خدعة «أعطه اسمًا»

  • 2013/07/15
  • 1:40 م

عنب بلدي – العدد 73 – الأحد 14-7-2013
عتيق – حمص
10
واحدة من أكثر الخدع الفكريّة، والمغالطات المنطقيّة انتشارًا بين الناس، واستخدامًا في الحوارات، لقتل الفكرة موضع الحديث، وهي بالمهد، ودون بذل أيّ جهد في نقد تناسقها الداخليّ، أو انطباقها الخارجيّ، خدعة: أعطه اسمًا.
والمقصود بذلك ألا يتكلّف المرء نقاش الفكرة، ودحض حججها وأدلتها، ومحاولة توجيه ضربات صلبة إلى منطقها، مما لا يقدر عليه أكثر الناس للأسف، بل اتخاذ طريق أسهل من ذلك بكثير، بواسطة إعطاء اسم للفكرة، أو لصاحبها.
ففي مجلسٍ من المجالس، والنقاش دائر بين الحضور، يعرض أحدهم على الآخرين، بعض الأفكار التي قرأها في كتابٍ ما، أو سمعها في محاضرة، وما إن ينتهي من عرضه القويّ، وتقديم فكرته المتماسكة، حتى ينبري له أحدهم: هذه أفكار العلمانيّة، أو الليبراليّة، أو القوميين، أو السلفيين، إلى غيرها من الأسماء والتصنيفات، ظانًا بذلك أنه قد قدّم واجبه في دحض الفكرة، وتسفيه منطقها، وهو لم يفعل ذلك حقيقةً، فكل ما فعله، كان تسميةً لها لا غير.
أو لربما سُئل الرجل الذي عرض الأفكار: أين قرأت هذا؟ أو ممن سمعته؟
فإن أجاب، ردّ عليه صاحبنا: هذا من أتباع التيار الفلانيّ، أو من مناصري الفكر العلاني. وكفى الله الحاضرين شرّ النقاش.

لكن بقليلٍ من التفكير وإعمال العقل نجد أنّ مجرّد إعطاء الأفكار أسماءً لا يقدّم ولا يؤخّر شيئًا، لا يعطيها قيمة، ولا يسلبها إياها. لنفترض أن القائل هو إبليس عينه، إنّ هذا لا يشكّل ضمانًا ببطلان ما يقول، بل ثبت ببعض الأحاديث أنّ النبيّ (ص) قال في أحد المواضع عن إبليس: صدق وهو كذوب!
لذا فإن تقييم الأفكار وتفنيدها يجب أن يتمّ بمعزل عن اسم صاحبها، أو اسم التيار الذي تنتمي له، أو اسم البلد الذي نشأت فيه، وغير ذلك من الأسماء.
أحيانًا تستخدم هذه الخدعة بأسلوب آخر، فمثلًا عندما يُسأل الملحدون السؤال الشهير، كيف بدأ الخلق؟ يقولون إنه في البدء كان هناك السديم، ثم جرت تفاعلات كثيرة على مدار ملايين السنوات أثمرت انطلاقة سلسلة الخلق، وعندما يُسأل ثانيةً لم جاءت هذه التفاعلات دوما ذكيّة وبناءة، لتحقق نتائج عظيمة، يأتي الجواب، بأن مردّ ذلك إلى الذكاء الكونيّ الخلّاق!
والذكاء الكونيّ هذا ليس أكثر من اسم، لا يشمل على حمولة علميّة، يقدّم ككلمة عظيمة لإسكات الآخرين، وإعطائهم ما يبدو على أنه جواب.

وكثيرًا ما سجّل القرآن على المناكفين للرسالة أسلوبهم السطحيّ هذا في تقييم ما يعرض عليهم:
{إذا تتلى عليه آياتنا قالوا أساطير الأولين}، {ثم تولوا عنه وقالوا مُعلّم مجنون}، {فتولّى بركنه وقال ساحرٌ أو مجنون}، {قال الكافرون إنّ هذا لساحر مبين}، {بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر}..
إنه الأسلوب المفضّل عند الكثيرين، لا تتكلّف عناء النقاش والجدال، أعطه اسمًا، للتخلص منه، مجنون، ساحر، كاهن، مقلّد، الخ
وكثيرًا ما سجّل القرآن ردّ الأنبياء على هذه الدعاوي، بقوله: {إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}.
التسمية أداة خطيرة للغاية، يمكن لها أن تكون اللعبة الأسوأ في تزوير الوعيّ، كما يمكن لها أن تكون الخطوة الأولى في تحريره، لذلك كانت التجربة الأولى التي خبرها آدم عليه السلام هي تعليمه الأسماء كلّها على ما هي عليه: {وعلّم آدم الأسماء كلّها}… الأسماء كما يجب أن تكون.
إنهم ينصبون الأسماء كمصائد للعقل البشريّ.. إنتبه من ذلك

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب