تعرضت البنية التحتية في قطاع الاتصالات وما تحويه، من مقاسم وتحويلات وكابلات وعلب وأبراج تغطية هوائية، لدمار شبه كامل في درعا، إثر خروج معظم مدنها وبلداتها عن سيطرة النظام، إذ أصبحت الاستفادة منها أمرًا مستحيلًا، لكن وجود هذه المدن بالقرب من الشريط الحدودي بين سوريا والأردن خفف من وقع الكارثة، وجعل التواصل بين الناس ممكنًا “لكن بصعوبة بالغة” لم يعتدها المواطنون من قبل.
ففي محافظة درعا، التي يتقاسم كل من النظام والمعارضة السيطرة عليها، دمرت معظم مراكز الهاتف، ,أصبح 60% من علب الهاتف في الحارات والأزقة داخل البلدات غير صالح للعمل بسبب القذائف والبراميل المتفجرة.
أما بالنسبة للتمديدات الأرضية والشبكات المغذية، وهي الكابلات النحاسية الواصلة بين مراكز الهاتف الرئيسية وبيوت المشتركين، والكابلات الضوئية التي تربط بين المقاسم الرئيسية والعقدة الرئيسية في مركز المحافظة، فقد سرقت مادة النحاس منها بالكامل، وتضررت بشدة جراء أعمال القتال.
ويصف معتصم الجروان، مهندس اتصالات وموظف في مديرية اتصالات درعا سابقًا، أداء أبرج التغطية الخلوية التابعة للمشغلين الرئيسيين في سوريا بأنه “ضعيف” بسبب غياب الكهرباء، ورغم أن 60% من هذه الأبراج قيد الخدمة، كونها تتبع لشركات خاصة استثمرتها وعملت على صيانتها بشكل دوري، يرى المهندس أن انقطاع الكهرباء وعدم توفر طاقة بديلة مثل الديزل وغيرها في المناطق المحررة يجعل الاستفادة منها محدودًا.
ويؤكد الجروان أن ترميم المؤسسات الخاصة ومديريات ومراكز الاتصالات في المحافظة “صعب” خلال هذه الفترة، لأن 80% منها يحتاج إلى صيانة كاملة، و20% منها يحتاج إلى صيانة جزئية، وذلك بسبب الدمار الناجم عن القصف المباشر.
ويسوق الجروان مثالًا حول إصلاح مركز هاتف معطّل يحتاج إلى صيانة بالقول “يحتاج المركز إلى مقسم، والمقسم يحتاج خبراء لتركيبه، هذا إن توفر، فسعره مرتفع جدًا، ويجب على المقسم أن يرتبط بغرفة تجربة، وهذه الغرفة تحتاج إلى تجهيزات خاصة تربطه بوحدة الاتصال الضوئي ليرتبط بالأقسام الأخرى، وهذا غير ممكن الآن”.
أقسام ومراكز الهاتف في عموم درعا التي تسيطر عليها المعارضة تعرضت للدمار وخرجت عن الخدمة، وحرم المواطنون في تلك المنطقة من الاعتماد على الاتصالات السورية من أجل التواصل، وأبرزها بريد درعا البلد، حيث تجولت عنب بلدي بداخله وبدت واضحة آثار المعارك والحرائق التي نشبت داخله خلال عملية السيطرة عليه من قبل المعارضة.
لكن المواطنين بدؤوا بالبحث عن بدائل، وكان من حسن حظ من تبقى منهم في مناطق سيطرة المعارضة بدرعا، قربه من الحدود الأردنية، حيث تصل تغطية الشبكات الأردنية، بعدما فشلت الجهات الممثلة للمعارضة في إطلاق أي مشروع في المنطقة الجنوبية، سواء في درعا أو القنيطرة، قد يسهل تواصل السكان ويخفف من عبء التكاليف عليهم، بسبب عدم التماس المرونة من الجانب الأردني، “مثل الإخوة الأتراك”، وفق أحمد البوشي، مدير مشروع “هوانت”.
إنترنت أردني لا يفي بالغرض
لجأ معظم المواطنين في المناطق الجنوبية وفي ظل انقطاع شبكة الاتصالات الأرضية أو الخلوية إلى الاعتماد على الإنترنت القادم من خلف الحدود، لكنه وفق شهادات مواطنين وسكان محليين لا يلبي الحاجات الرئيسية ولا يتماشى مع دخول المواطنين، في ظل ارتفاع البطالة لمستويات قياسية وانعدام فرص العمل جراء الحرب.
ويشكو مواطنون من ارتفاع تكاليف الاتصالات الأردنية المستخدمة في سوريا، إذ يبلغ سعر خط السيرف الأردني 150 دولارًا، في حين لا يتعدى دخل المواطن شهريًا 30 ألف ليرة (قرابة 60 دولارًا)، ويبلغ سعر مستقبِل وموزع الإنترنت بين 25 و 35 دولارًا، كما يشكو الباعة والتجار من سوء بعض أنواع أجهزة الاتصالات، وهم لا يستطيعون استبدالها أو إعادتها إلى الشركة المصنعة، وهو ما يرتب عليهم تبعات مالية إضافية.
