مطبخ الحرب.. حربٌ على لقمة العيش في العاصمة

  • 2016/08/07
  • 7:46 ص
رجل يطبخ باستخدام الحطب في حلب 22 كانون الثاني (روتيرز)

رجل يطبخ باستخدام الحطب في حلب 22 كانون الثاني (روتيرز)

بيلسان عمر – دمشق

تُميّز المطبخ السوري العديد من المأكولات التراثية، والمقبلات والسلطات والمشاوي والكبة والعصائر والحلويات الشرقية المتنوعة، ويندر أن يخلو بيت من غرفة مؤونة، أو “سقيفة” على أقل تقدير. تحضر العائلة البرغل والعدس والحمّص، وتجفف التين والزبيب والجوز والملوخية والباذنجان والبامية وغيرها، وكذلك تعدّ الكثير من أنواع المربى، مع الزيت والسمن والمواد الأولية في تلك الغرفة، من موسم لآخر، ليتوقف كل ذلك في ظل الحرب والحصار، إذ بات الاعتماد على القوت اليومي فقط إن أمكن الحصول عليه أساسًا.

دفع غلاء الأسعار في سوريا، وكذلك الحصار لبعض مناطقها، المواطنين إلى استبدال مأكولاتهم اليومية المتعارف عليها، بأخرى جديدة “لا تسمن ولا تغني من جوع” في كثير من المرات.

السيدة أم سليمان تتحدث عن تجربتها في الحصار بالغوطة الغربية، وعن القيمة الغذائية لما تعدّه من وجبات، وتقول “بداية الحصار حيث المواد الأولية ما زالت متوفرة، كنت أعد لأبنائي أطباقًا متنوعة من الطعام، وكلما اشتد الحصار، قلت قيمة تلك الأطباق الغذائية، وقل كذلك عدد أنواعها”.

واعتمدت السيدة على مبدأ “التدوير”، واستثمار المتاح بأكبر قدر ممكن، بحسب تعبيرها، مضيفةً “ثم بدأت أستفيد من المواد المتوافرة في المنطقة، فمثلًا استبدلت الشعيرية بمعكرونة لإعداد الرز، ومرات بدونها، وكذلك استخدمت الرز الطويل في تحضير الكبسة، دون أن أتقيد بالرز الخاص بها، وبدأت أطحن العدس وأجهز منه الفلافل، وأيضًا استخدم العدس كوجبة رئيسية تحت اسم: عدس نابت”.

“ورق الشجر لم نتركه وشأنه، فبدأت أقطف ورق التوت، وأقوم بتحضير اليبرق واليالنجي، باعتباره شبيهًا لورق العنب إلى حد كبير، وأعد التبولة والفتوش من أي أوراق خضراء أجدها، إن كانت جرجير أو زعتر بري أو ميرمية أو ورق شجر أو حتى اشنان، وكذلك أجمع الشعير والشوفان والعدس والفستق المحنن، وكل ما أجد من بذور لأحضر الخبز، في ظل ندرة القمح”، تضيف أم سليمان.

افتقدت وجبات السيدة إلى المأكولات الدسمة، واللحوم، وعندما أراد أبناؤها يومًا “كبة”، قامت بتحضيرها وحشوها بقطع من بطاطا مبروشة ومقلاة بالزيت، وكانت غالبية أقراص الكبة فارغة حتى من هذه الحشوة المزعومة.

بينما بات اليقطين غذاء رئيسيًا، “أصبحنا نعد يقطين بلبن، ويقطين مقلي، ومربى اليقطين، ومفركة بيقطين، ومطجن بيقطين، ويقطين بمرق رب البندورة، وبرغل بيقطين، ورز بيقطين، وغيرها الكثير”.

أما أفخر الوجبات فتطلق عليه السيدة “بروستد الحصار”، وهي وصفةٌ “غريبة” تقوم على تقطيع اليقطين، وتغطيتها بالقليل من الطحين، ثم قليها.

وعند سؤالنا السيدة أم سليمان عن الأخبار المروية حول “الموت جوعًا”، وأكل لحوم الحيوانات، أجابت “عندما اشتد الحصار ولم يبق مواد أولية في متناول الأيادي، لجأنا أكثر إلى النباتات البرية، وأوراق الشجر مرة أخرى، فبت أستخدم ورق نبات الخميسة (المديدة) الذي كنا نزرعها للزينة، وأعد بها ما يشبه الملوخية سابقًا، وأجمع ثمار التين، وأغسلها وأقطعها نصفين، وأقوم بقليها بقليل من الزيت”.

التين يستخدم أيضًا كوجبة أخرى، فتسلقه أم سليمان بالماء حتى ينضج، ثم تغلي ثمار الإكي دنيا أو أي نوع آخر، “من باب تنويع المواد”، ثم ترفع الثمار المسلوقة وتقلبها على النار مع قليل من الملح مع أي من بذار الزرع باعتبارها بهارات، وتضع كمية قليلة من المادة مع قدر كبير من الماء، معتبرةً أنها “شوربة خضار”.

حلويات الحرب

وتتابع السيدة، “كنت أحاول كل فترة أن أحضّر لأبنائي طبقًا من الحلويات، فبتنا نتبادل ما يخطر ببالنا أنا وجاراتي، فمثلًا أعددنا من المعكرونة كنافة (على كيف كيفكم)، نقوم بنقع عيدان المعكرونة في الماء لمدة لا تقل عن ساعتين، ثم نغسلها جيدًا، ونتركها لتجف، ونمدها على صينية كبيرة، ثم نضع قليلًا من السمن على الغاز، ونضيف المعكرونة والسكر، ونقلبها عدة مرات حتى تنضج”.

تعلّمت أم سليمان من صديقتها المحاصرة في دوما، أن تعد “الطشطبانات”، وهي عبارة عن بتيفور بطحين الشعير، وكذلك معمول الحصار المحشو بالراحة، أو مربى اليقطين، أو الفارغ من الحشو.

كما تعلّمت طريقة السمسمية، بوضع القليل من السمن والسمسم أو أي من بذار الزرع، على النار، يضاف إليها مادة محلاة (روح السكر، عئيدة، عسل محروق وجدناه بين ركام أحد البيوت المحروقة).

شمّ ولا تذوق وسجّل “لايك”

يتناقل الناس في دمشق وأريافها فكاهة أن النزول إلى السوق باتت لتسجيل “لايك” فقط، والعودة سريعًا. ليس الأمر فكاهيًا، بقدر ما هو محاكاة للواقع الذي يعاني منه المواطن السوري (وهنا نتحدث عن المواطن في المناطق الخاضعة للنظام السوري، حيث لا مسلحين يحاربونه على لقمة عيشه كما يدّعي النظام).

تقول السيدة أم أحمد، القاطنة في البرامكة وسط العاصمة، ”أشتري الخضراوات والفواكه من سوق الهال، المتعارف أن أسعاره أقل من أسعار المحال التجارية، رغم عناء الطريق إلى هناك، ومع ذلك فإن الكثير من المواد الغذائية بتنا نراها فقط شم ولا تذوق”.

وباتت اللحوم ضيفًا ثقيلًا يدخل البيوت مرة واحدة في الشهر، وكذلك الفواكه، إذ أصبحت العائلات تقتصر على نوع واحد فقط، ونختصر الوجبات اليومية قدر الإمكان، ونقلل كمية السكر في الشاي والقهوة إلى حد بعيد، تقول أم أحمد “نقنع أنفسنا أنه أنفع للصحة، فهمنا اليومي أن نحسب بالليرة ما علينا دفعه ثمن طعام، وما سيتبقى مصروفًا لنا لآخر الشهر”.

خبز “فكاهي”

تداول المواطنون في دمشق مقارنة بين الأطفال الذين يقفون طوابير على أفران الخبز، ليشتروا بضع أرغفة يقتاتون منها، أو يبيعونها كمصدر رزق يعتاشون منه، مع تجربةٍ في اليابان، حيث قام أحد الأفران ببيع خبز للأطفال عليه “سمايلات” لتشجيعهم على تناوله.

وينتقد المواطنون الإعلام معتبرين أن الذي ينقل هذه الصورة في اليابان، أقوى من صوت الطفل الذي يبكي وهو يصرخ “بالجنة أكيد في خبز”.

هدر غذائي يكفي لـ “نعيش”

في تقرير صادر عن اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ، فإن خفض حجم الأغذية التي يتخلّص منها المستهلكون هي بين 20 و50% من استهلاكهم، وهو ما قد يوفّر ما بين 120 مليار دولار و300 مليار بحلول العام 2030.

كما نشرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، التابعة للأمم المتحدة، في 29 كانون الأول 2015، تقريرًا عن “حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم”، بيّنت فيه أن “نصف الشعب السوري جوعى”.

وتحدث التقرير عن أن هناك “13.6 مليون جائع يتوزعون بين 10 ملايين جائع داخل سوريا، وحوالي 3.5 مليون جائع سوري في دول اللجوء، والعدد مرشح للزيادة الملحوظة”.

وبحسب مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبريان، فإن عدد السوريين الذين هم بحاجة لمساعدة ازداد بنحو 1.2 مليون شخص خلال الأشهر العشرة الماضية.

تبقى لقمة العيش سلاحًا قويًا فعالًا بيد النظام السوري يحارب به شعبه، إن بالحصار وحرمانهم من أدنى مقومات الحياة، أو بغلاء الأسعار في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعدم تمكن المواطن من شراء الكثير من المواد حتى الأساسية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع