“الجيش السوري” تركيبة ذات قوام طائفي ومساعٍ لإعادة الهيكلة

  • 2016/08/07
  • 10:50 ص
ميليشيا صقور الصحراء في مدينة تدمر بحمص - أيار 2016(AFP)

ميليشيا صقور الصحراء في مدينة تدمر بحمص - أيار 2016 (AFP)

فريق التحقيقات- عنب بلدي

شكّل الجيش السوري منذ تأسيسه قبل 70 عامًا وحتى مرحلة ما قبل استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963، حالة فريدة وجدلية في بنية المؤسسات السورية، فكان الغائب الحاضر عن المشهد العسكري والسياسي للبلاد، واقتصرت معاركه الدفاعية الخارجية على مواجهات معدودة مع الكيان الإسرائيلي (الجار العدو)، ألحقت به هزائم متتالية، بينما كان نشاطه واسعًا كحصان أسود في انقلابات متعاقبة للسيطرة على الحكم في سوريا.

ويعود تأسيس الجيش السوري إلى الأول من آب عام 1946، عقب نيل سوريا استقلالها عن فرنسا، وبدأ يأخذ منحىً طائفيًا مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، ليغدو منذ ذلك الوقت ورقة رابحة في معارك الأسد الداخلية والخارجية في وجه خصومه.

تقدّم عنب بلدي في هذا الملف لمحة عن نشوء الجيش السوري منذ عهد الأسد الأب وحتى يومنا هذا، كما تسلّط الضوء على آراء ضباط وخبراء عسكريين حول مستقبل هذه “المؤسسة” في إطار أي حل سياسي محتمل.

مقاتل في كتائب “حزب الله النجباء” العراقية في ريف حلب (إنترنت)

الجيش في ظل حكم حافظ الأسد

تغيرت بنية الجيش السوري منذ انقلاب عام 1970، وتبدّلت تركيبته على أسس طائفية، بعد أن خطط حافظ الأسد لذلك، منذ تسلمه حقيبة وزارة الدفاع في الستينيات بعد انقلاب 1963، ولأن شعبية الأسد حينها بين أوساط الطائفة العلوية كانت متواضعةً أمام سلطة صلاح جديد، الضابط العلوي الأرفع منه رتبة وزميله في قيادة حزب البعث، لجأ إلى نيل ود الضباط السنة مكرسًا عمله وساعيًا لإنشاء نواة “سرايا الدفاع” بقيادة شقيقة رفعت الأسد.

وفي الوقت الذي ساعدت مجموعة من القياديين والعسكريين السنة والعلويين في وصول حافظ الأسد إلى حكم سوريا مطلع السبعينيات، بدأت حكاية “الإنجازات” بعد “حركة تصحيحية” ما زالت الحدث الأبرز في رأي مواليه حتى اليوم.

وبينما يتغنى موالو النظام السوري الحالي بـ”إنجازات الجيش العربي السوري”، يرى محللون عسكريون وخبراء أن ما يتحدثون عنه لا يمكن وصفه إلا بالفشل الذريع، الذي سيطر على مفاصل الجيش وعرّاه من اسمه ليغدو منذ ذلك الوقت “جيش الأسد”، رغم وجود بعض الضباط الأكفاء الوطنيين فيه، والذين انشق العشرات منهم عقب اندلاع الثورة السورية في آذار 2011.

ثلاث مجازر خلال ثلاثة أشهر

وفي الوقت الذي شارك “جيش الأسد” في تنفيذ مجازر خارج حدود سوريا، لم يتوانَ عن استمراره في حربه ضد جماعة “الإخوان المسلمين”، إذ مرت على المدن السورية ثلاثة أشهرٍ دموية نفذت خلالها قواته مجازر بحق المدنيين في كل من جسر الشغور وحلب وسجن تدمر مطلع الثمانينيات، أتبعها بمجزرة حماة في شباط 1982.

بداية “إنجازات” جيش الأسد

أول خطوة أقدم عليها حافظ الأسد بعد انقلابه هي تطويق معسكرات الصاعقة ومصادرة أسلحتها، ليحكم قبضته ويسيطر على حكم سوريا بعدها، وليدخل سوريا في أتون معركة ضد الكيان الإسرائيلي عام 1973 ، سميت بـ “حرب تشرين”.

استعاد “الجيش السوري” مدينة القنيطرة “المهدمة” بعد سبعة أشهر على الاستنزاف، لكنها لشم تفلح بإرجاع الجولان المحتل من قبل إسرائيل، ما دفع محللون معارضون للتشكيك بنجاحها، ولا سيما بعد التأثير السلبي على الاقتصاد السوري وبنية الجيش نفسه.

وفي استثمار واضح لقدرة الجيش على هزيمة الخصوم السياسيين في الخارج، وجّه الأسد الأب قواته إلى لبنان، وتحديدًا مخيم “تل الزعتر” للاجئين الفلسطينيين، ونفذت قواته في حزيران عام 1976، وبمساندة الميليشيات المارونية برئاسة بيير الجميل، مجزرة في المخيم، شمال شرق العاصمة بيروت، في ظل الحرب الأهلية والطائفية التي شهدتها لبنان طيلة سنوات.

وجاءت المجزرة خلال حصار للمخيم، الذي كان يقطنه حوالي 35 ألف نسمة، واستمر أكثر من شهر تلّقى المخيم خلالها أكثر من 50 ألف قذيفة متنوعة، ليسقط بيد القوات المحاصرة منتصف آب من العام ذاته، بينما وثقت مؤسسات ومراصد حقوقية ثلاثة آلاف فلسطيني على الأقل قتلوا في تل الزعتر عقب دخول القوات المشتركة، معظمهم ذبحًا بالسكاكين.

قوات الأسد نفذت سلسلة مجازر في محافظة إدلب، كان أبرزها في جسر الشغور في آذار 1980، حين حاصرت المدينة شمال غرب المحافظة، وقصفتها بالمدفعية وقذائف الهاون ثم اجتاحتها، وتقول مصادر محلية إن نحو مئة رجل وامرأة وطفل قتلوا وبعضهم مثل بجثثهم، بينما أحرق فيها نحو 30 منزلًا واعتقل العشرات من أبنائها.

وعقب يوم واحد من محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد، قالت السلطات إنها بتوقيع “الإخوان المسلمين”، نفذت قوات الأسد مجزرة سجن تدمر في 27 حزيران من العام نفسه، أعدمت مئات المعتقلين والسجناء السياسيين فيه، ورغم أنه لا إحصائيات دقيقة لعدد القتلى في السجن ذهبت مصادر حقوقية إلى أن العدد تجاوز 1200 قتيل.

بدورها شهدت أحياء مدينة حلب خلال آب، مجازر كان أبرزها في حي المشارقة، أول أيام عيد الأضحى إذ قتلت قوات الأسد مئةً من أبناء الحي رميًا بالرصاص ودفنهم النظام بعدها في مقبرة جماعية، وجاءت المجزرة سلسلة لأخرى في كل من بستان القصر، والكلاسة، وأقيول، بحجة أنها مأوى لعناصر وقيادات جماعة “الإخوان”.

وبعد مرور أقل من عامين اجتاح “جيش الأسد” أحياء مدينة حماة في شباط 1982، ونفذ مجزرة انتقامًا من سكانها كونها شكّلت منذ ستينيات القرن الماضي مركزًا لجماعة “الإخوان”، وأسس داخلها حركة “الطليعة المقاتلة” التي أعلنت التمرد المسلح ضد الحكومة.

ويختلف المؤرخون في عدد ضحايا المجازر التي طالت معظم أحياء حماة، فقال الكاتب والصحفي البريطاني، روبرت فيسك، الذي زارها في العام ذاته إن 25 ألفًا من سكانها قتلوا، بينما ذهب البعض إلى أن العدد فاق 60 ألفًا، قتل معظمهم خلال إعدامات جماعية وذبحًا بالسكاكين، فضلًا عن اعتقال الآلاف من أبنائها.

ليست المجازر السابقة هي الوحيدة التي نفذتها قوات الأسد في سوريا في سبيل تعزيز نفوذ الأسد كقائد عام ورئيس لسوريا، بينما ساهمت تلك المجازر في تمرد العشرات من ضباطه وتفشي الفساد في المؤسسة العسكرية التي كان يديرها، والتي يتفق عشرات المهتمين والمطلعين على تلك الحقبة أنها جعلت من الجيش ميليشيات طائفية غيّرت المفهوم العام له، واستمرت حتى في ظل حكم الأسد الابن.

ويرى محللون عسكريون أن حافظ الأسد لم يبنِ دولةً ولا جيشًا بالمعنى الحقيقي، وخاصة مع تغلغل أجهزته الأمنية والعسكرية في تفاصيل حياة الشعب السوري ومفاصل الدولة، ويعتبر آخرون أن الآلية التي نشأ عليها الجيش ساهمت بشكل كبير في تفتته اليوم، وضياع هويته على أعتاب المدن والمحافظات السورية، في الوقت الذي يفترض أن يكون حاميًا للوطن ومدافعًا عنه.

 

أبرز خمس مجازر نفذتها قوات بشار الأسد

تكاد المنظمات والمؤسسات الحقوقية والإعلامية تقف عاجزة عن إحصاء المجازر المسجلة باسم قوات الأسد، أو الميليشيات الرديفة المحلية أو الأجنبية منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا، إلا أن عددًا من المجازر الكبرى شكّلت حالة من الصدمة لهولها وقسوة المشاهد والآثار التي خلّفتها. ونتحدث هنا عن خمس مجازر نفذتها قوات الأسد، ولا زال السوريون يخلدون ذكراها سنويًا:

مجزرة الحولة في حمص 25 أيار 2012

مدينة الحولة في حمص استفاقت، في الخامس والعشرين من أيار 2012، على قصف عنيف من قبل قوات الأسد بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون على سهول وقرى المدينة استمر لمدة 14 ساعة، ما خلف 11 قتيلًا.

وعقب القصف نفذت قوات الأمن السوري و”الشبيحة” من قريتي القبو وفلة المواليتين للنظام، اقتحامًا واسعًا، وداهموا منازل المدنيين وبدأوا بإعدامات ميدانية شمل النساء والأطفال والشباب، عن طريق الذبح بحراب البنادق من ثم رميهم بالرصاص والتنكيل بجثاميهم.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان قالت حينها إنها استطاعت توثيق نحو 62 شخصًا، في حين أكد ناشطون أن عدد القتلى بلغ أكثر من 110 أشخاص معظمهم من النساء والأطفال.

مجزرة القبير في ريف حماة 6 حزيران 2012

وعلى بعد 20 كيلو مترًا شمال غرب مدينة حماة، شهدت قرية القبير الزراعية الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها 150 نسمة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مجزرة راح ضحيتها ثلث سكانها، جلّهم من الأطفال والنساء.

في السادس من حزيران 2012 حاصرت قوات الأسد القرية من ثلاثة محاور، وبدأت بالقصف العشوائي على منازل المدنيين دون سابق إنذار، لتبدأ بعدها عملية اقتحام مدعومة بميليشيات من القرى الموالية.

وأعدمت العناصر المسلحة، بحسب ناشطين، أكثر من 140 مدنيًا بالرصاص والأسلحة البيضاء، إضافة إلى إحراق جميع المنازل وجثث الضحايا قبل انسحابهم، في حين وثقت الشبكة أسماء نحو 50 شخصًا قتلوا فيها، بينهم عشرة أطفال وتسع نساء.

مجزرة التريمسة في ريف حماة

12 تموز 2012

لم يكد أبناء ريف حماة الشمالي الغربي يلملمون جراحهم عقب مجزرة القبير، حتى عادت قوات الأسد والميليشيات الموالية ونفّذت مجزرة جديدة بحق أهالي بلدة التريمسة المجاورة.

وأفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها، أن حوالي 200 آلية عسكرية ونحو 25 شاحنة “زيل” محملة بالجنود والعناصر المسلحة، حاصروا أطراف البلدة، وبدأوا بالقصف العشوائي عند الساعة الرابعة من الفجر واستمرت الحملة حتى السابعة مساءً.

وأفادت الشبكة أنه بالرغم من روايات أهالي المدينة والتقارير التي تحدثت عن مقتل ما يزيد عن 250 شخصًا، إلا أنها لم تستطع توثيق سوى 67 ضحية، بسبب دفن ما يقارب 120 جثة، حوالي 40 منها لم يستطع الأهالي التعرف عليها لتفحمها، إضافة إلى سحب قوى الأمن عددًا كبيرًا من الجثث، وعدم تسليمها لأهالي الضحايا، ووجود عدد كبير من المفقودين.

مجزرة داريا في الغوطة الغربية

25 آب 2012

في ثاني أيام عيد الفطر، 20 آب 2012، بدأت قوات الأسد حملتها العنيفة على مدينة داريا، الواقعة في الغوطة الغربية لدمشق.

وبدأ النظام حملته بقطع الكهرباء والاتصالات عن كامل المدينة، أتبعها بقصف عنيف بعشرات القذائف، واستمر القصف خمسة أيام حتى الجمعة 25 آب. وعقب انسحاب “الجيش الحر” اقتحمت قوات من الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية المدينة، مدعومة بدبابات وأعداد كبيرة من العناصر المسلحة، وبدأت بعمليات حرق للمنازل والمحال التجارية والسيارات.

وفي اليوم التالي بدأت عمليات الانتقام والقتل العشوائي والإعدامات الميدانية الجماعية بحق سكان المدينة، بحسب الشبكة الحقوقية. عائلات كاملة أعدمت، ووصل عدد ضحايا المجزرة التي تمكنت الشبكة من توثيق أسمائهم إلى نحو 524 قتيلًا جلهم من المدنيين، منهم 61 جثة لامرأة، إضافة إلى 1160 جريحًا وأكثر من 100 مفقود.

مجزرة الكيماوي في الغوطة

21 آب 2013

تعتبر مجزرة “الكيماوي”، أكبر مجازر قوات الأسد بحق الشعب السوري، واستهدفت مدنًا وبلدات في الغوطتين الشرقية والغربية للعاصمة دمشق.

فجر الأربعاء 21 آب 2013، استفاق أهالي الغوطة الشرقية على قصف بصواريخ أرض-أرض محملة بغاز السارين السام، تلاها قصف عنيف استمر حتى الصباح؛ وتزامنًا مع ذلك شهدت معضمية الشام في الغوطة الغربية قصفًا مماثلًا.

أكثر من 1100 شخص موثق لدى الشبكة كانوا ضحية ذاك الهجوم، أما تقديرات الناشطين فتجاوزت عتبة الـ 1400 ضحية، أكثر من ربعهم نساء وأطفال، عدا عن آلاف الإصابات بين المتوسطة والخفيفة.

 

جيش من الميليشيات تقابله فصائل بتوجهات مختلفة

العقيد رياض الأسعد مؤسس “الجيش الحر”

“لا وجود للجيش السوري في ظل حكم آل الأسد”، بهذه العبارة اختزل العقيد رياض الأسعد، مؤسس الجيش الحر، موقفه من قوات الأسد حتى قبل الثورة، في حديث هاتفي أجرته معه عنب بلدي، مردفًا “عندما دخلنا فيه وجدناه عصابة تجهز لقتل الشعب السوري، وفعلًا خلال الثورة السورية وقف في اللحظات الأولى إلى جانب نظام الأسد”.

من المعيب، كما بدا الأسعد جازمًا، أن نطلق على قوات الأسد اسم “الجيش السوري”، لأن “سوريا لها تاريخ وحضارة قديمة ومتأصلة ومتجذرة بالصدق والإخلاص وكل القيم النبيلة، وهذا لم نجده في (عصابات الأسد) بل أظهروا حقدًا وإجرامًا وقتلًا وتدميرًا بحق الشعب السوري، سواءً من الضباط العلويين أو السنة أو من باقي الطوائف، فأظهروا ما ربّاهم الأسد عليه بمجرد أن خرج الشعب ضد الأسد”.

وشدد الضابط المنشق قبل خمسة أعوام على أن “العسكري له شرف، ومن يقبل أن يقاد من قبل ميليشيات أو مرتزقة ويقتل الشعب السوري فهو ليس سوريًا، ولا يملك شرفًا أو أخلاقًا، ويجب أن تنفى الصفة السورية عن هذه الميليشيات الطائفية”.

لكن الأسعد، الذي فقد ساقه خلال إشرافه الميداني على المعارك في سوريا، آذار 2013، وخرج رويدًا رويدًا من دائرة العمل العسكري، أظهر تفاؤلًا حذرًا من أن يصبح “الجيش الحر” نواة لجيش سوريا في المستقبل، “الجيش الحر هو تاريخ مزروع في فكر الجميع وحتى الأطفال، وتم التآمر للقضاء عليه، لأنه حقق انتصارات ومثّل رمز الثورة ووحدة الشعب السوري الذي التف حوله”.

وتعرضت حالة الوحدة التي بدا عليها “الجيش الحر” سابقًا للتمزيق بمساهمة بعض الدول، وظهرت فصائل المعارضة مختلفة في رؤاها وتوجهاتها، بحسب الأسعد، لكنه استدرك قائلًا “لا يزال هناك مقاتلون ينتمون للجيش الحر ويعملون ضمن إمكانياتهم… في الآونة الأخيرة بدأ الأهالي برفع شعارات تطالب بعودة الجيش الحر، فهو لا زال الأمل المنتظر لسوريا”.

الميليشيات لم تنفع الأسد كبديل عن المنشقين

حاول بشار الأسد تعويض مؤسسة الجيش بميليشيات محلية، تكون بديلة عن المنشقين من ضباط وصف ضباط وأفراد، وتعوّض النقص الحاصل جراء انكفاء الآلاف عن التجنيد الإجباري والهرب خارج سوريا، فنجح في ذلك من الناحية العددية، لكنه فشل من حيث الفعالية القتالية، كما أوضح الخبير والمحلل العسكري، العميد أحمد رحال.

وتحدث الرحال لعنب بلدي عن ميليشيات يحاول النظام تعويمها والتسويق لها ضمن مؤسسة “الجيش”، في مثالين مختلفين، الأول: هو العميد عصام زهر الدين، قائد قوات الأسد في المنطقة الشرقية أو ما بات يعرف باسم “نافذ أسد الله”، إذ يمثل “الطبقات أو الفئات الطائفية في جيش الأسد، باعتباره من الطائفة الدرزية، ليقال إن فئات المجتمع السوري تساند بشار الأسد، فأطلقوا بالتالي يده”، وفق تعبيره.

أما المثال الثاني فهو العقيد سهيل الحسن، الضابط الأمني سابقًا وقائد معارك اللأسد في الشمال، ومؤسس مجموعة “رجال النمر”، فحاول النظام أن يجعله شخصية مشابهة للجنرال جوكوف، الضابط الروسي الشهير في الحرب العالمية الثانية، والذي لم يشارك في معركة خلالها إلا وانتصر الروس فيها. وتابع الرحال قائلًا “حاولوا أن يصنعوا من الحسن نموذجًا مشابهًا لجوكوف لكنهم فشلوا، وشتان ما بين الحالتين”.

ورأى الخبير العسكري أن “جيش الأسد بقوامه الحالي يسقط خلال أسبوع أمام المعارضة”، لكن “حين نتكلم عن ميليشيات أجنبية ومحلية وروسيا وإيران كداعمين على الأرض، فالأمور ستكون بكل تأكيد ذات صعوبة بالغة، لكن الفصائل لا زالت قادرة على المقاومة وصنع المستحيل”.

لا حلول تفرض من الخارج و”مجلس عسكري أعلى” يلوح في الأفق

العميد أحمد بري، رئيس أركان “الجيش الحر”

ورفض العميد الركن أحمد بري، رئيس أركان “الجيش الحر”، أي حلول تفرض من الخارج، أو الحديث عن هيكلة مشتركة لـ “الجيش” بمشاركة المعارضة والنظام على حد سواء، كاشفًا لعنب بلدي العمل على تأسيس “مجلس عسكري أعلى” قد يبصر النور بعد أيام.

وقال بري في حديث هاتفي مع عنب بلدي “نحن بصدد إعلان مجلس عسكري أعلى خاص بالداخل، ولا نقبل بأي تشكيل يفرض علينا من الخارج… قبل أيام كنت في اجتماع مع المنسق العام للمعارضة رياض حجاب، وأنس العبدة رئيس الائتلاف، ونحو 24 فصيلًا في الشمال السوري… لكن فصائل الجنوب لم تستجب حتى اللحظة، ومن المحتمل خلال أسبوع أن نعلن تشكيل المجلس العسكري”.

ونوّه بري إلى أن بعض الجهات الخارجية، التي لم يسمّها، حاولت الضغط على أركان “الحر”، بإدخال شخصيات وضباط ليسوا من الحراك الثوري والعسكري، مضيفًا “لكننا رفضنا ذلك جملة وتفصيلًا، من يريد أن يسعى للتشكيل فنرحب بأي شخصية وطنية أو فصيل سوري”.

حققت فصائل المعارضة تقدمًا واسعًا في محافظة حلب مؤخرًا، وهو ما اعتبره العميد بري سقوطًا واضحًا للنظام في الشمال السوري، رغم محاولاته المتكررة للاستحواذ على المحافظة وخنق فصائل المعارضة في إدلب، وقال مستبشرًا بموقف قوي للمعارضة بعد هذه التطورات “من يفرض شروطه على الطاولة هو المنتصر وليس المهزوم”.

لكن كلمة المعارضة باتت فضفاضة في ظل تشتت القوى العسكرية في سوريا، واختلاف التصنيفات، وهنا أوضح بري موقف “الجيش الحر” من جبهة “فتح الشام”، بعدما أعلنت تغيير اسمها القديم (جبهة النصرة) وفك ارتباطها بتنظيم “القاعدة”، وقال “لم يعد لدينا حجة على (فتح الشام) سوى ضرورة توثيق علاقتها مع فصائل الجيش الحر… هناك التحام وتعاون في المعارك، لكننا نطلب منهم أن يغيروا سياستهم المقبلة، وأن يكون عملهم لسوريا وسوريا وحدها”.

وتفاءل العميد بري ببداية تشكيل نواة عمل موحد للفصائل في سوريا، مشيرًا إلى نية “تجمع أهل العلم” تشكيل محكمة جامعة، تكون مظلة قانونية وشرعية لمعظم فصائل المعارضة السورية، بمافيها الجيش الحر والتشكيلات الإسلامية، وسيخضع لها الجميع بالنزاعات والإشكاليات.

ميليشيا صقور الصحراء في مدينة تدمر بحمص – أيار 2016(AFP)

 

المستشار القانوني في “الجيش الحر”:
نقبل بإعادة هيكيلة الجيش السوري

في ظل التسريبات عن اتفاقٍ روسي- أمريكي يفضي إلى مرحلة انتقالية، تبقى مسألة إعادة هيكلة “الجيش السوري” أو بناء مؤسساته من الصفر، عائقًا تختلف عليه فصائل الثورة السورية. والتقت عنب بلدي المستشار القانوني لـ “الجيش السوري الحر”، أسامة أبو زيد، والذي تحدّث عن مصير المؤسسة العسكرية، في حال التوصل إلى حلّ سياسي.

المستشار القانوني للـ “الجيش السوري الحر”، أسامة أبو زيد (عنب بلدي)

وانطلاقًا من أن المؤسسة الأمنية مبنية على أساس ألا تكون لحفظ أمن سوريا، وإنما لحفظ أمن النظام و”العصابة الحاكمة”، لا يمكن الاكتفاء بإعادة هيكلتها، بل تؤكد المعارضة تؤّكد على ضرورة حل الأجهزة الأمنية، بحسب تعبير أبو زيد.

أما فيما يتعلق بالمؤسسة العسكرية، فأوضح أبو زيد أن الطرح يتعلق بإعادة هيكلة المؤسسة بناءً على إدخال الفصائل الثورية التي تقاتل ضد بشار الأسد، مع بقايا القطع العسكرية التي تتبع للجيش النظام، مع عزل القيادات في الصف الأول والثاني والثالث. واعتبر أن الجيش لم يعد مؤسسة اليوم، ويؤكد ذلك اعتماد الأسد على الميليشيات الأجنبية في المعارك الحاسمة والمصيرية.

“هذا الجيش لم يعد موجودًا هناك بقايا منه”، وفق المستشار القانوني، الذي عزا إمكانية قبول تشكيل مؤسسة جديدة، إلى أن “هناك مرافق عسكرية وعتادًا ودائرة معلومات تتبع لهذه المؤسسة، ولا بد أن تكون ملكًا أو تحت تصرف القيادة الجديدة أو هيئة الحكم الانتقالي التي ممكن أن توافق عليها المعارضة”.

لكنه شدّد على ضرورة إعادة هيكلة المؤسسة وليس القبول بها بشكلها الحالي، وذلك يعتمد بشكل رئيسي على عزل القيادات الحالية وإبعاد كل من تلطخت أيديهم بالدماء وكانوا مشرفين على أوامر القتل منذ انطلاق الثورة السورية، ووضع الممتلكات العسكرية والجنود الذين سيقوا من خلال التجنيد الإرهابي تحت قيادة جديدة يكون هدفها الرئيسي حفظ حدود سوريا وأمنها، خلال المرحلة الانتقالية، وأهم شروطها رحيل بشار الأسد.

ونفى القيادي أن تكون القضية محاصصة، بمعنى أن تقتسم المعارضة المؤسسة العسكرية المستقبلية مع النظام بحسب حجم سيطرته على الأراضي السورية، وإنما يفترض أن تكون المؤسسة المستقبلة احترافية مهنية، من أجل القيام بالمهمة التي تناط عادةً بالجيوش المتقدمة والمتحضرة والتي تحترم شعبها وحقوقه.

ما لا يمكن التنازل عنه، بحسب المعايير التي تريدها المعارضة، أنه من ورّط المؤسسة في أن تقتل المتظاهرين وأن تتصدى لطلبات محقّة وعادلة في وجه طاغية، لا يمكن أن يكون جزءًا من المؤسسة العسكرية المستقبلية، أيًا تكن الخدمة التي يمكن أن يسديها للمؤسسة العسكرية.

وأكد المستشار القانوني أن المعارضة تمتلك الكثير من الكوادر التي انشقت عن النظام من مختلف الاختصاصات (طيارين، وضباط مشاة، وضباط اختصاص حرب كيميائية…)، ما يعني وجود ضباط قادرين على القيام بمهمة إعادة الهيكلة.

وعن موقف فصائل الثورة السورية المتخبّط تجاه القضية، لفت أبو زيد إلى أنه إذا سوّق لها على أنها تسوية بين طرفين يتنازعان تحت عنوان حرب أهلية ودمج بين الجانبين فإن أكثر المنفتحين سيرفضها، ولن يتخيل نفسه أن يكون في مكان تحت عنوان أو شعار واحد هو ومن يقتله، لكن عندما يعرض الأمر على أنه بناء جيش لسوريا الجديدة، يساهم فيه كل من يتوفر فيه الأهلية والشروط المطلوبة، سيكون المعيار مختلفًا.

وأعلنت موسكو أنها تواصلت مع عددٍ من قادة “الجيش الحر” بخصوص تشكيل مظلّة جديدة لجيش جديد، لكن المستشار القانوني نفى أن تكون الهيئة العليا للمفاوضات، الممثلة لفصائل الحر وفصائل أخرى كـ “جيش الإسلام” و”أحرار الشام”، التقت مع الروس أو فتحت حوارًا معهم. كما أن موسكو لم تفتح أي حوارٍ مع الفصائل الوازنة والتي تشارك في العملية السياسية بشكل مباشر.

ولو أن موسكو حاولت تسويق أنها تحاول فتح قنوات مع قادة فصائل في المعارضة، إلا أن ذلك لا يمكن وضعه في سياق لقاءاتهم مع قادة أصيلين وحقيقيين يوجدون على الأرض، بحسب تعبير أبو زيد، بل كان لهم تواصل مع قياديين سابقين كانوا في حقل الكفاح المسلح ولاحقًا خرجوا.

المؤسسة العسكرية التي كان السوريون يدفعون الضرائب من أجل دعمها، وكانت الجزء الأكبر من موازنة سوريا موجهة من أجل الميزانية العسكرية، يجب أن تعود للشعب السوري، بحسب أبو زيد، الذي ختم بقوله “هذا السلاح وهذه الطائرات وهذه المدرعات هي ملك للسوريين، وبالتالي هي ملك لجيش سوريا المستقبل، ولذلك نقبل بمبدأ إعادة الهيكلة لا من زاوية مشاركة بشار الأسد على السلطة، ولكن من زاوية أن هذا من حق الشعب السوري ويجب أن يكون جزءًا من جيش سوريا المستقبل”.

تبدو اليوم مؤسسة “الجيش السوري” منهارة تمامًا، في مشهد لم تعرفه سوريا منذ أربعينيات القرن الماضي، فتحولت إلى جسم عسكري يغلب عليه الطابع “الميليشوي”، بعد خمسة أعوام على المعارك الداخلية ضد فصائل المعارضة والمنتفضين المدنيين ضد بشار الأسد على حد سواء.

يشدد “الجيش الحر” على أهليته ليكون نواة “الجيش السوري” في المستقبل، كما قال رئيس أركانه، لكن المعنيون بالملف السوري، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لا زالوا على اعتقاد تام بأن إصلاح “جيش الأسد” ليصبح جسمًا عسكريًا توافقيًا بين النظام والمعارضة، هو أمر وارد ومحتمل، في ظل السعي إلى حل سياسي في سوريا.

مقالات متعلقة

في العمق

المزيد من في العمق