د. أكرم خولاني
يراجع بعض الأهالي عيادات الأطفال للاستفسار عن وضع قدم طفلهم الوليد، إذ يلاحظون أن شكلها غير طبيعي، ومع أن هناك الكثير من التشوهات الولادية التي قد تصيب القدم، كالقدم المسطحة والقدم الفحجاء وتقريب الأمشاط وغيرها، إلا أن أشيع هذه التشوهات هي القدم القفداء الروحاء.
ما هي القدم القفداء الروحاء
القدم القفداء الروحاء، أو حَنَفُ القدم، أو القدم الحنفاء، هي مصطلحات تطلق على تشوه خلقي يحصل على مستوى مفصل الكاحل والقدم، وتكون فيه القدم مائلة نحو الأسفل (قفد) وملتوية نحو الداخل (روح)، وقد تأخذ شكل مضرب الغولف.
يمكن للحالة أن تكون معتدلة أو شديدة، وفي بعض الحالات تبدو القدم وكأنها مقلوبة رأسًا على عقب، وقد تكون عضلة ربلة الساق (عضلات الساق الخلفية) ضامرة، وقد تكون القدم أصغر حجمًا من القدم الطبيعية.
وتكون كلتا القدمان مصابتين في ثلث الحالات، وهذا ما يعرف بالحالة الثنائية، كما يمكن أن تكون قدم واحدة مصابة، وهذا ما يعرف بالحالة الأحادية.
ويعتبر هذا التشوه شائعًا نسبيًا، إذ تبلغ نسبة حدوثه حالة واحدة لكل ألف ولادة، وهو يكثر بين الذكور مقارنة بالإناث، وتزداد نسبته إذا كانت هناك إصابات سابقة عند بعض أفراد العائلة.
لا تزال أسباب حدوث هذا التشوه غير معروفة، إلا أن هناك العديد من النظريات التي تحدثت عن الأسباب:
- هناك نظرية تقول إن السبب هو قلة السائل الأمينوسي ووضعية الجنين ضمن الرحم، ولكنها لا تعلل الحالات الشديدة من التشوه وضمور العضلات في الساق وصغر القدم.
- نظرية أخرى تقول إن السبب هو إصابة عصبية، لترافق تشوه القدم مع بعض الإصابات العصبية، كالشوك المشقوق والقيلة السحائية والتهاب النخاع السنجابي والتواء المفاصل العديد الولادي، ولكن في بعض الحالات لا تشاهد إصابة عصبية واضحة.
- نظرية ثالثة تعزي السبب إلى عوامل وراثية، لا سيما أن الذكور يصابون أكثر من الإناث، وتحدث إصابات عدة في أطفال الأسرة الواحدة، لكن لا يوجد حتى الآن إثبات على الانتقال الوراثي.
ويتجه البعض الباحثين إلى أن السبب يعود إلى درجة من عدم التوازن العضلي في أثناء تطور الجنين في الرحم.
كيف يتم التشخيص؟
يمكن رؤية القدم المشوهة قبل الولادة من خلال فحص الأمواج فوق الصوتية عند الحامل. والتشخيص غالبًا سهل عند الولادة بملاحظة ميلان القدمين، و بعض الحالات الخفيفة يمكن أن تمر ولا تكشف إلا متأخرة عند المشي.
ولكن لا يعتمد على منظر القدمين وحده، لأن قدمي الطفل الطبيعيتين تميلان لأخذ وضعية الانقلاب الخفيف نحو الداخل بعد الولادة، فإذا لوحظ تشوّه بشكل القدم يحاول الطبيب إصلاحه يدويًا، إذ يمكن في المولودين حديثًا يمكن قلب القدم نحو الخارج وعطفها الظهري حتى يلامس خنصر القدم القسم السفلي من الساق. فإذا تمكن الطبيب من إصلاح التشوه بسهولة فإن هذا التشوه وضعي، وهو يتحسن تلقائيًا بتمارين بسيطة خلال أسابيع معدودة.
أما إذا تعذر إصلاح التشوه يدويًا فهو تشوه حقيقي، ويستحسن إجراء التصوير الشعاعي للقدمين بالوضعية الأمامية الخلفية والوضعية الجانبية لإثباته.
ما هي طرق العلاج؟
هذا التشوه لا يشفى عفويًا دون علاج، والعلاج المبكر هام جدًا منذ الأيام الأولى للولادة، ويقوم به طبيب الجراحة العظمية، حيث يجري تقويمًا تدريجيًا للقدمين بواسطة الجبائر. والعلاج طويل لأشهر وأحيانًا لسنوات حسب درجة التشوه.
ويتضمن العلاج: تصحيح التشوه، والمحافظة على التصحيح، أما الحالات الشديدة قد تحتاج للجراحة.
تصحيح التشوه
تعد طريقة “بونسيتي” من أكثر خيارات العلاج شيوعًا، وهي تبدأ في أول أسبوعين من حياة الطفل، وتعتمد على شد القدم ومناورتها برفق نحو وضعية أكثر ملاءمة، ثم يتم وضع جبيرة بلاستيكية طويلة تمتد من أصابع القدم حتى الفخذ لتحافظ على الوضعية الجديدة للقدم. تترك الجبيرة لمدة 4 إلى 7 أيام، ثم يتم الشد والمناورة على القدم مرة أخرى، ثم توضع جبيرة أخرى، وتكرر عملية الشد والمناورة والتجبير من 5 الى 8 مرات.
تحتاج معظم الحالات إلى عملية بسيطة وجبيرة أخيرة حالما تصبح الأوتار والأربطة مشدودة بشكل يسمح لعظام القدم بالتحرك الى الوضعية الصحيحة، ففي معظم الأحيان، وقبل وضع الجبيرة الأخيرة، يتم قصّ وتر العَقِب (الوتر الواصل بين العقب وعضلة ربلة الساق).
تتم هذه العملية البسيطة تحت التخدير الموضعي، وعند إزالة الجبيرة الأخيرة، يكون وتر العقب قد شفي ونما من جديد بالطول المناسب. إلا أنه يجب الإبقاء على الجبيرة الأخيرة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، سواء أقطع وتر العقب أم لم يقطع.
منع النكس
بعد تصحيح التشوّه يجب المحافظة على الوضعية الصحيحة حتى توقف القدم عن النمو، ويتم ذلك بارتداء دعامة للحيلولة دون عودة القدم إلى وضعيتها الخاطئة.
ويتم ارتداء الدعامة لمدة 23 ساعة يوميًا بادئ الأمر، وبعد ذلك يتم ارتداؤها خلال ساعات القيلولة والنوم في الليل.
الجراحة: في حالات نادرة يتم اللجوء إلى الجراحة، وذلك عند فشل المعالجة المحافظة، أو النكس، أو القفد المؤلم.
وهي تجرى بعد الشهر الخامس من العمر، ويتم فيها تطويل الأوتار أو تثبيت المفاصل حسب ما يراه طبيب العظام مناسبًا.
ماذا لو لم يعالج هذا التشوه؟
القدم القفداء الروحاء لا تسبب أي ألم عادة، وإذا لم تتم معالجتها لا تعد مشكلة إلى أن يبدأ الطفل بالمشي، فتبقى ملتوية ما يؤدي إلى مصاعب في المشي، كما يستحيل ارتداء الأحذية العادية، ويستخدم الأطفال المصابون بهذا التشوه، والذين يتمكنون من المشي، الجزء الخارجي من القدم للمشي، وقد يؤدي ذلك إلى تقرحات في القدم وتسمكًا في أنسجتها وألمًا مزمنًا.