أمل حياتي، رسالة من معتقل لأبنائه
عنب بلدي – العدد 72 – الأحد 7-7-2013
نسجتُ النور من كفني لتوقد شعلة الوطن
خلعت الروح من بدني لتلبس أمتي الحلّة
نجيعي من ثرى بلدي وصبر الشعب من جسدي
قهرت فؤاد سجاني هجرت حروف عنواني
زرعت الأرض أطفالًا لتجني أمتي الغلّة
كلمات تنبض بحروف الشوق ابتدأ بها أحد المعتقلين رسالته إلى أولاده، وأرسلها لهم مع صديقه المفرج عنه قبلات ممزوجة بدموع التعب «آه من التعب ما أقساه»، بل وما أقسى الإنسان عندما يفعل بأخيه هكذا، فكيف لقلب ذاك السجان أن ينبض بالحياة، وقد حرم الحياة لألوف من البشر، وأمات قلوب ألوف آخرين من شوقهم.
ويتابع الأب رسالته قائلًا:
«سالم ابني البكر… سلّمك الله من كل مكروه، حققتُ رجولتي المقهورة فيك، بقدومك حلّت سنيّ الفرح على المنزل، ولم تفارق البسمة وجوهنا، فأرجوك كن بسمة أمك وإخوتك في غيابي.
وأنتِ يا سارة.. كنت أجمل بشرى سارّة في حياتنا، فمع قدومك قدم الخير الكثير، وزاد المورد المادي، وأصبح لدينا فائض ادخرناه لأيام أخرى دعونا الله ألا نشهدها، وها أنتم اليوم تشهدونها وأنا بعيد عنكم، فأرجوك ابقِ محملة بالبشريات الجميلة لأمك وإخوتك.
وأنت يا وائل… لم أشبع من رائحتك، لم أضمك كما ينبغي لكل أب، لم أكحّل نظري بك وأنت تحبو ثم تمشي وتملأ البيت بضحكاتك وشقاوتك، فأرجوك كن الطفل المدلل في البيت، واملأ أيام إخوتك حبورًا وفرحًا.
علّمتكم يا أحبتي الصبر وألا تخافوا في الحق لومة لائم، فأرجوكم اثبتوا على ذلك، إذ لا تغيب عن مخيلتي صوركم وأنتم تُحسنون صنعًا، تحترمون الكبير وتوقرونه، وتعطفون على الصغير وتداعبونه بخفّة دمكم، تُراكم كيف تستقبلون عناصر الأمن وهم يداهمون المنزل، وأنا الذي عهدتكم تحسنون استقبال الضيوف، تُراكم هل تسمحون لهم أن يدوسوا بأحذيتهم على سجاد اعتادت أمكم أن تبقيه نظيفًا، وهل تقدّمون لهم الورود مع ابتسامة تعلو شفاهكم، وأنتم تشدون على يد أمكم لتتقوّى بكم، وهل تزورون جديكم وتوقرونهما، وهل تحسنون صلة أرحامكم وعيادة مرضاكم؟..
وأنتِ يا أمي وصديقتي وزوجتي… يا أم كل كل أولادي..
أروي إلى الجلاد قصة حبنا فيجيبني السوط الرحيم بلا مفر
وأبثّ للجدران موجوعي فلا زنزانتي ردّت ولا سجني عذر
أنسج لكِ هذه الكلمات، ولا تزال ذاكرتي تزفّ لي في كل لحظة تلك الأيام التي قضيناها معًا، نشاطر بعضنا الألم والفرح والبرد والدفء، تلك الأيام التي من صباباتها سكرنا على أوثر الفرش، أقدّر لك كم بكيت من أجلي، أرجوك أن تسامحيني عن كل تقصير صدر من جانبي، أعدك أن أعوّض لك كل ما مضى، صدّقيني لم تغيبي عن خيالي منذ أول أيام التحقيق، كنتِ معي في الزنزانة وعلى المشبح وصورتك أمدّتني بالقوة في كل سوط ألهب ظهري، ورافقتني في سجني، وأكلي وشربي ونومي.
إليكم أمل حياتي يا من تجمّلونها بأبهى الألوان… وأعدكم أنني سأكون قوس قزح مستقبلكم الواعد..
والدكم الذي ينبض قلمي بحروف قلب أضناه فراقكم، في زنزانتي المقفرة من كل مقوّمات الحياة إلا من طيفكم وأصوات ضحكاتكم التي تداعب قشعريرة نسيم يجري في عروقي، فيُبقيني على قيد الحياة لأجلكم.»
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :