مقتل عبدالله تيسير العيسى.. جريمة تشاركية لعدوّين في سوريا

  • 2016/07/23
  • 8:24 م
لافتة وضعت في حي وادي الذهب في مدينة حمص (فيس بوك)

لافتة وضعت في حي وادي الذهب في مدينة حمص (فيس بوك)

منصور العمري

بغض النظر عن الخطاب العنيف والاتهامات الفجة المتبادلة والنقد الهدام أحيانًا في وسائل التواصل الاجتماعي، ومن بعض الصحفيين العرب تجاه بعضهم الآخر، بما يتعلق بحادثة مقتل عبدالله تيسير العيسى الذي جنّدته مؤسسات دولة الأسد وذبحه مقاتلون ينتمون إلى جماعة مسلحة غير حكومية. وبمعزل عن استخدام هذه الحادثة في إطار الحرب الإعلامية، حتى في الإعلام الدولي كـ “بي بي سي” وغيرها بنشر معلومات خاطئة عمدًا أو تسرّعًا دون التحقق من تفاصيل الحادثة، والاعتماد على “صحافة النسخ واللصق” في انتهاك لأبسط القواعد الأخلاقية الصحفية في التحقق من المعلومة قبل نشرها. تُعتبر هذه الحادثة مثالًا نموذجيًا لتواطؤ عدة أطراف للنزاع في سوريا في جريمة واحدة.

أظهر فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي رجالًا من “حركة نورالدين زنكي” التي تقاتل مع المعارضة في سوريا، يمسكون بمن قالوا إنه طفل أسير من مقاتلي “لواء القدس”، وهي مجموعة مسلحة تقاتل لصالح النظام السوري، إثر محاولة النظام التقدم العسكري في منطقة حندرات بحلب. ليقتلوه ذبحًا فيما بعد، حسبما ظهر في فيديو آخر انتشر في اليوم ذاته، وكانوا يهللون ويتحادثون وكأنهم في حفلة شواء، بما لا يختلف عن ممارسات مقاتلين في قوات النظام السوري أو داعش التي انتشرت عبر مئات أو آلاف مقاطع الفيديو.

لفهم نظرة القانون الدولي لهذه الحادثة، لابد من النظر إلى السياق والملابسات المحيطة بها اعتمادًا على التفاصيل والمعلومات المتوفرة عنها. فحسب القانون الدولي لا يعتبر الصراع في سوريا نزاعًا مسلحًا دوليًا (حربًا دولية)، أي أنه لم تعلن دولة عضو في الأمم المتحدة الحرب على دولة عضو أخرى (كأن تعلن السعودية مثلًا الحرب وتشرع بالعمليات العسكرية ضد الحكومة السورية التي لاتزال تمثل الدولة السورية في الأمم المتحدة). أو الحرب بين دولة ومجموعة عسكرية (ميليشيا) تستضيفها دولة أخرى (كأن تعلن الحكومة السورية الحرب على ميليشا “بي كي كي” في تركيا وتبدأ عملياتها العسكرية). بالتالي لا يزال الصراع في سوريا نزاعًا مسلحًا غير دولي، ولا وجود لوضع قانوني للمقاتلين ضمن إطاره (صفة قانونية كأسير الحرب في النزاعات المسلحة الدولية)، ولا ينطبق وضع أسير الحرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة (بشأن معاملة أسرى الحرب).

تعرف المادة الرابعة من “اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب” لعام 1949، “أسير الحرب” على أنه الشخص الذي يقع في قبضة عدوه وينتمي إلى “أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءًا من هذه القوات المسلحة”.

حسب التوصيف اللغوي والنظرة الشائعة، كان العيسى أسيرًا في حرب دائرة، إلا أن عبارة “أسير حرب” المستخدمة في الاقتباس السابق لا تنطبق في هذه الحالة حسب اتفاقية جنيف الثالثة. فالعيسى ليس أسير حرب بل محتجز يتمتع بحقوق المعاملة وظروف الاحتجاز والمحاكمة وفقًا للإجراءات القانونية الواجبة، بموجب القانون الدولي الإنساني للنزاعات المسلحة غير الدولية، والبروتوكول الثاني الإضافي لاتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، والقانون الدولي الإنساني العرفي، بالإضافة إلى القانون الوطني وقانون حقوق الإنسان، وهي القوانين المطبقة في حالته لا قانون أسرى الحرب.

اعتمادًا على اختيار القوانين المنطبقة أعلاه تنطوي حادثة قتل العيسى على عدة جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان، تعرض هنا حسب التسلسل الزمني لارتكابها وتشمل:

الانتهاك الأول

تجنيد طفل محتمل: كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة هو طفل حسب المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل.

والد عبد الله تيسير العيسى كما ورد في “فيس بوك”

بموجب القانون الدولي الإنساني وطبقًا للمعاهدات والأعراف المتعلقة يُحظر تجنيد واستخدام الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنودًا، حيث تعرفه المحكمة الجنائية الدولية بوصفه جريمة حرب. أما قانون حقوق الإنسان فينص على أن سن الثامنة عشرة هو الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال بواسطة الأمين العام في قائمة العار التي يصدرها سنويًا. رفع “البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة” السن الأدنى للتجنيد الإجباري في القوات المسلحة إلى 18 سنة، والذي تعتبر سوريًا طرفًا فيه.

رغم أن ما يفصل بين اعتبار العيسى طفلًا أو راشدًا هو يوم أو ساعة قبل بلوغه الثامنة عشرة، وانتقال وضعه من طفل إلى راشد بحسب القوانين الدولية والوطنية، إلا أن التفاصيل المتوافرة تشير إلى أن العيسى قد جُند أو حُضر للقتال قبل اتمامه الثامنة عشرة من العمر. فصورة الهوية التي نسبت إليه تبين أنه مجند تابع للمخابرات الجوية التابعة بدورها لوزارة الدفاع السوري، وتشير إلى أنه من مواليد 1997 مؤرخة بعام 2015، أي في ذات العام الذي بلغ فيه الثامنة عشرة.

يساهم في هذه الدلائل صورة نشرت على أنها لوالد العيسى وأخيه الأصغر الذي يرتدي أيضًا بنطالًا عسكريًا، يشير إلى تحضيره للقتال أو مشاركته بالفعل. تقع هنا المسؤولية الأخلاقية والجنائية أيضًا على عاتق والدهما الذي دفع بهما إلى أتون الحرب الدائرة بما يخالف مسؤولياته الأبوية، وقوانين الدولة السورية التي تمنع تجنيد الأطفال دون سن الثامنة العشرة. ربما شاركت رغبة الأب في ضمان بقائه وبقاء أسرته ومجتمعه في هذه الانتهاكات، في ظل سياقات يطغى عليها الفقر المدقع ربما والحرب العنيفة الدائرة أو الظلم حسب ما قد يراه. لكن لا شيء من هذا يبرر دفعه لولديه إلى القتال.

هوية عسكرية لـ عبد الله تيسير العيسى كما وردت عبر مواقع التواصل الاجتماعي

الانتهاك الثاني

تنصّ القوانين المنطبقة في حالة العيسى، على حقه في المعاملة الإنسانية وغير المهينة وتقديم الرعاية والعناية الطبية دون إبطاء، بعكس ما فعله مقاتلو “نور الدين زنكي” حين انتهكوا كرامته الشخصية، حسبما رأينا في مقطع الفيديو حين أمسكه أحد المقاتلين من شعره وضربه آخر على وجهه، وأساؤوا إليه لفظًا واصفينه بـ”الكلب”. ولا يمكن التأكد إن تم تقديم العناية الطبية له أم لا.

الانتهاك الثالث

وهو يرقى إلى جريمة حرب، حين قتل العيسى بلا محاكمة قانونية، (لا يدل الفاصل الزمني بين الاحتجاز والقتل على أن العيسى خضع لمحاكمة، بالإضافة إلى ظهوره محتجزًا ثم ذبحه في السيارة ذاتها) في انتهاك لحق المحتجزين بالمحاكمة وفقًا للإجراءات القانونية الواجبة.

الانتهاك الرابع

بالإضافة إلى طريقة القتل البشعة (التي لم ترق إلى تعبير “إعدام” لعدم وجود محاكمة) حيث ذُبح العيسى بسكين، والمشابهة لتلك التي تستخدمها السعودية في الإعدام بقطع الرأس بالسيف، أو الإعدام بالكرسي الكهربائي الذي يستخدم في الولايات المتحدة الأمريكية، أو الشنق في كثير من الدول.

تنطوي هذه الطريقة للقتل/الإعدام، على تعذيب للضحية بما ينتهك اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص على أن التعذيب هو أي عمل “ينتج عنه ألم أو عذاب شديد”.

الانتهاك الخامس

حسب البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يرى أن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، يعتبر حكم الإعدام انتهاكًا للحق في الحياة المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. صادق على هذا البروتوكول 140 دولة وألغت حكم الإعدام من قوانينها الوطنية. لا يعتبر الإعدام انتهاكًا حسب القوانين المطبقة إلا بالنسبة للدول التي صادقت على البروتوكول الثاني.

المسؤوليات

يتحمل المسؤولية الأخلاقية لهذه الانتهاكات أيضًا الدول الداعمة لمرتكبيها، يقع على عاتق المنظمات الإنسانية الدولية أيضًا بالمشاركة مع الجماعات المدنية المحلية المختصة مسؤولية المزيد من التوعية والوصول إلى أطراف هذا النزاع وداعميهم، وتقديم الاستشارة القانونية والتسهيلات الممكنة لهم لتطبيق القوانين الإنسانية والحد من الانتهاكات والجرائم، بما فيه توضيح طرق المحاكمة العادلة وإجراءاتها حسب ما هو متاح. كما أنه على المنظمات الدولية التي تتبنى متابعة الانتهاكات في سوريا وتصديها لانتهاكات حقوق الإنسان، النزول من برج لغتها العاجي وتقديم تقاريرها وشروحاتها بلغة عربية أولًا ودقيقة ثانيًا، كي تكون متاحة للمهتمين وتضاف للمحتوى العربي الفاقد عمومًا لهذه الثقافة.

أعلنت “حركة نور الدين زنكي” أن مقتل العيسى كان عملًا فرديًا وأنها على استعداد لمحاسبة الفاعلين، إلا أن هذا الإعلان لا يعدو كونه حبرًا على ورق ما لم يُتبع بالتنفيذ والالتزام الحقيقي. أما النظام السوري وهو الشريك الآخر في هذه الحادثة فلا يتوقع منه حسب تاريخه الأسود المثقل بمختلف أنواع الجرائم، أي خطوة حقيقية للالتزام بالوقف عن جرائمه، طالما بقي يحظى بدعم من دول كروسيا وإيران لا تراعي أدنى حقوق الإنسان على أرضيها.

بغض النظر عما يعتبره البعض أو ربما الكثير أنه كلامًا نظريًا بلا أرضية ملائمة للتطبيق، أو دعوة لأفعال مثالية فيما يخص بعض أحكام هذه الانتهاكات، وخاصة في ظروف حرب طاحنة والظروف الآنية للحادثة، لا يمكن اعتبار هذه التصرفات إلا انتهاكات محظورة وجرائم بنظر القوانين الدولية والإنسانية والشرائع والأديان، وخاصة الدين الإسلامي الحنيف في هذه الحالة. وتشير إلى مدى وعي أو أخلاقيات المقاتلين والجماعات التي ينتمون إليها.  فمن يرتكب جرائم مماثلة لجرائم نظامي الأسد وداعش أو يدعمها، الأولى به الانضمام إليهما، لا القتال أو التحدث باسم ثورة الكرامة والإنسانية في سوريا التي بدأت في مارس/آذار 2011.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي