انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة في الغوطة الشرقية

  • 2016/07/24
  • 12:04 ص

أكسسوارات أجهزة موبايل ضمن محل تجاري في الغوطة الشرقية (عنب بلدي)

واقع الاتصالات في المناطق المحاصرة يختلف كثيرًا عن بقية مناطق سوريا، وخاصة الحدودية، سواء شمال أو جنوب سوريا. ففي الغوطة الشرقية لدمشق يمكن أن تنفق راتب شهر كامل (30 ألف ليرة)، وهو متوسط الأجور في سوريا حاليًا، وربما أكثر، لتستخدم 1 ميغا إنترنت فقط، حيث ساهم الحصار المطبق الذي تنفذه قوات النظام في منع وسائل التواصل وخلق وضعًا جعل تواصل السكان المحاصرين مع العالم الخارجي صعبًا للغاية. لكن السكان وجدوا بالأدوات البدائية سبيلًا للتواصل مع أقرانهم خارج مساحة الـ110 كم، وهي مساحة غوطة دمشق.

هنا تحضر الطناجر، والصحون والكابلات البدائية، و”البثاثات” (جمع لأداة تبث الإشارة)، ويغيب الخبراء والمهندسون المتخصصون ومعهم المشاريع النوعية، التي دأب العالم على اعتمادها، لكن للحرب وظروف الصراع كلام آخر.

مهند النعسان، فني صيانة إلكترونيات، يعتبر الاتصالات بأهمية “الأكل والشرب”، ومن دونها لا يمكن أن يؤمّن قوت عياله. اضطر، كما يقول لعنب بلدي، إلى إيجاد بدائل عن الإنترنت الذي قطعه النظام السوري، فبحث أولًا عن مواد تنقل الإشارة من أماكن مرتفعة في الغوطة المحاصرة إلى الشوارع والأحياء في الأسفل، وجلب مقويات إشارة وركبها على صحون وطناجر توضع على الأسطحة، فنقلت هذه المقويات واللواقط والناقلات المثبتة على الصحون الإشارة من أماكن وجودها في الأبراج تحت سيطرة النظام بدمشق التي تبعد نحو 20 كم، إلى داخل المناطق المحاصرة ووضعها بالاستخدام المحلي، وبالتالي وفر الإنترنت بجودة متوسطة تفي بالغرض عند الحد الأدنى على حد قوله.

ويعزو النعسان سبب لجوئه إلى هذه الطريقة “المتعبة والمجهدة” إلى انقطاع البدائل وغياب جهود الحكومة السورية المؤقتة.

لكن وزير الاتصالات في الحكومة المؤقتة، ياسين النجار، أكد لعنب بلدي أن الوزارة سعت خلال الفترة الماضية إلى وضع مخططات وعملت على تنفيذ مشاريع توصل الاتصالات إلى السكان في المناطق المحاصرة، لكن ضعف التمويل وقطع الدعم لم يمكنها من الاستمرار.

كابل كهربائي ومعدات اتصالات في مدينة دوما (عنب بلدي)

في حين يرى أكثر من بائع، التقتهم عنب بلدي، أن أكبر مشكلة تواجه قطاع الاتصالات في الغوطة وعموم المناطق المحررة بريف دمشق هي عدم وجود قطع الصيانة اللازمة، وعدم ضمانة جودة الأجهزة التي تورد عبر التجار، إذ لا يوجد مفهوم “خدمة ما بعد البيع”، فضلًا عن تزايد الأسعار على مؤشر الليرة والدولار.

أيام بلا اتصالات.. تحت رحمة النظام

الطريقة التي يصل فيها الإنترنت ومعدات التواصل، سواء للأغراض الشخصية أو الأعمال إلى الغوطة، “شبه خيالية”، وعندما تتحسن الشبكات يلجأ النظام من دمشق إلى إضعاف البث، فيبقى السكان أيامًا عديدة بلا اتصال، كما يقول علي اللحام، بائع أجهزة اتصالات ومزودات إنترنت.

ويضيف “هناك بديل عن الخدمات التي نأخذها من جهة النظام، يعتمدها الإعلاميون والهيئات الإغاثية، وهي الإنترنت الفضائي عبر الأقمار الصناعية، لكن المواطن العادي غير قادر على استخدامها، وهناك من اشترى هذه الأجهزة وأصبح مقصدًا لمواطنين عاديين يستخدمون الإنترنت بعد أن حوله إلى باب للاستثمار وفرصة للعيش”.

محمد الصلاحي، تاجر أجهزة اتصالات وتوابعها، يؤكد أن الأسعار دائمًا ترتفع أضعافًا في الغوطة بعد أن يتم إدخال الأجهزة عبر المهربين أحيانًا، و”أزلام” النظام أحيانًا أخرى، واصفًا حالة الإقبال على شراء تجهيزات الاتصالات في عموم الغوطة بالضعيفة بسبب الحالة المادية المزرية للسكان.

أبراج التغطية والمقاسم.. هياكل وكتل إسمنتية لا قيمة لها

أنهى النظام السوري آمال أهالي الغوطة الشرقية بإمكانية الاستفادة من المقاسم الهاتفية وأبراج البث المثبتة في البلدات والمدن، عبر قطع الإشارات عنها من مركز العاصمة دمشق، فأصبحت هذه الكتل الحيوية بلا فائدة، ثم جاء الطيران في مرحلة لاحقة ليدمرها بالكامل.

