سوريا خارج التغطية.. النظام يدمّر قطاع الاتصالات في المناطق المحررة

  • 2016/07/24
  • 12:05 ص

أكثر من أربعة ملايين سوري “خارج التغطية” الرسمية الحكومية

مشروع “هوا نت” يتلقى تهديدات “تجارية” ومقاطعة دولية لوزارة الاتصالات

شبكات دول الجوار “تتوغل” داخل سوريا وانتعاش تجارة أجهزة الاتصال “الخردة”

مواطنون يتواصلون مع شبكات عراقية لتركيب أبراج تغطية في الحسكة

عداد خسائر قطاع الاتصالات يتوقف بسبب ضخامتها.. 30 مليار ليرة لنهاية 2013

مليونا دولار فقط ميزانية وزارة الاتصالات المؤقتة من أصل 50 مليون يورو

التشفير سلاح قوات المعارضة وريفها منعًا لقرصنة النظام أجهزة الاتصال في المدن

150 صالة إنترنت فضائي بريف حمص ومبيعات الإنترنت في حلب وإدلب بالميغا “الحر”

وزير الاتصالات السابق يقدم نصيحة للحكومة الجديدة عبر عنب بلدي..

عنب بلدي – فريق التحقيقات

كان النظام السوري يدرك منذ بداية المظاهرات في 2011، أن من أهم الخطوات التي يجب على قواته الأمنية والعسكرية اتخاذها لقمع أي مظاهرة أو تحرك سلمي، قطع الاتصالات عن الحشود، وإيقاف حركة الأخبار وتدفق المعلومات، وبالتالي تعزيز روايته في نفي وجود احتجاجات في سوريا، بل حركات وجيوب هنا وهناك، ما إن تخرج حتى تعود وتهدأ من تلقاء نفسها.

ومنذ البداية أمسك النظام بالاتصالات بمختلف أنواعها في جميع المدن والأحياء والبلدات والقرى التي شهدت تحركًا مناهضًا، واعتمد النظام سياسة حجب الناس عن العالم المحيط، ما سهّل عليه التحرك، ومنح قواته مساحات أكبر في التصدي للمحتجين، لكن مع خروج مناطق شاسعة عن سيطرة النظام واستمرار الثورة، سخر السوريون الطاقات المتوفرة على مستوى البلدات والمدن المحررة لجعل قطاع الاتصالات مستمرًا، نظرًا لأهميته وحاجة الناس الملحة له.

النظام السوري حاول مجددًا منع السكان من الاستفادة من أي مؤسسات أو منشآت خدمية في مجال الاتصالات ضمن المناطق التي يفقدها، فاستهدفها بالطيران، وأدى القصف المركز والممنهج للمقاسم والأبراج الهوائية ووحدات البريد والشبكات السلكية واللاسلكية إلى تدميرها بشكل كلي تقريبًا، كما حصل في الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق، حيث تجاوزت نسبة الدمار أكثر من 80%، وكذلك الأمر في بلدات درعا والقنيطرة، ما أفقد المجالس المحلية التابعة للمعارضة، والمجتمع المحلي والأهلي أي قدرة على ترميمهاوالاستفادة منها، “نظرًا للحاجة المادية الكبيرة التي تتطلبها عملية إعادة تأهيل هذه المنشآت الحيوية، ونظرًا لعدم توفر السيولة الكافية لدى وزارة الاتصالات في الحكومة المؤقتة”، كما يقول وزير الاتصالات السابق في الحكومة السورية المؤقتة، ياسين النجار، لعنب بلدي. فالمبلغ الذي حصلت عليه الوزارة منذ تأسيسها بلغ حوالي مليوني دولار من أصل 50 مليون يورو (أي ما يعادل 1.8 مليون يورو)، هو حجم ميزانية وزارات الحكومة، وهذا المبلغ المستقطع “لا يعادل الميزانية السنوية لمؤسسة مياه حلب في الوضع المستقر”، على حد تعبيره، فكيف لوزارة أن تقوم بإصلاح وترميم المنشآت المدمرة في المناطق المحررة، وأن تشرع في إطلاق مشاريع جديدة، بهذه الميزانية “المتواضعة”.

 

انقطعت الاتصالات.. وبدأت رحلة البحث عن بدائل

لم يترك النظام السوري للمواطنين في المناطق الخارجة عن سيطرته، أي متنفس لاستخدام شبكات الاتصال التي كانوا يستخدمونها قبل الثورة، ولم يترك لهم أي مجال لاستخدام شبكات الاتصال الحكومية والخاصة التي يشرف عليها في مناطق سيطرته، وجعلهم في وضع “مأساوي”، اضطروا على أثره للبحث عن بدائل، وكان وضع المدن الداخلية وسط البلاد أو في دمشق وريفها بسبب الحصار “الخانق” أسوأ من نظيراتها على الحدود، سواء الشمالية أو الجنوبية أو الشرقية، حيث لعبت شبكات دول الجوار دور المنقذ، وبات الاعتماد عليها أساسيًا من أجل التواصل مع العالم الخارجي.

وما “زاد الطين بلة”، كما يقول أكثر مهندس ومتخصص في قطاع الاتصالات لعنب بلدي، أن الحكومة المؤقتة ومن يمثل المعارضة السورية لم يلقوا بالًا لهذا القطاع الحيوي، وتركوا السوريين في المناطق المحررة لمصيرهم، فمنهم من اعتمد على شبكات دول الجوار، ومنهم من لجأ إلى الإنترنت الفضائي، باهظ التكاليف، وآخرون عملوا على ابتكار أساليب وطرق جديدة لاستجرار “شبكات التغطية” من مناطق النظام، وخاصة في مناطق التماس المباشر بين المعارضة والنظام، في دمشق وحمص وحلب.

لاقط إشارات اتصالات في الغوطة الشرقية (عنب بلدي)

زيادة على ذلك، ألغت التشكيلة الحكومية الجديدة للحكومة المؤقتة في سوريا وزارة الاتصالات وأتبعت مهامها بوزراة الخدمات، رغبة منها في دمج كل مل يتعلق بالخدمات في جسم إداري واحد، مثل الكهرباء والطرق والصرف الصحي، الأمر الذي يعتقد وزير الاتصالات السابق، ياسين النجار، أنه “من الصعب تنفيذه”، ما ينذر بأن وضع هذا القطاع يسير للأسوأ.

وأمام هذا الواقع بدأت رحلة المواطنين بالبحث عن بدائل جديدة، فمنهم حاول ابتكار طرق ووسائل لاستجلاب الإشارة الخلوية من مناطق بعيدة، ومنهم بنى غرفًا صغيرة على الأسطح المرتفعة، كلما رغب بإجراء مكالمة مع أهله، صعد إليها، وغيرها من الأساليب التي تحكي معاناة حقيقية للسوريين في هذا المجال.

قطاع استراتجي لكنه “غير مهم”

منذ البداية، لم يكن قطاع الاتصالات في المناطق المحررة ذا أولوية بالنسبة للمجالس المحلية، نظرًا لوجود حيوية حساسة أكثر مرتبطة بالماء والغذاء والدواء، كما هاجرت معظم الكوادر المتخصصة بالاتصالات لعدم وجود فرص عمل، فأصبحت المؤهلات نادرة وتعمقت الأزمة.

وعندما أطلقت وزارة الاتصالات، بعد تشكيل الحكومة السورية المؤقتة أول مشاريعها، المتمثلة في إصلاح المقاسم في حلب والرقة والمنطقة الشرقية عام 2013، واجهت الكثير من العقبات، أبرزها تدخل القوى العسكرية في أعمالها وعرقلة بعض القوات لكوادرها تحت حجج وذرائع “الأمن الاتصالي”، وإلى جانب هذا كانت خسائر الوزارة المؤقتة تزداد مع كل تراجع لقوات المعارضة وخسارتهم للمدن، فيذهب كل ما افتتحته وأنجزته من مشاريع أدراج الرياح.

“خردة” في مناطق المعارضة

يعتبر أحد الخبراء في مجال الاتصالات، والذي خبر العمل في مقاسم وشركات الاتصالات السورية السابقة، أن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وخاصة الحدودية، شهدت “تغولًا” لشبكات اتصالات دول الجوار، ونتيجة غياب الرقابة وعدم وجود جهات تدقق وتشرف على القطاع بشكل كامل، انتعشت تجارة الأجهزة والمعدات غير المطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية، ففي الوقت الذي كان لا بد فيه من إتلاف أجهزة اتصالات لاسلكية وGSM و2G في دول الجوار بسبب قدمها، ورّدها تجار وسماسرة إلى الداخل السوري تهريبًا، مستفيدين من حالة الفوضى والحرب وانعدام الرقابة في عموم المناطق المحررة، ونظرًا للحاجة الجديدة لمعدات اتصالات رخيصة.

لكن ومع استمرار الثورة وطول فترة الصراع، بقيت الحاجة إلى معدات الاتصالات مستمرة، وسط تباين جودة الاتصالات بين منطقة وأخرى، نظرًا للوضع الأمني والميداني. وعلى العموم بقي أداء الشبكات البديلة والمبتكرة ضعيفًا، ودون المستوى المطلوب.

 

تقهقر المعارضة يقوّض خطط وزارة الاتصالات وينهي أهم مشاريعها

أسست وزارة الاتصالات في الحكومة المؤقتة، كونها المعني الأول بتوفير خدمات التواصل في جميع المناطق المحررة، أول مشروع يوفر الإنترنت وبأسعار التكلفة، على أن يبدأ من حلب ويتمدد في سوريا المحررة، لكن القائمين على مشروع “هوا نت”، وهو أول مشروع حكومي يوفر الإنترنت في الشمال السوري، لم يكونوا على علم بأن الأمور لن تسير كما تشتهي رياح سفنهم، بسبب “تقهقر” قوات المعارضة وخسارتها لعدد من المناطق لصالح قوى عسكرية أخرى، ما جعل أحلامهم بالتوسع والتمدد تتقلص، وتتقوقع في عدة بلدات مازالت لقوات المعارضة سلطة فيها مثل إعزاز، أبرز معاقلهم في الشمال، إلى جانب قطع الدعم المالي عن الحكومة، فأصبحت الخطط حبرًا على ورق.

أبصر مشروع “هوا نت” النور في تشرين الأول 2014، على ما يقوله وزير الاتصالات السابق في الحكومة المؤقتة، ياسين النجار، وهو يرى، في معرض سرده للخدمات التي قدمتها وزارته، أن هذا المشروع جاء ضمن سلسلة من مشاريع أخرى سبقته، كان هدفها تأمين الاتصالات الرخيصة والآمنة للسوريين في المناطق المحررة، وكان يهدف أيضًا تقديم الخدمة بسعر التكلفة، وأحيانًا بالمجان، وذلك في إطار سلسة إجراءات كانت الوزارة تعكف على تنفيذها للتحول من الخدمة المجانية إلى الربحية حتى يتقبل المواطنون فكرة دفع الفواتير، في ظل انتشار الفقر وارتفاع مستويات البطالة.

وكان الهدف الأساسي للمشروع “كسر احتكار الاتصالات من قبل السماسرة والتجار، وضبط الأسعار العشوائية، وتحسين الخدمة رغم الصعوبات الجمّة”.

ويرى أحمد البوشي، مدير مشروع “هوا نت”، في حوار مع عنب بلدي، أنّ مخطط المشروع شمل الكثير من المناطق، لكن مع تراجع الدعم وعدم وجود التمويل اقتصر على حلب وريفها، مستفيدًا من اللوجستيات والبنية التحتية الجيدة في حلب المدينة وريفها الشمالي وصولًا إلى الحدود التركية، وقد ساهم توفر “السلاسل الراديوية” من الحدود التركية وصولًا إلى مدينة حلب، بتأسيس المشروع وإطلاقه، وإيصال البث لمسافات طويلة عبر الشبكة الضوئية، الموجودة أصلًا، والتي عملت مديرية اتصالات حلب التابعة للنظام من قبل على مدها، “وهذا حسّن من مستوى الخدمة”، كما يقول البوشي.

وسعى فريق العمل إلى تقديم خدمات أخرى من أجل تحسين البنية التحتية لواقع الاتصالات في حلب وريفها، عبر صيانة الشبكات وربط المقاسم في الريف الشمالي بشكل كامل، ونقل الإنترنت إليها وعبرها إلى منازل المشتركين.

أما المهندس في وزارة الاتصالات في الحكومة المؤقتة، عبو الحسو، فقال في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إن الخدمة التي تؤمّنها الوزارة (هوا نت) مختلفة تمامًا عن تلك التي كان يعتمد عليها الناشطون، وهي ذات جودة عالية وتكلفة منخفضة، بعد أن كان السكان يلجؤون طوال المرحلة الماضية إلى وسيلتين للاستفادة من الإنترنت، هما شبكات إنترنت دول الجوار، وخاصة تركيا والأردن وأربيل، أو الإنترنت الفضائي، الذي كان بمعظمه بأداء ضعيف وتكلفة عالية تؤمّنه شركات أجنبية من خلال موزعين ينتشرون في الدول المحيطة بسوريا.

نقص السيولة يحد من التوسع

رغم الميزانية “المتواضعة” للمشروع، وكلفته الشهرية البالغة عشرة آلاف دولار لمدة عشرة أشهر، إلا أن المواطنين في حلب وريفها وعدد من مخيمات اللاجئين (الإيمان، الحرمين، أهل الشام، النور) حصلوا على الإنترنت بأسعار منخفضة، بعدما كانت الكلمة العليا لتجار السوق السوداء والسماسرة، وقدمت الخدمة بسعر 35 دولارًا سرعان ما خفضت إلى 20 دولارًا، وذلك “من أجل تخفيف التكلفة على المواطنين وسعيًا للوصول لأكبر شريحة ممكنة”، وفق البوشي.

يعترف مدير المشروع، أن المشروع الذي أشرف عليه فقط تسعة موظفين، لم يتمكن من إعادة الاستثمار، وتدوير الأموال المتحصلة، والنفاذ إلى جهات أخرى بسبب دخول الحكومة المؤقتة في أزمة رواتب وتعرضها للإفلاس، ولكون المشروع “غير ربحي” وليس له هدف استثماري أو تنافسي، وبقي محدود النطاق، ويقتصر الآن في خدماته على بلدات مارع وإعزاز بعد أن كان يغطي معظم مناطق الشمال السوري وخاصة مدينة تل رفعت التي انتهى فيها، بعد تقدم قوات الوحدات الكردية وسيطرتهم على المدينة.

إلى جانب خدمة الإنترنت، التي تتكفل إدارة مشروع “هوا نت” بتوصيلها إلى السوريين، عملت الإدارة على تقديم خدمات مجانية أخرى مثل الاتصالات المحلية الأرضية وصيانة المقاسم، كما سعت من أجل الوصول إلى أكبر نسبة من الجمهور للتعامل مع وسطاء وتجار تبيع عبرهم الخدمة للمواطنين بسعر مخفض مع هامش ربح بسيط ومحدد وبموجب عقود نصف سنوية، (50 ميغا كل ستة أشهر).

كابلات اتصالات في مقسم هاتف في حمص (عنب بلدي)

لا إحصائيات لعدد المستفيدين

لا تملك إدارة مشروع “هوا نت” ولا وزارة الاتصالات المؤقتة أرقامًا حقيقية أو تقريبية لعدد المستفيدين من خدمات المشروع، بسبب عدم الاستقرار واستمرار النزوح الداخلي والهجرة وأعمال الاقتتال والقصف اليومي، بل إن الأرقام لا تهم الجهة المشرفة على المشروع، “لأنها جهة حكومية غير منافسة وخدماتها مفتوحة وهدفها فقط توصيل الخدمة”.

وبحسب البوشي، “لم يفكر القائمون على المشروع بالأرباح، لأنه من الصعب الجمع بين خدمة الناس والتفكير بالأرباح، من وجهة نظر جهة حكومية، كما أن غياب الاستقرار صعّب التفكير بالتطوير والبحث عن مداخيل جديدة للمشروع والزارة عمومًا”، مشيرًا إلى أنه كان هناك تفكير على مستويات إدارية عليا بالتوسع أفقيًا وعموديًا داخل البلاد لكن جملة عقبات حالت دون ذلك، منها “وجود المنافسين وصعوبة تنافسية المشروع لأنه لا يهدف للربح، وهذا ما أدى إلى تهديدنا تجاريًا من قبل إحدى الشركات بأنه في حال لم تخفض الأسعار من قبل الوزارة فإن شركته ستبيع الحزم والباقات بسعر صفر ليرة”، وهذا يدل على أهمية السوق ومستوى منافسة التجار للمشروع.

تشير التقديرات إلى أن 1 ميغا إنترنت يتشارك به من 10 – 15 شخصًا، وهو ما يعرف بالميغا “الحر”، ويقدم المشروع 600 ميغا شهريًا، وهو عرض الحزمة.

كيف يتم تزويد حلب وريفها بالإنترنت عبر “هوا نت”؟

مع تضرر شبكات الاتصال المحلية، وتدمير معظم الأبراج الخلوية والفضائية والمقاسم، برزت الحاجة إلى البحث عن طرق جديدة وأدوات تساعد في استجرار الإنترنت من الدول المجاورة إلى الداخل السوري، في وقت قطع فيه النظام الإنترنت المركزي عن كل المناطق التي خرجت عن سيطرته تباعًا.

مشروع “هوا نت” ركب أجهزة بث ومستقبلات إنترنت على طرفي الحدود، وبمجرد وصول “إشارات الإنترنت الراديوي” إلى المستقبلات على الجانب السوري من الحدود يتم توريد حزم الإنترنت الضوئية إلى الكابلات والشبكات، التي أشرفت على صيانتها وحمايتها وزارة الاتصالات، من الحدود إلى المدن وأعماق البلدات السورية بعد وصولها إلى المقاسم المركزية.

وحول مشروعية هذا العمل، ومدى مطابقته للقوانين المرعية في سوريا أو تركيا، أكد البوشي (مدير المشروع) أن هذه العملية “قانونية ومتعارف عليها عالميًا وتراعي المعايير الأوروبية والعالمية”.

إلى جانب مشغل “هوا نت” هناك شركات تستخدم الإنترنت التركي بشراء الحزم والباقات عبر صفقات، من شركات تركية خاصة، وتزود بها الداخل السوري بنفس الطريقة التي يعمل بها مشروع وزارة الاتصالات المؤقتة، وقد انعكست حالة المنافسة بين مشاريع الحكومة ومشاريع القطاع الخاص المتعلقة بتوريد الإنترنت والاتصالات إلى حلب ومدن الشمال السوري إيجابًا على المواطنين، وقال أحد التجار بعنب بلدي “الخدمات متوفرة لكن الشوارع فارغة والبيوت مهجورة، نحن نوفر إنترنت أوفر وأرخص من ذلك الذي تقدمه شركات سيريتل وMTN، حيث يبلغ سعر الميغا 500 ليرة، في حين تقدمة الشركتان بحوالي 2000 ليرة.

تعاون مع المجالس المحلية

رغم تعرض المشروع منذ العام 2014 لأعمال “تشويش” من قبل منافسين محليين، هدفهم “خلق ضغط من الحاضنة الشعبية ضده”، لكن كوادره تمكنت من تجاوز المشكلة بشكل كامل، وسعت إلى تطوير العلاقات مع المجالس المحلية في المدن والمحافظات المحررة، وفق مدير المشروع أحمد البوشي.

لكن البوشي وكادره كانوا يواجَهون بنظرة “غير مريحة”، كون الحكومة تعمل في تركيا، والمجالس كلها في الداخل، وهو ما حال دون تطوير العلاقة، وعليه بحثت الوزارة وكادر المشروع عن قنوات تواصل أخرى، “لأننا نعتقد أن عمل المجالس المحلية أساسي وهدفنا ورؤيتنا واحدة وهي تطوير وتحسين الواقع، لكن بقي هناك أشخاص ضد وجودنا”.

وقد حالت العوائق التي واجهتها الحكومة ووزارة الاتصالات المؤقتة، دون تنفيذ الكثير من المشاريع، ويشارك الوزير السابق، ياسين النجار، البوشي نفس الرؤية، ويضيف أن القوى العسكرية كان لها دور في إفشال الخطط بعدم السماح للموظفين الحكوميين بالعمل في عدد من المناطق.

من أهم مشاريع وزارة الاتصالات منذ تأسيسها حتى الآن:

– إعادة إحياء البنية التحتية الضوئية وإطلاق مشروع “هوا نت”.
– ربط المقاسم في المناطق المحررة رغم صعوبات تحقيق ذلك، كون المقاسم في سوريا مركزية وتُخدّم من مراكز المدن في حلب ودمشق.
– ربط مقاسم حلب والهلك ومارع وإعزاز وعفرين في محافظة حلب.

تحرك في نطاق محدود

تعد مشكلة التنقل وصغر حجم المساحة التي يمكن أن تتحرك بها المؤسسات التابعة للمعارضة السورية من أهم المشكلات التي تواجه القائمين على مشروعاتها، ومشروع “هوا نت” في الشمال السوري ليس استثناءً، فقد أدى انحسار فصائل المعارضة وخسارتها لمدن وبلدات كانت تخدّم بالإنترنت عبر المشروع إلى تقلص الخدمة والكوادر، ومعه العوائد المادية، ونتيجة لذلك ضاعت جهود الفريق بعد أن ساهم بإصلاح المقاسم وربط الشبكات مع بعضها، وخاصة في بلدات تل رفعت وكفر ناصح وغيرها في الشمال الحلبي.

يقول أحمد ياسين، مسؤول الريف الشمالي في مشروع “هوا نت”، “يعمل المشروع الآن في مناطق إعزاز وشميرين وسجّق، ونأمل أن يتوسع مجال الانتشار أكثر، وذلك بالسيطرة على مناطق جديدة من قبل المعارضة السورية، وخاصة في ريف حلب الشرقي ضد تنظيم الدولة”، معلنًا استعداد المشروع تخديم المناطق هناك، نظرًا لوجود بنية تحتية تخدم المشروع وتساعد على إطلاقه وإنجاحه.

الإنترنت في حلب “الأرخص” في عموم سوريا

يعتبر وضع الاتصالات في حلب والشمال السوري عمومًا أفضل حالًا من بقية المدن والمناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام، لجهة توفر أجهزة الاتصال واستخدام الإنترنت وتسهيلات التواصل بين السوريين في الداخل والخارج خلال الحرب، ورغم أن مشروع “هوا نت” حقق نجاحات تحسب لوزارة الاتصالات رغم التحديات، إلا أن حالة من عدم الرضا ماتزال ترتسم على وجوه المواطنين، فلا الأسعار تخدم، ولا طبيعة الخدمة توفر الشبكة وإمكانية استخدامها على مدار الساعة، وإذا ما قارنّا أسعار الإنترنت من وزارة الاتصالات المؤقتة، البالغة 15 دولارًا لكل 1 ميغا شهريًا للاستخدام المنزلي، وأسعار الملحقات الضرورية واللازمة لتفعيل الإنترنت مثل “الراوتر” وملحقاته وسعرها 100 دولار، تبقى هذه الأسعار الأرخص مقارنة بعموم سوريا، حيث ينتشر الإنترنت الفضائي والاتصالات التي تستعين بشبكات دول الجوار.

أكسسوارات أجهزة هواتف نقالة معروضة للبيع في أحد المحلات في حلب (عنب بلدي)

يقول أحد المواطنين من حلب “الأسعار الحالية ورغم انخفاضها لا تخدمنا كثيرًا، والشبكات البديلة عن شبكات سيريتل وMTN ضعيفة جدًا، وإن وُجدت التغطية تنقطع الكهرباء، ولا يمكن لأي جهة إنهاء حالة الاحتكار التي يمارسها عدد من التجار الذين يتحكمون بأسعار الخدمات وأجهزة الاتصالات من هواتف محمولة وغيرها، واعتقد الآن أن الوضع سيزداد سوءًا بعد إغلاق طريق الكاستيلو، فقد ارتفعت أسعار كل شيء حوالي 200 ليرة تقريبًا”.

إدلب.. المصدّر الأساسي لاجهزة الاتصالات إلى حلب

المتجول في شوارع حلب، التي تفرض عليها قوات المعارضة سيطرة كاملة منذ نهاية العام 2012، لا تبدو له البلد في حالة حرب، سوى مشاهد الدمار وركام المنازل وهدير الطائرات الذي يكسر هدوء المنطقة، وعلى واجهات ما تبقى من محلات متخصصة ببيع وشراء أجهزة الاتصالات تصطف عشرات أجهزة الموبايل الجديد منها والمستعمل من ماركات عالمية مشهورة. وبحسب عدد من أصحاب هذه المحلات وتجار من المنطقة، تشكل إدلب وريفها موردًا أساسيًا للقطع والأجهزة إلى داخل حلب المدينة، إذ تأتي الأجهزة يوميًا من إدلب وسرمدا والدانا، وكانت تدخل من العراق في وقت سابق، والآن تدخل من تركيا، ويتفق جميعهم على أن الأسعار الحالية تناسب دخول المواطنين، وهو ما ينفيه أكثر من شخص التقيناه، إذ قالوا إن التجار يتحكمون بالأسعار ويرفعونها أو يخفضونها بالتوازي مع الحملات العسكرية والحالات الأمنية.

يقول أحد الباعة “تتراوح أسعار أجهزة الموبايل بين 150 و 600 دولار، وهي تتأثر بسعر الصرف اليومي أمام الدولار”، نافيًا أن يكون هناك تحكم من قبل التجار، لأنهم يشترون بسعر الجملة ويحملون أرباحهم على المبيعات.

ويشكل تراجع الليرة مشكلة حقيقية للمواطنين، في وقت لا يشكو السوق من نقص المستلزمات أو الأجهزة، والمنحنى التبايني للمبيعات في محافظة حلب مختلف، لكنه “جيد”، سواء في مناطق سيطرة المعارضة أو النظام.

 

أسواق إدلب الحرّة المورّد الأول للاتصالات ومعداتها في شمال سوريا

تشكل محافظة إدلب، الخارجة بالكامل عن سيطرة النظام، الخاصرة الغربية لحلب، والتي يتم عبرها توريد معظم أجهزة الاتصالات والمستلزمات المتعلقة، وتعد بلدات سرمدا وسرمين بمثابة أسواق حرة لتجار حلب، منها يمكن لأي تاجر أن يشحن بضاعته وحمولته لتجد طريقها إلى أسواق حلب وأريافها، وقد قلبت الآية وأصبح خط التجارة عكسيًا بخلاف ما كان عليه قبل العام 2011، حيث كانت حلب عاصمة الصناعة والتجارة الأولى على مستوى سوريا، ومنها تتوزع المنتجات إلى جميع المدن السورية.

يصف عدد من التجار والمواطنين أن وضع الاتصالات في المدينة “جيد”، حيث يشرف عليه القطاع الخاص بشكل كامل، فلا مكان هنا لأي مشروع للحكومة المؤقتة ووزارة الاتصالات، لاعتبارات عديدة، “عدم قبول القوى العسكرية بالحكومة لكونها خارج البلاد”، وهو ما عرقل الكثير من المشاريع التي كانت تنوي الوزارة تنفيذها، فاقتصرت الخدمات على جهود فردية بقيت ضمن إطار الحي أو البلدة لا أكثر.

بائع أجهزة اتصالات وهواتف نقالة في حلب (عنب بلدي)

وتبلغ تكلفة الاشتراك بالإنترنت (وايرلس) 500 ليرة لكل 1 ميغا، وهو سعر وسطي يشمل معظم بلدات وقرى المحافظة.
وفي عموم إدلب والمدينة خاصة تبرز أهمية الاتصالات الأرضية، حيث يستمر العمل بها ضمن نطاق البلدة الواحدة والمدينة، وهو ما وفر الكثير على الأهالي لكونها اتصالات مجانية بالكامل، وساهم اهتمام الجهات المشرفة على المدينة بها في بقائها قيد الخدمة حتى الآن.

أحمد أبو المجد، مالك صالة إنترنت في مدينة سرمدا بالقرب من الحدود التركية، ومثل آلاف السوريين في المحافظة المحررة، اضطر بعد أن قطع النظام الاتصالات عن البلدة للبحث عن سبل جديدة، فكان الإنترنت الفضائي يكلفه شهريًا نحو 300 دولار، إلى أن بدأ الإنترنت التركي ينتشر في المنطقة عبر صحون الإرسال والاستقبال على جانبي الحدود، فانخفضت التكاليف وتحسنت السرعة وأصبح التواصل أسهل.

وبحسب المواطن أحمد مصطفى، من مدينة إدلب، فإن معاناته تزيد لكون التواصل عبر الإنترنت أصعب في المدينة المحررة مقارنة بالأرياف، رغم اعتمادها على الإنترنت القادم من تركيا، وبنفس الطريقة التي يستجر فيها إلى عموم الشمال السوري، لاعتبارات البعد عن الحدود وكثافة السكان.

مراصد القبضات.. غرف عمليات تشبّك بين السكان والمؤسسات الخدمية

ابتكر المواطنون في إدلب طرقًا جديدة للتواصل ما كان السوريون يعرفونها من قبل. أمام القصف اليومي العنيف وغارات الطيران كان لا بد من ابتكار أساليب توعية وحماية تأخذ على عاتقها إخطار الناس بضرورة توخي الحذر حيال أي خطر يتهدد حياتهم، فأوجد ناشطون من المجتمع المدني، ومهندسو اتصالات ما بات يعرف اليوم بـ “المراصد”، وهي غرف اتصالات مجهزة بمحولات ومكبرات صوت وميكروفونات تعمل على موجة محددة، ويديرها أشخاص بالتناوب على مدار الساعة، مهمتهم عند استطلاعهم لأي خطر قادم، توجيه السكان بالنزول إلى الملاجئ أو الاحتماء في الأماكن المحمية، وكذلك توجيه كوادر الإسعاف والدفاع المدني على الأرض عند تنفيذ الطيران لغارات في عموم المحافظة.

أبو جميل، مدير الاتصال في إحدى النقاط الطبية والإسعافات الأولية في ريف إدلب، يعتبر أن القبضات اللاسلكية أنجع وسيلة للتواصل في المحافظة، وهي تسد غياب الإنترنت والاتصالات الهاتفية العادية.

ويشير إلى أنها “أفضل شيء متوفر”، ويستخدمها كل بيت، وفي إدلب يعتمدها الدفاع المدني وهياكله لتحذير السكان وتوجيه الكوادر على الرقم 16 وكأنها موجة راديو FM أو AM.

ولا يكتفي المرصد بتوجيه الناس للاحتماء من القصف بل أصبح وسيلة توعوية لمن فقد أغراضًا ثمينة، أو لتوجيه دعوات للتبرع بالدم أو الحصول على مساعدات… الخ.

ريف حمص الشمالي .. تقنيات تكسر حصار النظام

مراصد اتصالات ومقاهي إنترنت وبث فضائي تصل السكان بالعالم الخارجي

بقي الريف الشمالي الواقع تحت سيطرة المعارضة بلا اتصالات منذ خمس أعوام، حيث عمد النظام إلى تطبيق سياسته في إبقاء المناطق الخارجة عن سيطرته بعيدة عن الاتصال قدر الإمكان، لكن التقنيات التي امتلكها أهالي الريف جعلت التواصل الداخلي والخارجي أمرًا متاحًا للجميع مما أفشل خطط النظام.

القصف يدمّر أبراج التغطية الحكومية

استمرت الاشتباكات بين طرفي النزاع على مدى الأعوام السابقة، ما جعل الاتصالات في البداية أمرًا صعبًا، حيث قامت قوات النظام بقطع الاتصالات الأرضية عن قرى ومدن الريف الشمالي منذ خمسة أعوام، فيما كان القصف العنيف الذي يستهدف البلدات بشكل شبه يومي كفيلًا بأن يخرج أبراج التغطية عن الخدمة.

يوسف أبو يعقوب، الذي يعمل كناشط إعلامي، ويراسل وكالات عالمية، وبحكم عمله وحاجته الماسة للإنترنت ووسائل الاتصال، يشرح لعنب بلدي كيف ساهم التضييق وأعمال القتال في تعطيل الاتصالات، وكيف اعتمد هو وزملاؤه وعدد كبير من المواطنين في المنطقة على بدائل، “تعطلت شبكات الهاتف الأرضي منذ خمس سنوات، كما تعطلت كافة أبراج التغطية بسبب القصف الهمجي الذي استهدف البلدات بشكل شبه يومي، وهذا ما جعلنا نعتمد على الشبكات المتوفرة في البلدات المجاورة والواقعة تحت سيطرة النظام رغم الضعف الشديد الذي طال الشبكات، كما أننا لجأنا الى استخدام هواتف الثريا التي تعمل على الأقمار الصناعية، إضافة إلى الأنيمر سات واللاسلكيات”.

مقسم الهاتف وبجانبه برج الاتصالات الرئيسي في حي الوعر (عنب بلدي)

دخول أجهزة الإنترنت الفضائي إلى مناطق الريف كان أمرًا حاسمًا، وصب في صالح السكان المحاصرين رغم ارتفاع سعره، “كنا نقتني أجهزة الإنترنت الفضائي من نوع “2 way” بسعر حوالي 1100 دولار أمريكي، وبعد عامين انخفض سعرها إلى نحو 800 دولار، فيما بلغ سعر الجهاز من نوع “هيوز” نحو 1200 دولار، وبالرغم من غلاء أسعار الأجهزة إلا أن وجودها كان ضروريًا وحتميًا في ظل انقطاع شبه تام عن العالم الخارجي”.

ثلاثة مراصد تصل المؤسسات والناس ببعضها

تعتبر المراصد من أقوى التقنيات في الريف الشمالي، إذ قامت قوات المعارضة بتطويرها طيلة الأعوام الماضية كبديل لا بد منه، فتم تجهيزها العام الماضي بشكل شبه متكامل لتخدم كامل أنحاء الريف الحمصي.

وتعرّف المراصد بأنها مراكز اتصالات على شكل “غرف تحكم”، تغطي مناطق الريف الشمالي بأكمله، ويديرها مجموعة عناصر يتمركزون في أطراف كل منطقة، مهمتهم مراقبة حركة الطيران وتحديد أماكن استهدافها للمناطق، وتبليغ المراكز المسؤولة التي تحتوي على أجهزة ومحطات استقبال، كما يعتمد بعضها على المناظير، لرصد حركات قوات النظام العسكرية على الحواجز المتاخمة للقرى.

وتعتبر المراصد من أهم طرق التواصل الحديثة بين مقاتلي المعارضة على الجبهات، كما تحتوي على ترددات خاصة، مدنية وعسكرية، بحسب الناشط الإعلامي، مهند بكور، الذي يقول إن التنسيق بين قوات المعارضة يتم عن طريق المراصد الخاصة بالجبهات، “تحتوي منطقة الحولة مثلًا على ثلاثة مراصد تسمى بمرصد الـ44 و مرصد الـ72 ومرصد عقرب، وتحتوي هذه المراصد على أجهزة ومحطات مجهزة”.

برج اتصالات على سطح بناء في حي الوعر (عنب بلدي)

تشفير التواصل لمنع تنصت النظام

مهمة المراصد العسكرية، مراقبة تحركات قوات النظام وإبلاغ الجبهات بها، ومعرفة مراحل تقدم قوات النظام أثناء الاقتحامات، وعدد القوات، لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ويحتوي كل منزل في منطقة الحولة حاليًا على جهاز لا سلكي يمكّن المدنيين من التواصل فيما بينهم عبر ترددات خاصة، كما يرتبط اللاسلكي (القبضة) بأحد المراصد ويتم من خلاله تلقي معلومات تحذر المدنيين في حال القصف، وتعلمهم بوجوب أخذ الحيطة والحذر، كما تقوم أيضًا بالتواصل مع المؤسسات العاملة في المنطقة من خلال رموز خاصة تمتلكها كل منها، كفرق الدفاع المدني التي تقوم المراصد بتوجيهها لأماكن القصف المحددة، إضافة إلى إعلام المشافي الميدانية بوجوب استعدادها لتلقي جرحى الغارات والقصف، وتحديد مدى الإصابات لإحضار الأطباء المختصين.

تواجه المراصد صعوبات عديدة لمنع اختراقها من قبل قوات النظام، وتعتمد بشكل رئيسي على خطة “تبديل الترددات” باستمرار، منعًا لأي محاولة، ويعمل المرصد الواحد على 15 ترددًا مختلفًا، وفي حال سعت المعارضة للقيام بأي عمل عسكري، يعمد المرصد إلى استخدام ترددات “مشفرة” يصعب اختراقها، وتبدل سريعًا في حال الاختراق، كما يقول مدير أحد المراصد في الريف الشمالي.

صالات إنترنت 24 ساعة

إلى جانب المراصد، التي يقتصر عملها على التوعية والتحذير وتوجيه كوادر الإسعاف والخدمات العامة والفصائل العسكرية، انتشرت في الريف الشمالي صالات الإنترنت بكثرة في الآونة الاخيرة، حيث بلغ عدد المقاهي في الريف الشمالي نحو 150 مقهى، يتوزعون على كافة القرى والمدن.

أنور أبو الوليد، مراسل صحفي ميداني، قال لعنب بلدي “تمكنا من وضع حد لمشكلة الاتصالات عبر افتتاح مقاهي إنترنت خاصة (coffe net) تتوزع في قرى الريف الشمالي، وتحتوي هذه المقاهي على أجهزة إنترنت فضائي ومحطات تقوم بالتقاط الإشارة وبثها حسب استطاعتها، وتتمكن هذه الأجهزة من بث الإنترنت في الشوارع، ما يجعل التواصل متاحًا للجميع وبتكلفة غير باهظة، إذ لا يتجاوز سعر الغيغا بايت الواحد دولارًا واحدًا”.

وبحسب سكان ومواطنين في الريف الشمالي لمدينة حمص، فإن هذه الصالات خففت من الأعباء المادية التي كانوا قد واجهوها في أيام سابقة، في ظل ارتفاع تكلفة تفعيل أجهزة الإنترنت. يقول أحد المواطنين لعنب بلدي “كنا نضطر لدفع أموال طائلة كي نتمكن من الاستمرار في العمل، وهذا الأمر كان سيئًا للغاية ويكبدنا نفقات كبيرة، أما اليوم فنستطيع قضاء ساعات في المقهى دون تكلفة تذكر، كما أننا نستطيع إنجاز أعمالنا في أي وقت، فهذه المقاهي تعمل على مدى 24 ساعة، كما أنها مزودة بمولدات كهربائية وبطاريات لتعمل في وقت انقطاع الكهرباء”.

بث من إدلب إلى حمص

دخل جهاز “الإنترنت الضوئي” التركي إلى منطقة ريف حمص بعد عشرة أشهر من تحرير مدينة إدلب، والذي تبلغ سرعته 100 ميغا في الثانية الواحدة، فيما تبلغ سرعته في أسوأ الأحوال 20 ميغا في الثانية، وهو ما حفّز المواطنين على شرائه واقتنائه، بحسب خبير الاتصالات، محمد الكنج، الذي قال لعنب بلدي “يعتبر الجهاز الضوئي التركي من أفضل الأجهزة اليوم على الإطلاق، إذ يمتاز بسرعته وقلة تكلفته، ويبلغ سعر الغيغا الواحد دولار تقريبًا، ما يجعله الأرخص سعرًا والأفضل أداءً على الإطلاق، ويتكون الجهاز من جهاز (نانو) وجهاز مقسم، وصحن مستقبل، وصحن إرسال مقره إدلب، ويعتمد حجم الصحن على المساحة المراد تخديمها، إذ يكبر بكبرها ويصغر بصغرها”، مشيرًا إلى أن أهالي الريف اعتمدوا على هذا الجهاز كبديل عن كافة الأجهزة السابقة، مثل 2 way و”الدايركت”، كونه أقل تكلفة ويستطيع أي شخص متوسط الدخل اقتناءه في منزله، في وقت بلغ فيه سعر جهاز 2 way وجهاز الهيوز الفضائيين نحو 200 دولار للواحد.

ندرة أجهزة الحاسوب

توافر الإنترنت عبر الفايبر الضوئي من تركيا، ورخص تعرفة الاشتراك به، أطاح بأسعار أجهزة الإنترنت الفضائي الأخرى، وتزامن هذا مع توافر أجهزة الخلوي، وبكثرة، وبأسعار مقبولة، وبالنسبة لبقية الأجهزة والمعدات الأخرى، يبلغ سعر شريحة الموبايل (SIM) ألفي ليرة، فيما تندر أجهزة الحواسيب وقطع تبديلها، وفق أصحاب محلات لبيع أجهزة الاتصالات في الرستن.
ومنذ عام تقريبًا لم يتمكن التجار ولا المواطنون من إدخال أي جهاز كومبيوتر إلى منطقة الريف الشمالي، وهذا ما جعل السكان يستبدلون القطع التالفة بأخرى مأخوذة من أجهزة عاطلة عن العمل، لتتعطل هي الأخرى وتصبح الأجهزة خردة لا لزوم لها.

الاتصالات في حي الوعر الحمصي.. صعوبة في التواصل وغلاء في الأسعار

شهد حي الوعر، آخر معاقل المعارضة في مدينة حمص، تصعيدًا عسكريًا عنيفًا، وذلك منذ سنوات. ولم يستثن التصعيد، الذي استخدمت فيه كافة أنواع الأسلحة الثقيلة، أي شيء في المنطقة، حتى أبراج الاتصالات الخاصة بالحي، التي أدى استهدافها إلى خروج شبكة الاتصالات الرسمية عن الخدمة.

قطع الخطوط الأرضية

أوقف النظام كافة خدماته في حي الوعر في عام 2013، فأفرغ المؤسسات المهمة من محتوياتها، منها مؤسسة البريد والمقاسم، ومنع الموظفين الحكوميين من الدخول إليها، تزامنًا مع قطع خطوط الهواتف الأرضية عن المنطقة.

يقول مروان أصلان، أحد سكان الحي، لعنب بلدي، “أغلق النظام كافة المراكز الحكومية في الحي، وأهمها البريد، الذي يحوي مقسمًا خاصًا بالحي، كما أوقف خدمة الهواتف الأرضية عن كافة المنازل، ما فرض على المواطنين تبعات نفقات اقتصادية كبيرة، فاضطررنا للجوء إلى الهاتف الخلوي في كل مكالمة داخلية وخارجية”.

مكالمات على قارعة الطريق

استهداف الحي بالصواريخ والمدفعية الثقيلة كان كفيلاً بإخراج أبراج التغطية الخلوية هي الأخرى عن الخدمة، ما جعل من إجراء المكالمات داخل المنازل أمرًا بالغ الصعوبة، وأدى توقف أبراج التغطية إلى استحالة وصول الشبكة الخلوية إلى داخل المنازل، وبالتالي قطع السكان المحاصرين في الحي عن العالم.

ونتيجة لذلك، اعتاد أهالي الحي الخروج إلى الطرقات لإجراء مكالمات هاتفية، وبحسب محمد أبو سامر، أحد سكان الحي، “اضطررنا للجوء إلى الشوارع لإجراء مكالمة هاتفية ولتصفح الإنترنت وللتواصل مع أقربائنا في الخارج، لا توجد شبكة في البيوت، يقضي الناس أوقاتًا طويلة في الشارع ينتظرون الإشارة، علهم ينجحون في إجراء مكالمة أو إرسال مقطع صوتي لذويهم”.

ويقول أبو شام، أحد قاطني الحي، لعنب بلدي، إن إرسال صورة عبر الإنترنت إلى أهلي المقيمين في مدينة حماة استغرق أربع ساعات، رغم وجودي على أطراف الحي (حيث من المفترض أن تكون إشارة الشبكة الحكومية أقوى). وعن أسعار خدمات الاتصالات وخطوط الهاتف ضمن الحي المحاصر، قال “إن تأمين شرائح الهاتف (SIM) أمر صعب جدًا، إذ اضطررت لشرائها في الأسبوع الماضي بـ 15 ألف ليرة، بينما اقتنيت شريحة خاصة بالإنترنت بـ 12 ألف ليرة”.

بدائل “كاوية” لا بد منها

عملت قوات النظام على إبعاد حمص عن العالم الخارجي قدر الإمكان، وذلك لرمزيتها، عبر قطع شبكة الاتصال الخلوي عن المدينة أكثر من مرة، وهذا ما أجبر ناشطي الأحياء على إيجاد حلول بديلة تمكنهم من التواصل ونقل حقيقة ما يجري في أحيائهم.

يقول الناشط الإعلامي، جلال التلاوي، إن قيام النظام السوري بقطع الاتصالات في المنطقة قبل أي عملية انتهاك او اجتياح “هدفه إبعادنا عن العالم الخارجي، وقطع التواصل بيننا وبين الأحياء الأخرى لطلب المؤازرة، وقد أجبرنا على اقتناء أجهزة الإنترنت الفضائي لنقل الصورة للعالم”.

ويبلغ سعر جهاز الإنترنت الفضائي في الحي حاليًا 2500 دولار، بينما تبلغ أجور تفعيله 200 دولار.

يقول التلاوي “نضطر لدفع أموال طائلة، وهذا يشكل عبئًا ماليًا، فلا نستطيع إكمال عملنا باستخدام خطوط الإنترنت التابعة للنظام بسبب ضعف الشبكة واختفائها لفترات طويلة”.

وحول توفر أجهزة الاتصالات والهواتف في الحي وكيفية دخولها وإصلاحها، ومدى توفرها خلال هذه الفترة، أكد التلاوي شح هذه الأجهزة وعدم توفر قطع تبديل لها، وفي حال توفرها تكون أسعارها “كاوية”، إذ يبلغ سعر شاشات الحواسيب المحمولة، وسعر شاشة الهاتف النقال 150 دولارًا، فيما تتراوح أسعار قطع الغيار الصغيرة بين 50 إلى 100 دولار حسب القطعة وتوفرها أيضًا.

المجلس المحلي يؤسس شبكة أرضية

كان لشبكة الاتصالات الأرضية الداخلية، التي مدّها مجلس محافظة حمص في الحي، أثر إيجابي في سير الأعمال الخاصة بالفعاليات العاملة داخل الحي، وفي تحسين واقع الاتصالات، وهذا انعكس بالفائدة على السكان، كما يقول عبد السلام سويد، مدير المكتب الخدمي في المجلس المحلي.

وكان الهدف من تأسيس الشبكة، رفع سوية التواصل بين القطاعات الصحية والإسعافية، في حالة الطوارئ والأحوال العادية.
وبحسب سويد، “صنعت الشبكة الداخلية بوسائل فنية بسيطة وماتزال أعمال التطوير مستمرة، وقال “قمنا بصنع هذه الشبكة بمواد موجودة في الحي أساسًا كالمقسم والأسلاك كما نجحنا في هذا العمل بجهود كوادر وفنيين مختصين من الحي”.

 

درعا.. شلل الأبراج الخلوية وسرقة كابلات الهاتف على أيدي “لصوص”

تعرضت البنية التحتية في قطاع الاتصالات وما تحويه، من مقاسم وتحويلات وكابلات وعلب وأبراج تغطية هوائية، لدمار شبه كامل في درعا، إثر خروج معظم مدنها وبلداتها عن سيطرة النظام، إذ أصبحت الاستفادة منها أمرًا مستحيلًا، لكن وجود هذه المدن بالقرب من الشريط الحدودي بين سوريا والأردن خفف من وقع الكارثة، وجعل التواصل بين الناس ممكنًا “لكن بصعوبة بالغة” لم يعتدها المواطنون من قبل.

ففي محافظة درعا، التي يتقاسم كل من النظام والمعارضة السيطرة عليها، دمرت معظم مراكز الهاتف، ,أصبح 60% من علب الهاتف في الحارات والأزقة داخل البلدات غير صالح للعمل بسبب القذائف والبراميل المتفجرة.

أما بالنسبة للتمديدات الأرضية والشبكات المغذية، وهي الكابلات النحاسية الواصلة بين مراكز الهاتف الرئيسية وبيوت المشتركين، والكابلات الضوئية التي تربط بين المقاسم الرئيسية والعقدة الرئيسية في مركز المحافظة، فقد سرقت مادة النحاس منها بالكامل، وتضررت بشدة جراء أعمال القتال.
ويصف معتصم الجروان، مهندس اتصالات وموظف في مديرية اتصالات درعا سابقًا، أداء أبرج التغطية الخلوية التابعة للمشغلين الرئيسيين في سوريا بأنه “ضعيف” بسبب غياب الكهرباء، ورغم أن 60% من هذه الأبراج قيد الخدمة، كونها تتبع لشركات خاصة استثمرتها وعملت على صيانتها بشكل دوري، يرى المهندس أن انقطاع الكهرباء وعدم توفر طاقة بديلة مثل الديزل وغيرها في المناطق المحررة يجعل الاستفادة منها محدودًا.

ويؤكد الجروان أن ترميم المؤسسات الخاصة ومديريات ومراكز الاتصالات في المحافظة “صعب” خلال هذه الفترة، لأن 80% منها يحتاج إلى صيانة كاملة، و20% منها يحتاج إلى صيانة جزئية، وذلك بسبب الدمار الناجم عن القصف المباشر.

ويسوق الجروان مثالًا حول إصلاح مركز هاتف معطّل يحتاج إلى صيانة بالقول “يحتاج المركز إلى مقسم، والمقسم يحتاج خبراء لتركيبه، هذا إن توفر، فسعره مرتفع جدًا، ويجب على المقسم أن يرتبط بغرفة تجربة، وهذه الغرفة تحتاج إلى تجهيزات خاصة تربطه بوحدة الاتصال الضوئي ليرتبط بالأقسام الأخرى، وهذا غير ممكن الآن”.

أقسام ومراكز الهاتف في عموم درعا التي تسيطر عليها المعارضة تعرضت للدمار وخرجت عن الخدمة، وحرم المواطنون في تلك المنطقة من الاعتماد على الاتصالات السورية من أجل التواصل، وأبرزها بريد درعا البلد، حيث تجولت عنب بلدي بداخله وبدت واضحة آثار المعارك والحرائق التي نشبت داخله خلال عملية السيطرة عليه من قبل المعارضة.

لكن المواطنين بدؤوا بالبحث عن بدائل، وكان من حسن حظ من تبقى منهم في مناطق سيطرة المعارضة بدرعا، قربه من الحدود الأردنية، حيث تصل تغطية الشبكات الأردنية، بعدما فشلت الجهات الممثلة للمعارضة في إطلاق أي مشروع في المنطقة الجنوبية، سواء في درعا أو القنيطرة، قد يسهل تواصل السكان ويخفف من عبء التكاليف عليهم، بسبب عدم التماس المرونة من الجانب الأردني، “مثل الإخوة الأتراك”، وفق أحمد البوشي، مدير مشروع “هوانت”.

إنترنت أردني لا يفي بالغرض

لجأ معظم المواطنين في المناطق الجنوبية وفي ظل انقطاع شبكة الاتصالات الأرضية أو الخلوية إلى الاعتماد على الإنترنت القادم من خلف الحدود، لكنه وفق شهادات مواطنين وسكان محليين لا يلبي الحاجات الرئيسية ولا يتماشى مع دخول المواطنين، في ظل ارتفاع البطالة لمستويات قياسية وانعدام فرص العمل جراء الحرب.

صحن لاقط إشارة مثبت عليه مودم إنترنت (عنب بلدي)

ويشكو مواطنون من ارتفاع تكاليف الاتصالات الأردنية المستخدمة في سوريا، إذ يبلغ سعر خط السيرف الأردني 150 دولارًا، في حين لا يتعدى دخل المواطن شهريًا 30 ألف ليرة (قرابة 60 دولارًا)، ويبلغ سعر مستقبِل وموزع الإنترنت بين 25 و 35 دولارًا، كما يشكو الباعة والتجار من سوء بعض أنواع أجهزة الاتصالات، وهم لا يستطيعون استبدالها أو إعادتها إلى الشركة المصنعة، وهو ما يرتب عليهم تبعات مالية إضافية.

ويقول أحد التجار لعنب بلدي إن هناك صعوبات تواجههم بتوفير بطاقات الاتصالات والإنترنت الأردنية، فقد يستغرق أحيانًا إدخال خط سيرف من الأردن شهرًا كاملًا.

ويشير إلى أن “الاتصالات المحلية ضعيفة جدًا ويتم الاستعانة بخدمات شبكتي (أورانج) و(زين) الأردنيتين والشبكة الحكومية، ومع ذلك لا تؤدي هذه الخدمات الغرض المطلوب منها، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل كبير”.

أسعار “النت” في درعا ضعفا حلب وإدلب

كحال العديد من المدن السورية التي لا تتصل بالعالم عبر الشبكة الحكومية المركزية، برزت الحاجة إلى الإنترنت الفضائي أو الإنترنت القادم عبر البث الراديوي من مناطق أخرى بالاعتماد على مستقبلات وموزعات داخل المدن والأحياء في محاغظة درعا، لكن ورغم توفر هذه الخدمات إلا أن أسعارها ماتزال فوق قدرة المواطنين على الدفع، لكنها تبقى أرخص من شبكات “سيريتل” و”MTN”، كما يقول صاحب أحد المحلات لعنب بلدي.

في جولة على بعض محلات الإنترنت في درعا البلد للاطلاع على واقع الخدمات والأسعار، يتضح أن تكلفة الاشتراك بخدمة واحد غيغا إنترنت تبلغ حوالي 1500 ليرة شهريًا، وهي أعلى بنسبة ضعفين عن أسعار الخدمة في حلب وإدلب، والتي تبلغ نحو 500 ليرة لنفس الباقة.

ويبلغ سعر الباقة 2 غيغا ثلاثة آلاف ليرة، و 4 غيغا مفتوحة التحميل والسرعة نحو 4 إلى 5 آلاف ليرة.

“وصفة” لإطلاق مشاريع مرحلية بدرعا في ظل الحرب

لا يعتقد من التقيناهم من مهندسين، وخبراء محليين، وعمال سابقين في مؤسسات الاتصالات السورية العامة والخاصة، أنه بالإمكان القيام بأي خطوة في سبيل تذليل الصعوبات التي تعتري قطاع الاتصالات في درعا والمنطقة الجنوبية عمومًا، إذ لا يمكن جلب مقاسم وتركيبها، ولا يمكن إطلاق أي مشروع تابع لجهة أجنبية، ومن المستحيل إقناع أي مستثمر سوري أو غير سوري بجدوى مشروع اتصالات خلال هذه الفترة، ما لم تتوقف الحرب بشكل كامل، إذ لا توجد جهات مستعدة للمغامرة وضخ الأموال تحت وقع القذائف، وهذا ما يحسبه المستثمرون بعمق.

ويرى المهندس الجروان، أنه ورغم وجود هدنة حالية بين قوات المعارضة والنظام السوري في الجنوب السوري، لا يمكن البدء بأي خطوة في سبيل تركيب خطوط جديدة أو إصلاح مقاسم، لأن الهدنة “لن تستمر”، وقد خبر السكان، ومعهم التجار، النظام خلال الهدن السابقة، وما جرى بعدها من أعمل قصف وتدمير، أضف إلى ذلك عدم وجود جهات داعمة للمشاريع، وعدم وجود خبراء وموظفين أكفاء.
وما يمكن القيام به، على حد قوله، “مشاريع مصغرة بمساحة محدودة على مستوى القرى، كل قرية على حدة، لكن القصف الشديد على المناطق المحررة، يبقى العائق الأكبر لاتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، وهذا سيجعل محافظة درعا والمنطقة الجنوبية تعيش في واقع مرير خلال الفترة القادمة”.

شبكات الخلوي الإسرائيلية تغطي جنوب سوريا.. كيف تدخل؟

إلى الغرب من محافظة درعا وقرب الجولان المحتل، بإمكان أجهزة الهاتف المحمول التقاط شبكة الخلوي الإسرائيلية، وأمام قطع النظام للشبكة السورية الرسمية، الأرضية أو الخلوية، وبسبب أعمال القتال في المنطقة وتخريب البنية التحتية، سرت أنباء عن استخدام سكان تلك المناطق للشبكات الإسرائيلية من أجل التواصل، لكن نظرًا لصعوبة الوصول إلى المنطقة والتحقق من ذلك، جمعت عنب بلدي شهادات من سكان محليين قالوا إنهم يستخدمون هذه الشبكات ويدفعون لقاء ذلك مبالغ مالية ليست بالقليلة أيضًا، أسوة بباقي المناطق السورية المحرومة من الاتصالات المركزية والمحلية.

