د. أكرم خولاني
هنالك العديد من أنواع فقر الدم الانحلالي المنتشرة بين الناس، ولعل أحد أشهر هذه الأنواع هو فقر الدم المنجلي، ولذلك فإننا سنعرف بهذا المرض وأسبابه وطرق علاجه.
ما هو فقر الدم المنجلي
هو مرض وراثي يصيب كريات الدم الحمراء فيغير شكلها من كروي دائري الى شكل الهلال أو المنجل (الذي يحصد به النبات وفي بعض المناطق يطلق عليه المحش)، ولهذا تسمى بالكريات المنجلية، تكون هذه الكريات هشة وضعيفة وقابلة للتحطم بسرعة، كما أنها تلتصق ببعضها البعض في الأوعية الدموية فتسد جريان الدم في الأوعية الصغيرة، ما يسبب الألم الشديد وقد يخرب العضو.
وفقر الدم المنجلي من أشهر أمراض الدم الوراثية الانحلالية التي تسبب تكسر كريات الدم الحمراء، وهو أكثرها شيوعًا على مستوى العالم بشكل عام، وفي دول حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا والهند بشكل خاص.
ما أسباب الإصابة بفقر الدم المنجلي؟
في فقر الدم المنجلي يكون الخضاب معيبًا فيتسبب بأن يكون للكرية الحمراء شكل المنجل، ويسمى هذا الخضاب الشاذ بالخضاب المنجلي، ويسمى كذلك بالخضاب S، هذا التغير بشكل كرية الدم الحمراء يفقدها مرونتها، فتصبح جامدة غير قادرة على تغيير شكلها لتمر من خلال الشعيرات الدموية الضيقة، ما يؤدي إلى انسداد الأوعية ونقص الأوكسجين، كما أن هذه الخلايا تصبح هشة تتدمر بسرعة، وعلى الرغم من أن نخاع العظم يحاول التعويض من خلال إنتاج كريات دم حمراء جديدة، إلا أنه لا يتناسب مع معدل الدمار (كريات الدم الحمراء الصحيحة تعيش عادة 90-120 يومًا، أما الخلايا المنجلية فتعيش فقط 10-20 أيام)، ويتسبب انحلال الدم هذا بحدوث فقر الدم.
يحدث الشذوذ في تصنيع الخضاب نتيجة طفرة جينية، وتنتقل هذه الطفرة وراثيًا، فعندما يرث الشخص نسختين من المورثة غير الطبيعية، واحدة من كل من الوالدين، فإنه يصاب بفقر الدم المنجلي، وعندما يرث نسخة غير طبيعية واحدة فإنه لا يعاني من أعراض، ويقال إنه حامل أو ناقل “سمة المنجلي”.
ما أعراض المرض؟
عند الولادة يظهر الطفل سليمًا، ولكن عند بلوغه الشهر الرابع من العمر تقريبًا يبدأ ظهور علامات المرض والتي في العادة تكون مصحوبة بانخفاض بنسبة الخضاب مع شحوب في البشرة وانتفاخ في اليدين والقدمين وبكاء ناتج عن آلام مبرحة في العظام.
وقد تختلف أعراض فقر الدم المنجلي من شخص لآخر، فقد يكون لدى البعض أعراض خفيفة، بينما يكون لدى آخرين أعراض شديدة جدًا، وتشمل هذه الأعراض أعراض فقر الدم العامة (تعب وإعياء، ضعف شديد، دوخة، صداع، شحوب، برودة في الأطراف، خفقان، تأخر نمو)، ويكون لدى الكثير من المصابين ألم مزمن يصيب عادة العظام، قد يستمر الألم المزمن لأسابيع أو أشهر، وقد يكون من الصعب تحمله، ويمكن أن يجعل القيام بالنشاطات اليومية أمرًا صعبًا، كما يعاني المصابون من نوبة ألم متكررة وهو ما يسمى “نوبة التمنجل”.
ما المقصود بـ “نوبة التمنجل” وما أسبابها؟
مصطلح يستخدم لوصف العديد من الحالات الحادة التي تحدث لدى مرضى فقر الدم المنجلي نتيجة انسداد الأوعية الدموية، أو تراكد الدم في الطحال، أو انحلال الدم الشديد، وغيرها.
فقد تسد الأوعية الدموية مسببة آلامًا مفاجئة مبرحة في أجزاء مختلفة من الجسم، خاصة في العظام (عظام الأطرف والظهر) وفي الرئتين (أزمة الصدر الحادة)، وقد يحدث الانسداد في أي مكان آخر كالقلب أو البطن أو الكبد أو الكلى أو العينين أو القضيب (مسببًا انتصابًا مستمرًا ومؤلمًا) أو حتى في المخ، فتحدث مضاعفات خطيرة إضافة إلى الآلام المبرحة.
وأزمة الصدر الحادة أو المتلازمة الصدرية الحادة هي مشكلة صحية مهددة للحياة، وهي تتسبب بألم صدري وضيق النفس وحمى. تحدث المتلازمة بسبب عدوى أو بسبب احتجاز الكريات المنجلية في الرئتين، وإن تضرر الأوعية الصغيرة في الرئتين يجعل من العسير على القلب أن يضخ دمًا عبر الرئتين، وهذا يتسبب بارتفاع ضغط الدم في الرئوي.
أما الطحال فهو مقبرة كريات الدم التالفة، لكن في فقر الدم المنجلي ونتيجة الضغط المكثف في عمله والاحتشاءات المتكررة التي تصيبه فعادة ما تموت أنسجته قبل نهاية مرحلة الطفولة، هذا الضرر بالطحال يزيد من خطر العدوى من بعض أنواع الجراثيم، لذلك ينصح بالمضادات الحيوية الوقائية والتطعيمات لأولئك الذين يفتقرون إلى وظيفة الطحال المناسبة. وقد تحدث نوبة الطحال نتيجة حدوث توسعات مؤلمة حادة في الطحال، والناجمة عن احتباس كريات الدم الحمراء داخل الطحال ما يؤدي إلى انخفاض حاد في مستويات الخضاب مع احتمال نقص حاد في حجم الدم. تعتبر هذه الأزمة حالة طارئة، وإذا لم تعالج فقد يموت المريض في غضون 1-2 ساعة بسبب فشل في الدورة الدموية، إلا أن هذه الأزمات هي عابرة، تستمر لمدة 3-4 ساعات، ويمكن أن تستمر ليوم واحد.
وأما أزمات الدم الانحلالي فهي نزول متسارع حاد في مستوى الخضاب، حيث تتكسر خلايا الدم الحمراء بمعدل أسرع.
وهناك عدة عوامل تؤدي إلى حدوث نوبات التمنجل، منها: ارتفاع درجة حرارة الجسم، الجفاف (قلة سوائل الجسم) نتيجة الاستفراغ أو الإسهال المتكرر أو التعرق، قلة الأوكسجين في الدم، الالتهابات الجرثومية.
كيف تشخص الإصابة بفقر الدم المنجلي؟
عند وجود قصة عائلية وأعراض موجهة يتم اللجوء إلى الفحوص المخبرية:
- تعداد الدم الكامل يكشف مستويات منخفضة للخضاب مع ارتفاع عدد الخلايا الشبكية.
- فيلم الدم تحت المجهر يظهر الكريات المنجلية.
ويتم تأكيد التشخيص والكشف عن الحاملين عن طريق إجراء رحلان كهربائي للخضاب والذي يكشف الأنواع غير الطبيعية للخضاب.
هل من علاج لهذا المرض؟
العلاج الشافي الوحيد المعروف حاليًا يكمن في زراعة نخاع العظام، وذلك بنقل نخاع العظم من إنسان طبيعي (عادة شقيق أو شقيقة المريض) إلى المريض بعد القضاء على نخاع المريض، وهي عملية ذات خطورة عالية، باهظة التكاليف، متوفرة فقط في بعض المراكز، ولا تتّبع إلا إذا كانت حالة المريض خطيرة جدًا.
ويشمل العلاج الروتيني عددًا من التدابير للسيطرة على الأعراض المرافقة له وتقليل عدد النوبات، ويحتاج المصاب إلى العلاج الدائم بغض النظر عن تعرضه للنوبات، وأهم هذه التدابير:
نقل الدم، إعطاء السوائل الوريدية والفموية، حمض الفوليك، مسكنات الألم، الأوكسجين الذي يحسن التنفس ويقلل الألم، المضادات الحيوية للحد من العدوى، العقاقير الدوائية لخفض مستوى الحديد المفرط المرافق لنقل الدم المتكرر.
وقد يعالج فقر الدم المنجلي الشديد بدواء اسمه الهيدروكسي يوريا، وهو يساعد الجسم على صنع نوع من الخضاب يمنع كريات الدم الحمراء من أن تصبح كريات منجلية.
هل من إجراءات تقي من تكرر نوبات التمنجل؟
هناك أدوية معينة يجب أخذها بشكل منتظم ودقيق وعدم التوقف عن ذلك مهما كانت الأسباب، وهي المضاد الحيوي (بنسلين مثلاً) بجرعة يومية حتى يصل عمر المصاب إلى أكثر من 6-7 سنوات، ودواء الفوليك أسيد وذلك حبة يوميًا باستمرار وذلك لتعويض الانحلال المستمر لكرات الدم الحمراء .
يجب إعطاء الطفل المصاب بهذا المرض لقاحات أخرى إضافية غير اللقاحات المعتادة، مثل لقاح ضد الالتهاب الرئوي، ولقاح ضد جرثومة الإنفلونزا، ولقاح ضد التهاب السحايا.
يجب الاهتمام بتدفئة الجسم بشكل مستمر وخاصة أطراف الجسم ( اليدين والساقين).
يجب عدم لبس ملابس ضيقة قد تضغط على الأوعية الدموية الدقيقة ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات (تحول الخلايا الحمراء إلى الشكل المنجلي).
تجنب تسلق الجبال العالية أو ركوب الطائرات غير مكيفة الضغط حيث إن نسبة الأوكسجين قليلة، ما قد يسبب الآلام في العظام وغيرها من الجسم.