محمد قطيفان – درعا
يجهل قسمٌ كبيرٌ من السوريين الواقع الميداني والمعيشي لقرى وبلدات منطقة اللجاة في درعا، وعلى الرغم من الأهمية العسكرية الكبيرة للمنطقة، التي شكلت الحاضنة الأولى لبدايات العمل العسكري ضد قوات الأسد في المحافظة، إلا أن تغييب أخبارها إعلاميًا يثير التساؤل حول واقع حياة الأهالي وظروف معيشتهم، والأسباب التي تقف خلف غياب اسم اللجاة عن “إعلام الثورة”.
تُعرف اللجاة في درعا بأنها حصن المنشقين، فكانت قراها الحاضنة الأولى لأبرز التشكيلات العسكرية في المحافظة، كما كانت قبلة لمئات المنشقين عن قوات الأسد، وأهمهم النقيب قيس القطاعنة، الذي انشق أواسط عام 2011، مشكلًا أبرز كتيبة عسكرية في درعا حينها، وعرفت باسم “كتيبة العمري”.
خاضت قرى اللجاة بعدها سلسلة من المعارك العنيفة ضد قوات الأسد، انتهت بـ “تحرير” المنطقة مطلع عام 2012، بعد تمكن فصائلها من السيطرة على كافة مواقع وتحصينات النظام، وأبرزها مخافر صور، وجدل، وكتيبة الدفاع الجوي في الجسري، لتمطر قوات الأسد بعدها المنطقة بآلاف القذائف، ومئات الغارات من الطيران الحربي.
حافظت فصائل اللجاة على سيطرتها حتى اليوم، وصدّت العديد من محاولات الاقتحام، فيما تترقب آخر المواقع التي تسيطر عليها قوات الأسد في المنطقة، وهي ناحية المسمية واللواء 34، وكذلك مواقع النظام في مستودعات “الكم”، ويعد هذان الموقعان الأكثر تحصينًا.
ولا تخضع قرية الوردات الواقعة إلى الشرق من بلدة محجة في اللجاة، لأي سيطرة فعليًا، باستثناء عمليات التسلل التي يقوم بها الطرفان، كونها تقع على خط تماس، وتسببت العمليات العسكرية بتدميرها بالكامل، أما قرى الملزومة والوراد، فأدى قصف قوات الأسد المتواصل عليها إلى تهجير أكثر من 75% من أهلها، فيما يسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على قريتي حوش حماد والسحاسل، وبعض المناطق القريبة منهما على أوتوستراد دمشق- السويداء.
فصائل اللجاة وأبناؤها شاركوا في معظم معارك محافظة درعا، وفقدوا العشرات، من بينهم القيادي الميداني صفوان الخلف، الذي قتل في معركة عامود حوران في بصر الحرير، والقيادي صايل الشرعة، وقتل في معركة تحرير “اللواء 52” في الحراك.
خدمات غائبة أم مغيبة؟
تغيب الخدمات عن قرى اللجاة بشكل كامل، في مشهد يثير التساؤل حول أسباب هذا التهميش الخدمي للمنطقة، وأوضح محمد حسان، مدير مركز صدى اللجاة الإعلامي، الذي يعمل على نقل واقع الحياة فيها، أن أكثر من 45 قرية تعاني انقطاعًا كاملًا للكهرباء في اللجاة.
وأضاف حسان، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن الأمر”دفع الأهالي من الميسورين نحو الكهرباء البديلة، من المولدات الصغيرة أو ألواح الطاقة الشمسية، والتي يعجز أصحاب الأوضاع المادية المحدودة عن امتلاكها فيقبعون في الظلام”.
وتعدّ 95% من آبار المياه العامة الصالحة للشرب في اللجاة خارج الخدمة، بسبب الأعطال التي أصابتها، ولم تتكفل أي جهة بإصلاحها، بينما تعاني بقية الآبار غياب الوقود اللازم لتشغيلها، واعتبر حسان أن ذلك يصبّ في مصلحة أصحاب الآبار الخاصة، “تبلغ قيمة صهريج المياه حوالي 3500 ليرة، وتضطر الأسر إلى اللجوء للتعبئة مرتين في الشهر على أقل تقدير”، ويضاف إلى ذلك غياب أجهزة تحليل وتعقيم المياه، ما تسبب بعشرات حالات الالتهابات المعوية.
الواقع الصحي ليس أفضل حالًا، فالمنطقة تعاني من غياب واضح للكوادر الطبية، ولا تُخدم إلا بمشفىً ميداني واحد، هو مشفى اللجاة الميداني في قرية حامر، وهو يفتقر إلى أبسط الإمكانيات.
المشفى، الذي يوجد فيه طبيبٌ واحدٌ وخمسة ممرضين، لا يمتلك أي سيارة إسعاف، ويفتقر إلى أجهزة التصوير الشعاعي وأجهزة تخطيط القلب والتحليل المخبري والأمصال المضادة للأفاعي والعقارب، خاصةً وأن المنطقة معروفة بطبيعتها الصخرية، وقد أدى ارتفاع درجات الحرارة هذا العام إلى انتشار العقارب والأفاعي وتسببها بعشرات حالات الإصابة باللدغات بين الأهالي.
“يضطر الأهالي هنا إلى التوجه نحو مشافي بلدات الغارية، التي تبعد عشرات الكيلومترات عن المنطقة”، بحسب حسان، معتبرًا أن “الوقت الطويل اللازم للوصول إلى المشفى لأخذ المصل يعرض حياة المصاب للخطر”.
ورغم الدعم الذي قدمته الفصائل العسكرية بصيانتها لبناء المشفى وتوفير بعض الأدوية له، إلا أن غياب المشافي الميدانية والنقاط الطبية عن منطقة جغرافية واسعة كمنطقة اللجاة، يضع الحالات الإسعافية تحت رحمة المسافات الطويلة، التي يضطر الأهالي لقطعها بغية الوصول إلى المشفى.
نحن نضع علامة استفهام حول الدور الذي يؤديه مجلس محافظة درعا في تغطية حاجات ومتطلبات أهالي المنطقة، وتحقيق العدل في توفير الخدمات وتأمين الإغاثة والمشاريع التنموية بين اللجاة وباقي مدن وبلدات المحافظة
أين المنظمات الإغاثية؟
تعدّ محافظة درعا من المحافظات القليلة التي تشهد نشاطًا للمنظمات الإغاثية بحكم حدودها مع الأردن، إلا أن هذا النشاط كان غائبًا بالكامل عن اللجاة، فالمنطقة لم تدخلها أي مساعدات أو طرود غذائية، باستثناء تزويد أفرانها بمادة الطحين مطلع كانون الأول 2015، وذلك في حملة استمرت شهرًا واحدًا فقط، قامت خلالها مؤسسة “ماسة” بتوزيع عدد من الطرود الغذائية على عدد قليل جدًا من قرى اللجاة.
وتابع حسان “نحن نضع علامة استفهام حول الدور الذي يؤديه مجلس محافظة درعا في تغطية حاجات ومتطلبات أهالي المنطقة، وتحقيق العدل في توفير الخدمات وتأمين الإغاثة والمشاريع التنموية بين اللجاة وباقي مدن وبلدات المحافظة”.
أما المجالس المحلية فيقتصر عملها على تقديم الإحصائيات، والإشراف على استلام مادة الطحين وخبزها وإعادة توزيعها على الأهالي، فغياب الدعم عن هذه المجالس جعلها عاجزة عن تقديم أي نوع من الخدمات، كما تسبب غياب الهيئات الإغاثية والمؤسسات الداعمة عن المنطقة بغياب المشاريع الحيوية العاجلة في قطاعات المياه والصحة والتعليم بشكل كامل، الأمر الذي دفع بأبنائها للعمل بالإمكانيات الضعيفة المتوفرة بين أيديهم لتحقيق الكفاية وتأمين احتياجاتهم.
تهميش وتشويه إعلامي “متعمد”
الجغرافيا والتاريخ
|
“تصوّر اللجاة على أنها غابة وحوش يسودها قطاع الطرق واللصوص، إلا أن واقع المنطقة مغاير تمامًا”، بحسب حسان، الذي ينقل أسف كثير من أهالي المنطقة وسخطهم على التهميش والتشويه الإعلامي بحقهم وحق منطقتهم.
ويعتبر حسان أن أكبر إجحاف تعرضت له منطقة اللجاة كان في نيسان 2015، في معركة “الأفغان” الشهيرة (نسبة إلى الميليشيات الأفغانية التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد)، واستهدف الهجوم حينها عددًا من قرى اللجاة، أبرزها قرى الخوابي وبريقطة وبعض النقاط في مسيكة، “تعمدت جهات إعلامية نقل المعركة على أنها حصلت في بلدة بصر الحرير، بينما كانت أقوى الاشتباكات في منطقة اللجاة”.
وتم التصدي لقوات الأسد وميليشياتها، وقتل أكثر من 400 شخص في صفوفها، بحسب الفصائل العسكرية في اللجاة، كما قتل في المعركة أكثر من 50 شخصًا من أبناء المنطقة، وكان لإيقاف الهجوم الدور الأكبر في إيقاف النظام عن إكمال معركته، التي كانت تهدف في مرحلتها الثانية إلى التقدم باتجاه بلدة بصر الحرير.
التهميش الذي تتعرض له منطقة اللجاة يتجاوز كونه تهميشًا إعلاميًا فقط، فالمنطقة تعاني من انعدام شبه كامل لمقومات الحياة، وظروفًا إنسانية صعبة، عدا عن القصف المتواصل من قبل قوات الأسد، ما يجعل تسليط الضوء عليها ضرورة وأولويةً، بحسب ناشطي المنطقة، لعلّها تكون مقدمة لتوجّه أصحاب القرار نحو رفع المعاناة عن مكون مهم من محافظة درعا.