ويقول أحد التجار لعنب بلدي إن هناك صعوبات تواجههم بتوفير بطاقات الاتصالات والإنترنت الأردنية، فقد يستغرق أحيانًا إدخال خط سيرف من الأردن شهرًا كاملًا.
ويشير إلى أن “الاتصالات المحلية ضعيفة جدًا ويتم الاستعانة بخدمات شبكتي (أورانج) و(زين) الأردنيتين والشبكة الحكومية، ومع ذلك لا تؤدي هذه الخدمات الغرض المطلوب منها، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير”.
أسعار “النت” في درعا ضعفا حلب وإدلب
كحال العديد من المدن السورية التي لا تتصل بالعالم عبر الشبكة الحكومية المركزية، برزت الحاجة إلى الإنترنت الفضائي أو الإنترنت القادم عبر البث الراديوي من مناطق أخرى بالاعتماد على مستقبلات وموزعات داخل المدن والأحياء في محاغظة درعا، لكن ورغم توفر هذه الخدمات إلا أن أسعارها ماتزال فوق قدرة المواطنين على الدفع، لكنها تبقى أرخص من شبكات “سيريتل” و”MTN”، كما يقول صاحب أحد المحلات لعنب بلدي.
في جولة على بعض محلات الإنترنت في درعا البلد للاطلاع على واقع الخدمات والأسعار، يتضح أن تكلفة الاشتراك بخدمة واحد غيغا إنترنت تبلغ حوالي 1500 ليرة شهريًا، وهي أعلى بنسبة ضعفين عن أسعار الخدمة في حلب وإدلب، والتي تبلغ نحو 500 ليرة لنفس الباقة.
ويبلغ سعر الباقة 2 غيغا ثلاثة آلاف ليرة، و 4 غيغا مفتوحة التحميل والسرعة نحو 4 إلى 5 آلاف ليرة.
“وصفة” لإطلاق مشاريع مرحلية بدرعا في ظل الحرب
لا يعتقد من التقيناهم من مهندسين، وخبراء محليين، وعمال سابقين في مؤسسات الاتصالات السورية العامة والخاصة، أنه بالإمكان القيام بأي خطوة في سبيل تذليل الصعوبات التي تعتري قطاع الاتصالات في درعا والمنطقة الجنوبية عمومًا، إذ لا يمكن جلب مقاسم وتركيبها، ولا يمكن إطلاق أي مشروع تابع لجهة أجنبية، ومن المستحيل إقناع أي مستثمر سوري أو غير سوري بجدوى مشروع اتصالات خلال هذه الفترة، ما لم تتوقف الحرب بشكل كامل، إذ لا توجد جهات مستعدة للمغامرة وضخ الأموال تحت وقع القذائف، وهذا ما يحسبه المستثمرون بعمق.
ويرى المهندس الجروان، أنه ورغم وجود هدنة حالية بين قوات المعارضة والنظام السوري في الجنوب السوري، لا يمكن البدء بأي خطوة في سبيل تركيب خطوط جديدة أو إصلاح مقاسم، لأن الهدنة “لن تستمر”، وقد خبر السكان، ومعهم التجار، النظام خلال الهدن السابقة، وما جرى بعدها من أعمل قصف وتدمير، أضف إلى ذلك عدم وجود جهات داعمة للمشاريع، وعدم وجود خبراء وموظفين أكفاء.
وما يمكن القيام به، على حد قوله، “مشاريع مصغرة بمساحة محدودة على مستوى القرى، كل قرية على حدة، لكن القصف الشديد على المناطق المحررة، يبقى العائق الأكبر لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، وهذا سيجعل محافظة درعا والمنطقة الجنوبية تعيش في واقع مرير خلال الفترة القادمة”.
تابع قراءة ملف: سوريا “خارج التغطية”
انقطاع الاتصالات في مناطق المعارضة وبداية رحلة البحث عن بدائل
تقهقر المعارضة يقوّض خطط وزارة الاتصالات وينهي أهم مشاريعها
كيف يتم تزويد حلب وريفها بالإنترنت عبر “هوا نت”؟
أسواق إدلب الحرّة المورّد الأول للاتصالات ومعداتها في شمال سوريا
أهالي ريف حمص الشمالي يبتكرون تقنيات اتصالية لكسر الحصار
الاتصالات في حي الوعر الحمصي.. صعوبة في التواصل وغلاء في الأسعار
شلل الأبراج الخلوية في درعا واللصوص يسرقون كابلات الهاتف
شبكات الخلوي الإسرائيلية تغطي جنوب سوريا.. كيف تدخل؟
الحسكة.. ضرائب عالية وخدمة حكومية سيئة بسبب “الفلتان الأمني”
انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة
حكومة النظام ترفع أسعار الاتصالات على جرعات تحت ضغط شركات الخلوي
بسبب ضخامتها.. توقف عداد خسائر قطاع الاتصالات السوري
وزير الاتصالات السابق: رفضتنا الفصائل العسكرية لأسباب نفسية
لقراءة الملف كلاملًا: سوريا خارج التغطية.. النظام يدمّر قطاع الاتصالات في المناطق المحررة
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :