همام يوسف – الحراك السّلمي السّوري
شرعنة الانتقام الجماعي
جميع المبرّرات التي تساق لشرعنة القتل «على الهوية» مردودة، ومن يقبل بها عليه القبول بذلك لأهله ولنفس الأسباب! فقط انزع كلمة «الشيعة» أو «النصيرية» وضع بدلاً منها «السنّة» والعكس بالعكس.
هناك أحكام عامة ومقاصد مطلقة للتشريعات في القرآن، وهناك أحكام خاصة وظرفية يمكن أن تخرج عن الحكم العام إلا أنها تبقى منضوية تحت المقصد المطلق. الحفاظ على الحياة كمثال عن المقصد المطلق {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (سورة المائدة، 32)، والقتال مثال عن الحكم الظرفي {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا * إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (سورة البقرة، 190).
أمّا الانتماء للمذهب والطائفة بشكل قبلي دون إعمال للعقل والعدل، والالتزام بعدم التطفيف والكيل بمكيالين، فهو انتماء جاهلي مذموم على لسان رسول الله ومن قبله القرآن. إن أحد أهم أسباب استمرار الأحقاد التاريخية لدى مجموعات بشرية كبيرة تعرضت للظلم هو عدم وصولها للعدل والقسط وما يترتب عنهما من قصاص، وهذا الأمر الأخير مشروط بإدراك الجاني وذويه وبني جلدته -قبل الضحية- أن الحكم الذي حق عليه هو حكم عادل بعد سوق البراهين. بغير ذلك ستستمر عجلة الانتقام والانتقام المضاد، فالعلّة من القصاص حسب منطق التجريم للهوية هو الهوية ذاتها! وهذا تحطيم تام للمعايير والمقاييس التي تقنن «الانتقام» وتحد من أذاه وتحصره في الحدود الدنيا. لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتبع نهج التفكير الانتقامي المؤسس على التابعية الهوياتية لكان الأولى به أن يسفك دم أبي سفيان وذريته وكل ساكني مكة عند فتحها، لكن ما أتى به بوصف القرآن هو «رحمة للعالمين» وإخراج للناس «من الظلمات إلى النور» وإقامة العدل والقسط وحفظ السلم والنماء والخير لكل بني آدم دون استثناء. الآية الكريمة لم تقل: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تنتقموا… انتقموا هو أقرب للتقوى!