مع تضرر شبكات الاتصال المحلية، وتدمير معظم الأبراج الخلوية والفضائية والمقاسم، برزت الحاجة إلى البحث عن طرق جديدة وأدوات تساعد في استجرار الإنترنت من الدول المجاورة إلى الداخل السوري، في وقت قطع فيه النظام الإنترنت المركزي عن كل المناطق التي خرجت عن سيطرته تباعًا.
مشروع “هوا نت” ركّب أجهزة بث ومستقبلات إنترنت على طرفي الحدود، وبمجرد وصول “إشارات الإنترنت الراديوي” إلى المستقبلات على الجانب السوري من الحدود يتم توريد حزم الإنترنت الضوئية إلى الكابلات والشبكات، التي أشرفت على صيانتها وحمايتها وزارة الاتصالات، من الحدود إلى المدن وأعماق البلدات السورية بعد وصولها إلى المقاسم المركزية.
وحول مشروعية هذا العمل، ومدى مطابقته للقوانين المرعية في سوريا أو تركيا، أكد البوشي (مدير المشروع) أن هذه العملية “قانونية ومتعارف عليها عالميًا وتراعي المعايير الأوروبية والعالمية”.
إلى جانب مشغل “هوا نت” هناك شركات تستخدم الإنترنت التركي بشراء الحزم والباقات عبر صفقات، من شركات تركية خاصة، وتزود بها الداخل السوري بنفس الطريقة التي يعمل بها مشروع وزارة الاتصالات المؤقتة، وقد انعكست حالة المنافسة بين مشاريع الحكومة ومشاريع القطاع الخاص المتعلقة بتوريد الإنترنت والاتصالات إلى حلب ومدن الشمال السوري إيجابًا على المواطنين، وقال أحد التجار بعنب بلدي “الخدمات متوفرة لكن الشوارع فارغة والبيوت مهجورة، نحن نوفر إنترنت أوفر وأرخص من ذلك الذي تقدمه شركات سيريتل وMTN، حيث يبلغ سعر الميغا 500 ليرة، في حين تقدمة الشركتان بحوالي 2000 ليرة.
تعاون مع المجالس المحلية
رغم تعرض المشروع منذ العام 2014 لأعمال “تشويش” من قبل منافسين محليين، هدفهم “خلق ضغط من الحاضنة الشعبية ضده”، لكن كوادره تمكنت من تجاوز المشكلة بشكل كامل، وسعت إلى تطوير العلاقات مع المجالس المحلية في المدن والمحافظات المحررة، وفق مدير المشروع أحمد البوشي.
لكن البوشي وكادره كانوا يواجَهون بنظرة “غير مريحة”، كون الحكومة تعمل في تركيا، والمجالس كلها في الداخل، وهو ما حال دون تطوير العلاقة، وعليه بحثت الوزارة وكادر المشروع عن قنوات تواصل أخرى، “لأننا نعتقد أن عمل المجالس المحلية أساسي وهدفنا ورؤيتنا واحدة وهي تطوير وتحسين الواقع، لكن بقي هناك أشخاص ضد وجودنا”.
وقد حالت العوائق التي واجهتها الحكومة ووزارة الاتصالات المؤقتة، دون تنفيذ الكثير من المشاريع، ويشارك الوزير السابق، ياسين النجار، البوشي نفس الرؤية، ويضيف أن القوى العسكرية كان لها دور في إفشال الخطط بعدم السماح للموظفين الحكوميين بالعمل في عدد من المناطق.
من أهم مشاريع وزارة الاتصالات منذ تأسيسها حتى الآن:
– إعادة إحياء البنية التحتية الضوئية وإطلاق مشروع “هوا نت”.
– ربط المقاسم في المناطق المحررة رغم صعوبات تحقيق ذلك، كون المقاسم في سوريا مركزية وتُخدّم من مراكز المدن في حلب ودمشق.
– ربط مقاسم حلب والهلك ومارع وإعزاز وعفرين في محافظة حلب.
تحرك في نطاق محدود
تعد مشكلة التنقل وصغر حجم المساحة التي يمكن أن تتحرك بها المؤسسات التابعة للمعارضة السورية من أهم المشكلات التي تواجه القائمين على مشروعاتها، ومشروع “هوا نت” في الشمال السوري ليس استثناءً، فقد أدى انحسار فصائل المعارضة وخسارتها لمدن وبلدات كانت تخدّم بالإنترنت عبر المشروع إلى تقلص الخدمة والكوادر، ومعه العوائد المادية، ونتيجة لذلك ضاعت جهود الفريق بعد أن ساهم بإصلاح المقاسم وربط الشبكات مع بعضها، وخاصة في بلدات تل رفعت وكفر ناصح وغيرها في الشمال الحلبي.
يقول أحمد ياسين، مسؤول الريف الشمالي في مشروع “هوا نت”، “يعمل المشروع الآن في مناطق إعزاز وشميرين وسجّق، ونأمل أن يتوسع مجال الانتشار أكثر، وذلك بالسيطرة على مناطق جديدة من قبل المعارضة السورية، وخاصة في ريف حلب الشرقي ضد تنظيم الدولة”، معلنًا استعداد المشروع تخديم المناطق هناك، نظرًا لوجود بنية تحتية تخدم المشروع وتساعد على إطلاقه وإنجاحه.
الإنترنت في حلب “الأرخص” في عموم سوريا
يعتبر وضع الاتصالات في حلب والشمال السوري عمومًا أفضل حالًا من بقية المدن والمناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، لجهة توفر أجهزة الاتصال واستخدام الإنترنت وتسهيلات التواصل بين السوريين في الداخل والخارج خلال الحرب، ورغم أن مشروع “هوا نت” حقق نجاحات تحسب لوزارة الاتصالات رغم التحديات، إلا أن حالة من عدم الرضا ماتزال ترتسم على وجوه المواطنين، فلا الأسعار تخدم، ولا طبيعة الخدمة توفر الشبكة وإمكانية استخدامها على مدار الساعة، وإذا ما قارنّا أسعار الإنترنت من وزارة الاتصالات المؤقتة، البالغة 15 دولارًا لكل 1 ميغا شهريًا للاستخدام المنزلي، وأسعار الملحقات الضرورية واللازمة لتفعيل الإنترنت مثل “الراوتر” وملحقاته وسعرها 100 دولار، تبقى هذه الأسعار الأرخص مقارنة بعموم سوريا، حيث ينتشر الإنترنت الفضائي والاتصالات التي تستعين بشبكات دول الجوار.
يقول أحد المواطنين من حلب “الأسعار الحالية ورغم انخفاضها لا تخدمنا كثيرًا، والشبكات البديلة عن شبكات سيريتل وMTN ضعيفة جدًا، وإن وُجدت التغطية تنقطع الكهرباء، ولا يمكن لأي جهة إنهاء حالة الاحتكار التي يمارسها عدد من التجار الذين يتحكمون بأسعار الخدمات وأجهزة الاتصالات من هواتف محمولة وغيرها، واعتقد الآن أن الوضع سيزداد سوءًا بعد إغلاق طريق الكاستيلو، فقد ارتفعت أسعار كل شيء حوالي 200 ليرة تقريبًا”.
إدلب.. المصدّر الأساسي لأجهزة الاتصالات إلى حلب
المتجول في شوارع حلب، التي تفرض عليها قوات المعارضة سيطرة كاملة منذ نهاية العام 2012، لا تبدو له البلد في حالة حرب، سوى مشاهد الدمار وركام المنازل وهدير الطائرات الذي يكسر هدوء المنطقة، وعلى واجهات ما تبقى من محلات متخصصة ببيع وشراء أجهزة الاتصالات تصطف عشرات أجهزة الموبايل الجديد منها والمستعمل من ماركات عالمية مشهورة. وبحسب عدد من أصحاب هذه المحلات وتجار من المنطقة، تشكل إدلب وريفها موردًا أساسيًا للقطع والأجهزة إلى داخل حلب المدينة، إذ تأتي الأجهزة يوميًا من إدلب وسرمدا والدانا، وكانت تدخل من العراق في وقت سابق، والآن تدخل من تركيا، ويتفق جميعهم على أن الأسعار الحالية تناسب دخول المواطنين، وهو ما ينفيه أكثر من شخص التقيناه، إذ قالوا إن التجار يتحكمون بالأسعار ويرفعونها أو يخفضونها بالتوازي مع الحملات العسكرية والحالات الأمنية.
يقول أحد الباعة “تتراوح أسعار أجهزة الموبايل بين 150 و 600 دولار، وهي تتأثر بسعر الصرف اليومي أمام الدولار”، نافيًا أن يكون هناك تحكم من قبل التجار، لأنهم يشترون بسعر الجملة ويحملون أرباحهم على المبيعات.
ويشكل تراجع الليرة مشكلة حقيقية للمواطنين، في وقت لا يشكو السوق من نقص المستلزمات أو الأجهزة، والمنحنى التبايني للمبيعات في محافظة حلب مختلف، لكنه “جيد”، سواء في مناطق سيطرة المعارضة أو النظام.
تابع قراءة ملف: سوريا “خارج التغطية”
انقطاع الاتصالات في مناطق المعارضة وبداية رحلة البحث عن بدائل
تقهقر المعارضة يقوّض خطط وزارة الاتصالات وينهي أهم مشاريعها
كيف يتم تزويد حلب وريفها بالإنترنت عبر “هوا نت”؟
أسواق إدلب الحرّة المورّد الأول للاتصالات ومعداتها في شمال سوريا
أهالي ريف حمص الشمالي يبتكرون تقنيات اتصالية لكسر الحصار
الاتصالات في حي الوعر الحمصي.. صعوبة في التواصل وغلاء في الأسعار
شلل الأبراج الخلوية في درعا واللصوص يسرقون كابلات الهاتف
شبكات الخلوي الإسرائيلية تغطي جنوب سوريا.. كيف تدخل؟
الحسكة.. ضرائب عالية وخدمة حكومية سيئة بسبب “الفلتان الأمني”
انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة
حكومة النظام ترفع أسعار الاتصالات على جرعات تحت ضغط شركات الخلوي
بسبب ضخامتها.. توقف عداد خسائر قطاع الاتصالات السوري
وزير الاتصالات السابق: رفضتنا الفصائل العسكرية لأسباب نفسية
لقراءة الملف كلاملًا: سوريا خارج التغطية.. النظام يدمّر قطاع الاتصالات في المناطق المحررة