ورغم ذلك حاول المهندسون والمواطنون الاستفادة من شبكة الكابلات في الغوطة، وحاولوا جلب مقاسم صغيرة لربط المرافق العامة بين بعضها داخل المدن، ولتشمل الخدمات المرافق الضرورية فقط، مثل الشرطة والقضاء والمجالس المحلية.

المهندس موفق حجازي، من قسم الطاقات البديلة والاتصالات في المجلس المحلي لمدينة دوما، يقول لعنب بلدي “لا غنى لنا عن الاتصالات السلكية، فهي توفر علينا الكثير من التنقلات والوقود والتكاليف وغيرها”.

ويرى حجازي، أنّ هناك إمكانية لتحسين الوضع الحالي، لأن “الحاجة أم الاختراع”، حيث تمت الاستعاضة عن اتصالات حكومة النظام بحلول “بدائية” و”قاصرة”، تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات، فمثلًا “تم توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لشحن المقاسم من المولدات، وركبت عنفات طاقة شمسية على بعض السواقي في الغوطة، كما ونسعى لزيادة عدد المقاسم الصغيرة لتخديم المرافق العامة، ولتعزيز التواصل أكثر بين المواطنين”.

“بصراحة لدينا دراسات للمجلس المحلي حول حاجة مدينة دوما للاتصالات والكهرباء، الآن لا يوجد في الغوطة مقاسم كبيرة تخدم آلاف الخطوط، ونحاول تأمينها وفي حال تأمنت سنكون قد حققنا خطوات كبيرة”.

 

لاقط إشارات اتصالات مصنع محليًا في الغوطة الشرقية (عنب بلدي)

تجارة الأنفاق

أما الموظف سالم حبوش، فيقول “أحتاج لوسائل اتصال في الغوطة للتواصل مع الأهل والأصدقاء والعالم الخارجي، لكن النظام قطع عنا هذه الخدمة من أكثر من أربع سنوات وتم استهداف مركز البريد والأبراج بالغارات وتم تدميرها بشكل كامل”.

وقد كان لوجود الأنفاق، التي تربط الغوطة الشرقية بالعالم المحيط، دور في كسر هذا الحصار، حيث تم إدخال بعض المعدات التقنية لسحب إشارات الإنترنت والهاتف النقال من مناطق النظام، فتوفرت في الأسواق مقويات الإشارة وأجهزة الإنترنت الفضائي، لكن استعمال الأخير اقتصر على المؤسسات والمراسلين لوكالات الأنباء العالمية بسبب الرسوم الباهظة.

ويبلغ سعر مقويات الشبكة التي تدخل عبر الأنفاق إلى بلدات الغوطة بين 400 إلى 500 دولار، ويمكن أن يصل سعر خط السيرف مع المودم (سيريتل أو MTN) إلى 500 دولار، علمًا أن سعره في دمشق لا يتجاوز 500 ليرة، وعادة ما يتضاعف سعر أي منتج، سواء هاتف نقال أو جهاز حاسوب، بمجرد عرضه للبيع في الغوطة الشرقية، فجهاز الموبايل الذي يبلغ سعره 400 دولار في دمشق يقفز حين يصل للغوطة إلى 600 دولار، أما جهاز الإنترنت الفضائي فيصل سعره حاليًا إلى 1500 دولار، وذلك حسب الناقل والشاحن، علمًا أن سعره وصل في بعض الأحيان إلى تسعة آلاف دولار.

وكنتيجة لهذا الواقع وفي مسعى من الأهالي وبعض المهتمين لتوفير الاتصالات في الغوطة، افتتحت في الآونة الأخيرة بعض مقاهي الإنترنت “الشعبية”، لكنها لا تلبي الغرض بسبب بطء الإنترنت وكثافة في عدد المستخدمين.

تابع قراءة ملف: سوريا “خارج التغطية”

انقطاع الاتصالات في مناطق المعارضة وبداية رحلة البحث عن بدائل

تقهقر المعارضة يقوّض خطط وزارة الاتصالات وينهي أهم مشاريعها

كيف يتم تزويد حلب وريفها بالإنترنت عبر “هوا نت”؟

أسواق إدلب الحرّة المورّد الأول للاتصالات ومعداتها في شمال سوريا

أهالي ريف حمص الشمالي يبتكرون تقنيات اتصالية لكسر الحصار

الاتصالات في حي الوعر الحمصي.. صعوبة في التواصل وغلاء في الأسعار

شلل الأبراج الخلوية في درعا واللصوص يسرقون كابلات الهاتف

شبكات الخلوي الإسرائيلية تغطي جنوب سوريا.. كيف تدخل؟

الحسكة.. ضرائب عالية وخدمة حكومية سيئة بسبب “الفلتان الأمني”

انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة

حكومة النظام ترفع أسعار الاتصالات على جرعات تحت ضغط شركات الخلوي

بسبب ضخامتها.. توقف عداد خسائر قطاع الاتصالات السوري

وزير الاتصالات السابق: رفضتنا الفصائل العسكرية لأسباب نفسية

لقراءة الملف كلاملًا: سوريا خارج التغطية.. النظام يدمّر قطاع الاتصالات في المناطق المحررة

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات