رغم أن التوافق بين روسيا وأمريكا حول الشأن السوري قد يخفف من تداعيات الحرب، إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كان ما تداولته وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، حول تنسيقٍ بين البلدين بخصوص استهداف كلٍ من تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، والأهم من ذلك “تقييد” الأسد في سوريا ومنعه من التصرف بحرية بخصوص العمليات القتالية بدءًا من آب المقبل، قابلًا للتطبيق على أرض الواقع.
وتوالت عشرات التحليلات التي ناقشت الاتفاق، وخاصة أنه يطرح نماذج عمل مشتركة على أكثر من صعيد تشمل عمليات على الأرض السورية، ويستهدف مجموعات تصنفها القوى المتحاورة على أنها “إرهابية”، الأمر الذي سيحد من سلطة الأسد الجوية، تزامنًا مع إمكانية بدء انتقال سياسي في القريب العاجل.
تشكيك في قابلية التطبيق
الاقتراح الحالي الذي يأمل وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بوضع اللمسات الأخيرة عليه خلال الأسابيع المقبلة، يمثل تصورًا بخصوص تبادل كل من موسكو وواشنطن معلومات استخباراتية، لتنسيق الضربات الجوية ضد تنظيم “الدولة” و”النصرة”، إضافة إلى منع النظام السوري من استهداف المعارضة “المعتدلة” بالطيران، وهذا ما يجده كثيرون صعبًا على اعتبار أن الثقة ليست في أحسن أحوالها بين أمريكا وروسيا حاليًا.
وبينما يرى مسؤولون أمريكيون تحدثوا لوكالة “رويترز”، السبت 23 تموز، أن الخطة تمثل أفضل فرصة للحد من القتال الذي يدفع بآلاف السوريين ومعهم بعض مقاتلي التنظيم المدربين إلى التدفق نحو أوروبا، كما أنها تضمن وصول المساعدات وتمثل فرصة للحفاظ على مسار سياسي في الوقت ذاته، يشكك آخرون في قابلية تنفيذها على اعتبار أنها ستترك المجال للروس والنظام السوري في استخدام قواته البرية وآلياته ضد المعارضة.
الحل السياسي هو “الأخطر”
ربما تكون الولايات المتحدة تسعى إلى إنجازٍ سريعٍ بالقضاء على “الإرهاب” في سوريا، قبل رحيل أوباما كانون الثاني المقبل، كما يرى المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية، رياض نعسان آغا، في مقالٍ نشره في صحيفة “الاتحاد” الإماراتية، إلا أن “الثمن سيكون باهظًا على الشعب السوري وسرعان ما سيتحول عالميًا إلى إدانة دولية لإبادة ممنهجة بحق السنة بالضرورة”.
واقترح نعسان آغا دراسة عملية مكافحة “الإرهاب” ضمن خطة “ناضجة”، داعيًا الدول المعنية للسعي نحو الملف “الأخطر” وهو الحل السياسي الذي سينهي مأساة السوريين، وبعدها يمكن الحديث عن مكافحة “الإرهاب” وإعادة الإعمار، من خلال إيكال المهمة لمجلس عسكري يفترض أن تشكله هيئة الحكم الانتقالية، وتؤول إليه الصلاحيات دون أن يكون للأسد دور.
وربما تصب رؤية آغا في ذات السياق الذي طرحه وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على كيري، تزامنًا مع طرح خطته، وشمل الطرح وثيقة مبادئ الانتقال السياسي “دون مستقبل للأسد، ووجوب منعه ومساعديه المقربين من الترشح في الانتخابات نهاية المرحلة الانتقالية منتصف العام المقبل”.
مشاكل أساسية تقف عائقًا
موسكو وواشنطن اللتان تبحثان رفع مستوى التعاون أكثر من خلال “إجراءات حماية الطيران” في الأجواء السورية، ليصل إلى تعاون مباشر بين الجيشين وجهازي الاستخبارات ضد “النصرة” وتنظيم “الدولة”، ستواجهان مشكلات كبيرة بهذا الخصوص وفق تحليلات مراقبين.
أهم تلك المشكلات هو إمكانية استهداف “النصرة” في الأماكن التي تنتشر فيها إلى جانب فصائل المعارضة في سوريا، كمحافظة إدلب وغيرها من المدن، كما تحدث بعضهم عن استحالة تقديم الأسد معلومات عن معاركه قبل يوم من تنفيذها. وعلّق عى ذلك نائب رئيس لجنة الشؤون الدولية في المجلس الأعلى للبرلمان الروسي، أندريه كليموف، وقال “الآن هم على وشك أن يقولوا للأسد: رجاء قدم لنا إشعارًا مسبقًا قبل يوم واحد من قيام قواتك الخاصة بتدمير شخص ما”.
ورغم أن كيري، الذي لم يبدِ تفاؤلًا حول الخطة، صرّح الجمعة 22 تموز، وقال إن الرئيس باراك أوباما “أذن وأمر بتنفيذ الخطة التي ستعتمد على خطوات معينة ومدروسة وليس على الثقة”، إلا أن مسؤولين أمريكيين قللوا من إمكانية العمل عليها كون أن هدف الروس لا يزال يتمحور حول الإبقاء على الأسد في السلطة أو إيجاد خليفة مقبول له، إضافة إلى أن بوتين “أثبت مرارًا ليس فقط في سوريا أنه لا يمكن الوثوق به في احترام أي اتفاق يبرمه إذا قرر أنه لم يعد في مصلحة روسيا”.
بدوره علّق السفير الأمريكي السابق إلى سوريا، روبرت فورد، واعتبر أنه سواء كانت نية موسكو سيئة أو تفتقر إلى النفوذ، إلا أنه “ليس من الواضح بأن الروس يمكنهم تنفيذ الجانب الخاص بهم في الاتفاق”، كما أن المعارضة متمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات قللت من إمكانية منع روسيا للنظام السوري من استخدام سلاح الجو.
تفاصيل دقيقة وكثيرة تضمنتها الخطة، في وقت ما تزال واشنطن تنظر رد موسكو على الاقتراح الذي يرى البعض أن التوافق عليه، سيكون مفصليًا بخصوص سوريا، بينما يستبعد آخرون حدوثه نظرًا للتفرع والتعقيد الذي تشهده البلاد وخاصة أن إلزام الأسد بمضمونه يتطلب بحثًا بين الإيرانيين والروس والنظام السوري نفسه.
كما يعتبر آخرون أن الاتفاق بعيد المنال في الوقت الراهن، وخاصة مع تزامن موعد طرحه مع تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، حول إمكانية استئناف مفاوضات “جنيف” خلال آب المقبل، في حين يقول محللون سياسيون إن الخطة وإن بدأ تنفيذها ستكون لوقت قصير، وستغيب تفاصيلها عن التطبيق في ظل تولي الإدارة الأمريكية الجديدة زمام الأمور.
وريثما يتضح المشهد الدولي، لا شيء يعلو فوق صوت أزيز طائرات الأسد، الذي صعّد غاراته في أكثر من جبهة واستهدف الأسبوع الماضي مدنًا وبلدات عدة طالت الغوطة الشرقية وإدلب وحلب وغيرها، بانتظار اجتماع كيري بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، إما في جنيف أو لاوس لمناقشة الاقتراح خلال الأيام المقبلة، بعد إقراره أن الاقتراح “لاقى قليلًا من الالتزام” وآملًا في إتمامه.