيرة على جوانب الشوارع الرئيسية، ووضع المتاريس في محيط المدينة، إضافة إلى نصب الشوادر في الشوارع الفرعية والحارات.

حميد، ناشط مدني من الرقة ويقيم خارجها حاليًا، اعتبر أنه من واجب قوات التحالف حماية المدنيين مهما كانت الظروف، مؤكدًا أن “مهمته هي الدفاع عن المجتمع المدني والأهلي، والسعي لحمايته من جميع الأخطار بما فيها القصف”.

ودعا الناشط إلى “المزيد من الدقة في العمليات العسكرية البرية والجوية، وأن تكون مراعية للمدنيين في الرقة قبل كل شيء”، مردفًا “لا أريد أن يبقى التنظيم مسيطرًا على مدينتي، ولكن أرفض أن يقتل أهلي ضحية لذلك”، كما طالب بضرورة تأمين سلامة المدنيين في حال تجدّدت نذر الحرب، التي يراها حتمية وقريبة في ظل الإصرار الدولي على قتال التنظيم.

يشكو كثير من سكان الرقة أن المجتمع الدولي لا يولي أي اعتبار للمدنيين المقيمين في مناطق سيطرة التنظيم، مستدلين بمجازر حصلت في مدينة منبج (شرق حلب)، التي سيطرت قوات “سوريا الديمقراطية” على أجزاء واسعة منها، بدعمٍ من التحالف الدولي، خلال الأيام الأولى من آب.

في حين يساوي آخرون بين أنصار التنظيم الذين لا يهتمون بوضع المدنيين، وبين الداعمين لعملية عسكرية ضده بأي تكلفة بشرية ومادية، ووفق حميد فكثيرًا ما يتجاهل العالم الضحايا في تلك المناطق.

أسابيع عدة مضت على التهديدات التي أطلقتها قوات “سوريا الديمقراطية”، التي أكدت خوضها عملية عسكرية باتجاه الرقة، منيت خلالها بخسائر وصفها ناشطو الرقة بـ “الكبيرة”.

ويرى السكان أن تخفيض القوات سقف العملية لأكثر من مرة، قبل أن توقفها فجأة دون صدور بيان واضح منها، يعود إلى مقاومة التنظيم في مدينة منبج، والتي لم تكن متوقعة، على حد وصفهم.

كل ما سبق عزز الثقة لدى سكان الرقة وريفها القريب، بأن لديهم وقتًا قبل عودة المعارك من جديد، الأمر الذي خفض من نسبة خوفهم، بينما يرى مراقبون أن الخوف لا زال ثابتًا في مناطق أخرى من ريف المدينة الشمالي، وتحديدًا في منطقة تل السمن، التي تعتبر أكثر عرضة للحرب، وأقرب جغرافيًا إلى خط النار، مؤكدين أنها ستكون مكانًا لأي عملية عسكرية قادمة لا محالة، وإن تأخرت.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع