العدوى الاجتماعية

  • 2013/07/09
  • 9:36 ص

عنب بلدي – العدد 72 – الأحد 7-7-2013

مشى مسرعًا نحو الشجرة يتفيأ بظلها ريثما يأتي الباص فيصعد إليه، فهرول جميع الواقفين في (الكراج) إليه ظنًا منهم أنه حيث يقف سيركب أولهم في زحمة الانتظار، على الرغم من أنه يقف في المكان الخطأ حيث لا موقف رسمي للباص، متأثرين بما يسمى «العدوى الاجتماعية»، كمثال مصغّر عن فكرة المقال.
أشارت بعض الدراسات الاجتماعية إلى أن الأفراد يلجؤون إلى التقليد في كثير من سلوكياتهم، وهذا التقليد يكون إراديًا وشعوريًا، لكن حين يغدو غير إرادي وغير شعوري، يصبح المجتمع في حالة العدوى، ويتجلى ذلك في مظاهر عديدة لعل أبرزها ما يطلق عليه (موضة العصر)، حيث بإمكانك أن تلاحظ كيف يعمل مصممو الأزياء في الغرب على تصميم زي معين، يتناسب وذوق الجمهور الغربي، لكن بعد يومين أو ثلاثة ستجد شبابًا من «الشعب العربي» يلبس مما لا ينتج، على الرغم من كونهم غير مقتنعين به، وحين تسألهم عن سبب ذلك يكون الجواب إنه «البريستيج».
كما ويمكن ملاحظة العدوى في (ظاهرة الأبراج) التي سيطرت على تفكير العقول، إذ عندما تسأل الأشخاص الذين يتتبعون الأبراج بشغف هل تقتنعون بما تقوله الأبراج سيقولون غالبًا «لا»، إنما هي من قبيل «التحظيظ» والتسلية، لكن في حقيقة الأمر ونتيجة لكون فلان وفلان يسمعها، فإنك ستسمعها، إنها العدوى التي لا ترحم.

كذلك وتتجلى هذه العدوى بشكل واضح في (مناسبات الحياة)، فلكل مجتمع طريقته بالتعبير عن أفراحه وأحزانه، نتشابه  في الأساسيات، ونختلف في التفاصيل الأخرى البسيطة، لكن مع تطور الحياة وصعود الشكليات كمعيار نحكم من خلاله على العائلة وتطورها، أصبحت تتوقع كل تفصيلة ستظهر في المناسبات، فالجميع يقوم بنفس الشيء.
ولا يغيب عن ساحة العدوى (قصة التدخين)، إذ أن نسبة من  شباب الحي يدخنون  السجائر، ومنذ سنة أصبحوا يدخنون الأرجيلة، والكل يعلم أضرار التدخين والأرجيلة، ومع ذلك يدخنون، إنها من كماليات «بريستيج» العدوى.
وتكمن خطورة العدوى في «قيم الحياة المستعارة»، وهنا ربما يتملكك شعور بالأسى لكوننا أصبحنا كما يرى محمود درويش «لا نشبه أنفسنا»، فحياتنا غدت عبارة عن مجموعة من القيم المادية التي تكرّسها الفضائيات الملونة، بنسخ طبق الأصل للجميع، ومن هنا بدأت الحياة تفقد جماليتها.
إن المواقف الضاغطة والتي يرافقها شعور بالقلق من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انتشار العدوى، كذلك الشعور بالغيرة من الآخر، وغياب الخيار العقلاني في حياتنا، وانعدام الرغبة في التمييز، والخوف من نظرة المجتمع إلى الشخص الذي يحافظ على خصوصية تتوافق مع ذاته ورغباته، والنظرة إلى الآخر المتفوق على أن كل ما يصدر عنه هو النموذج الذي يجب أن يحتذى، وانصهار شخصية الفرد لصالح مجموعته، كذلك وسائل الإعلام نتيجة الميزات التي تملكها من صور وألوان وموسيقى كلها تؤثر في النفس، إنها كالمرض المعدي تنتقل من فرد لآخر، لكن بابتسامة، بنظرة، بتعليق بانتقاد، بكلمة، بتصرف ما، لتغدو مع استمرارية تطبيقها أمورًا أقل من اعتيادية.

تتجلّى خطورة العدوى عندما تحول المجتمع إلى بيت واحد، لا تنوع ولا جديد فيه، فبواسطة العدوى انتقلت إلينا كل أساليب الحياة البعيدة عن طرق تفكيرنا، إن النظرة السافرة التي كرستها المؤسسات السياسية في الوطن العربي، على أننا شعوب متخلفة، حوّلتنا إلى شعوب تنظر إلى ما ينتجه الغرب على أنه المناسب، إذ وجدنا في العدوى الملاذ الوحيد لنكون شعبًا متحضّرًا، فمشينا في طريقها وكرّسناها بصمتنا وسلوكنا وقبولنا لها.

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب