لم يترك النظام السوري للمواطنين في المناطق الخارجة عن سيطرته، أي متنفس لاستخدام شبكات الاتصال التي كانوا يستخدمونها قبل الثورة، ولم يترك لهم أي مجال لاستخدام شبكات الاتصال الحكومية والخاصة التي يشرف عليها في مناطق سيطرته، وجعلهم في وضع “مأساوي”، اضطروا على أثره للبحث عن بدائل، وكان وضع المدن الداخلية وسط البلاد أو في دمشق وريفها بسبب الحصار “الخانق” أسوأ من نظيراتها على الحدود، سواء الشمالية أو الجنوبية أو الشرقية، حيث لعبت شبكات دول الجوار دور المنقذ، وبات الاعتماد عليها أساسيًا من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
وما “زاد الطين بلة”، كما يقول أكثر مهندس ومتخصص في قطاع الاتصالات لعنب بلدي، أن الحكومة المؤقتة ومن يمثل المعارضة السورية لم يلقوا بالًا لهذا القطاع الحيوي، وتركوا السوريين في المناطق المحررة لمصيرهم، فمنهم من اعتمد على شبكات دول الجوار، ومنهم من لجأ إلى الإنترنت الفضائي، باهظ التكاليف، وآخرون عملوا على ابتكار أساليب وطرق جديدة لاستجرار “شبكات التغطية” من مناطق النظام، وخاصة في مناطق التماس المباشر بين المعارضة والنظام، في دمشق وحمص وحلب.
زيادة على ذلك، ألغت التشكيلة الحكومية الجديدة للحكومة المؤقتة في سوريا وزارة الاتصالات وأتبعت مهامها بوزراة الخدمات، رغبة منها في دمج كل مل يتعلق بالخدمات في جسم إداري واحد، مثل الكهرباء والطرق والصرف الصحي، الأمر الذي يعتقد وزير الاتصالات السابق، ياسين النجار، أنه “من الصعب تنفيذه”، ما ينذر بأن وضع هذا القطاع يسير للأسوأ.
وأمام هذا الواقع بدأت رحلة المواطنين بالبحث عن بدائل جديدة، فمنهم حاول ابتكار طرق ووسائل لاستجلاب الإشارة الخلوية من مناطق بعيدة، ومنهم بنى غرفًا صغيرة على الأسطح المرتفعة، كلما رغب بإجراء مكالمة مع أهله، صعد إليها، وغيرها من الأساليب التي تحكي معاناة “حقيقية” للسوريين في هذا المجال.
قطاع استراتجي لكنه “غير مهم”
منذ البداية، لم يكن قطاع الاتصالات في المناطق المحررة ذا أولوية بالنسبة للمجالس المحلية، نظرًا لوجود حيوية حساسة أكثر مرتبطة بالماء والغذاء والدواء، كما هاجرت معظم الكوادر المتخصصة بالاتصالات لعدم وجود فرص عمل، فأصبحت المؤهلات نادرة وتعمقت الأزمة.
وعندما أطلقت وزارة الاتصالات، بعد تشكيل الحكومة السورية المؤقتة أول مشاريعها، المتمثلة في إصلاح المقاسم في حلب والرقة والمنطقة الشرقية عام 2013، واجهت الكثير من العقبات، أبرزها تدخل القوى العسكرية في أعمالها وعرقلة بعض القوات لكوادرها تحت حجج وذرائع “الأمن الاتصالي”، وإلى جانب هذا كانت خسائر الوزارة المؤقتة تزداد مع كل تراجع لقوات المعارضة وخسارتهم للمدن، فيذهب كل ما افتتحته وأنجزته من مشاريع أدراج الرياح.
“خردة” في مناطق المعارضة
يعتبر أحد الخبراء في مجال الاتصالات، والذي خبر العمل في مقاسم وشركات الاتصالات السورية السابقة، أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وخاصة الحدودية، شهدت “تغولًا” لشبكات اتصالات دول الجوار، ونتيجة غياب الرقابة وعدم وجود جهات تدقق وتشرف على القطاع بشكل كامل، انتعشت تجارة الأجهزة والمعدات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية، ففي الوقت الذي كان لا بد فيه من إتلاف أجهزة اتصالات لاسلكية وGSM و2G في دول الجوار بسبب قدمها، ورّدها تجار وسماسرة إلى الداخل السوري تهريبًا، مستفيدين من حالة الفوضى والحرب وانعدام الرقابة في عموم المناطق المحررة، ونظرًا للحاجة الجديدة لمعدات اتصالات رخيصة.
لكن ومع استمرار الثورة وطول فترة الصراع، بقيت الحاجة إلى معدات الاتصالات مستمرة، وسط تباين جودة الاتصالات بين منطقة وأخرى، نظرًا للوضع الأمني والميداني. وعلى العموم بقي أداء الشبكات البديلة والمبتكرة ضعيفًا، ودون المستوى المطلوب.
تابع قراءة ملف: سوريا “خارج التغطية”
انقطاع الاتصالات في مناطق المعارضة وبداية رحلة البحث عن بدائل
تقهقر المعارضة يقوّض خطط وزارة الاتصالات وينهي أهم مشاريعها
كيف يتم تزويد حلب وريفها بالإنترنت عبر “هوا نت”؟
أسواق إدلب الحرّة المورّد الأول للاتصالات ومعداتها في شمال سوريا
أهالي ريف حمص الشمالي يبتكرون تقنيات اتصالية لكسر الحصار
الاتصالات في حي الوعر الحمصي.. صعوبة في التواصل وغلاء في الأسعار
شلل الأبراج الخلوية في درعا واللصوص يسرقون كابلات الهاتف
شبكات الخلوي الإسرائيلية تغطي جنوب سوريا.. كيف تدخل؟
الحسكة.. ضرائب عالية وخدمة حكومية سيئة بسبب “الفلتان الأمني”
انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة
حكومة النظام ترفع أسعار الاتصالات على جرعات تحت ضغط شركات الخلوي
بسبب ضخامتها.. توقف عداد خسائر قطاع الاتصالات السوري
وزير الاتصالات السابق: رفضتنا الفصائل العسكرية لأسباب نفسية
لقراءة الملف كلاملًا: سوريا خارج التغطية.. النظام يدمّر قطاع الاتصالات في المناطق المحررة