وقال أحد المواطنين (رفض الكشف عن اسمه) “لدينا شبكتان بشكل رئيسي تصل تغطيتهما من إسرائيل، وتغطيان حوض اليرموك، والعديد من مناطق محافظة القنيطرة التي لا تصلها الشبكة الأردنية”.

لاقط إشارة اتصالات هوائي على سطح منزل في درعا البلد (عنب بلدي)

وقال المواطن إن الشبكات التي يستخدمها السكان هي “أورانج” و “سيلكوم”، مشيرًا إلى أن معظم السكان يستخدمون شبكة “أورانج” رغم العروض المغرية التي تقدمها شركة “سيليكوم”.

وأضاف “نشتري الخط الجديد من شركة أورانج بسعر 100 دولار معبأ لمدة شهر، يتم شحنه شهريًا بحوالي 50 دولارًا، يعطي 20 غيغا بايت إنترنت بسرعة عالية جدًا”.

تصل التغطية إلى المنطقة من الأبراج الإسرائيلية الموجودة في الجولان المحتل والطرف الآخر من الحدود مع فلسطين، ويعتمد من لا تصله الإشارة بشكل جيد على تركيب أجهزة تقوية، وهذا وفّر الكثير على السكان وجعلهم يستغنون عن الإنترنت الفضائي.

وحول طريقة التعبئة والحصول على الخطوط الجديدة والعروض من إسرائيل وكيف تصل إلى المنطقة؟ قال مواطن من المنطقة “الذي أعرفه حول الموضوع أن الجرحى الذين عولجوا في إسرائيل أحضروا بطاقات وخطوط اتصالات، وهناك من يعمل في التهريب ويحضرها إلى سوريا، وأحيانًا هناك أشخاص من المنطقة لهم معارف ويتعاونون مع عرب فلسطين”.

ويعتقد الرجل أن إسرائيل تعرف بذلك وتسمح به لأنه يتيح لها مراقبة ما يحدث في الجانب الآخر من الحدود.

العقوبات على النظام تقيّد الشبكة في الحسكة
ضرائب على السكان وخدمة حكومية سيئة بسبب “الفلتان الأمني”

تعرضت الاتصالات السورية العامة والخاصة، الثابتة والمحمولة، في محافظة الحسكة والمنطقة الشرقية لانتكاسات عديدة خلال الثورة السورية، فخرج قسم كبير من أبراج الشبكة عن الخدمة نتيجة استهدافها من قبل القوات العسكرية المتصارعة على الأرض.

عبد المجيد ياسر، مهندس اتصالات من مديرية اتصالات الحسكة، أوضح لعنب بلدي جانبًا من المعاناة التي تعانيها مؤسسات النظام في المحافظة للإبقاء على خدمة الاتصالات في المنطقة، فالعقوبات الأوروبية والأمريكية حرمت حكومة دمشق من استيراد الأجهزة والمعدات اللازمة لتطوير هذا القطاع، كما أن تراجع الإيرادات الحكومية ثبط من عزيمة وزارة الاتصالات والجهات الرسمية في تطوير هذا القطاع، بسبب المبالغ الباهظة التي يحتاجها. فالأجهزة الإلكترونية التي كانت تستوردها الوزارة من اليابان والصين وباقي الدول تم توقيفها منذ بداية الثورة السورية، وحاليًا توجد العشرات من الأبراج الهوائية في مناطق تل حميس، والهول، والطرطب، والجرمز، خرجت عن الخدمة وتعرضت للسرقة، وهناك مناطق واسعة من المحافظة لا توجد فيها خدمة هاتف ثابت (أرضي)، باستثناء المدن الكبرى كالحسكة والقامشلي والرميلان.

ومع سوء خدمة الهاتف الثابت، والأعطال المتكررة في المناطق ضمن الخدمة الحكومية، ازدادت نقمة الأهالي بسبب الضرائب التي تفرضها مديرية الاتصالات والفروع التابعة لها على مشتركي الهاتف، فالمواطن خلف حسين نوري، من سكان مدينة الحسكة، يقيم في منطقة ماتزال خدمة الهاتف الثابث فعالة فيها، وتجبي الدوائر الرسمية فيها قيمة الفواتير، لكن أعطال الهاتف الثابت “لا تنتهي” هناك، فلا يمضي أسبوع بدون أن يتعطل هاتفه، وعند الاتصال بورشات الصيانة، ترفض العمل والإصلاح تحت حجج “الفلتان الأمني”.

يقول خلف “تفرض مديرية الاتصالات التابعة للنظام السوري كل شهر ضرائب على أصحاب الهواتف، وتزيد من قيمة الفواتير تلقائيًا، وهذا يثير نقمة مالكي الخط الثابت ويدفعهم للتخلي عنه”.

رواتب موظفي الاتصالات من جيوب المواطنين

وفي سياق خدمة الهاتف الثابت في محافظة الحسكة قالت روهات محمد، العاملة السابقة في قسم تنظيم الفواتير في مديرية اتصالات الحسكة، إن “رواتب العاملين في المديرية تقتطع من فواتير المواطنين أصحاب الهواتف، لذلك كان قرار محافظ الحسكة ومدير الاتصالات عام 2014، القاضي بزيادة قيمة فواتير المواطنين تلقائيًا حتى لو لم يستعمل الهاتف، وفرض ضرائب إضافية عليه لتتمكن المديرية من تغطية رواتب العاملين فيها”.

ومع سوء خدمة الاتصالات السورية على اختلاف أنواعها في عموم الجزيرة السورية، بات اعتماد الأهالي على الخطوط العراقية والتركية، كوسيلة للتواصل مع الأهل سواء في الداخل أو الخارج أساسيًا.

مبيعات البطاقات التركية والعراقية ترتفع

خولة رشيد شهاب، تعمل في مجال بيع وشراء أجهزة الخلوي، وتملك مقهى إنترنت في مدينة القامشلي، تؤكد لعنب بلدي أن أهالي المدينة يعتمدون حاليًا على الخطوط التركية في التواصل سواء الإنترنت أو المكالمات الهاتفية عبر الموبايل، لقرب المدينة من الحدود التركية والعراقية، وتقول “الإنترنت أفضل وسيلة للتواصل في الوقت الحالي”، وتصف الإقبال على شراء الخطوط التركية والعراقية بـ “الشديد”، بسبب رغبة الأهالي بالتواصل مع ذويهم خارج سوريا، بعد أن هاجر نصف سكان المنطقة، على حد قولها.

وتضيف “نستورد نحن أصحاب المحلات خطوط الهاتف والإنترنت بالتعاون مع التجار، ونبيعها للمواطنين بسعر 10 آلاف ليرة سورية للشريحة الواحدة”، مشيرةً إلى أن المقهى الذي تديره يشهد كثافة يومية في الإقبال، وتصف مبيعاتها اليومية من خطوط الاتصالات التركية لمشغلي “فودافون” و”تركسل” بالمرتفعة، وتضيف “مبيعاتي في المحل من رصيد الإنترنت والموبايل تبلغ نحو 400 ألف ليرة سورية”.

شركة عراقية على أراضي سوريا

مناطق جنوبي الحسكة، وبالتحديد قرى تل علو، وتل كوجر، والسويدات الفوقاني والتحتاتي، وبعد انقطاع الهاتف الخلوي لمدة سنة كاملة، ما بين 2013 و2014، بات سكانها يستخدمون على نطاق واسع الخطوط العراقية كطريقة بديلة للهاتف الخلوي السوري، ونتيجة لذلك تشجّع مهندس الاتصالات، جوان محمد شيخموس، وطلب التواصل مع شركة “كورك” العراقية للاتصالات، ومقرها إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، بهدف تركيب برج لتقوية شبكة الشركة في جبل “قراه تشوك” السورية لتوسيع خدمة الشبكة العراقية، كون المنطقة لا تصلها خدمة الشبكة التركية، ولا تغطى بالإنترنت والاتصالات بشكل كاف.

واعتبر محمد أنه في حال موافقة الشركة على تركيب البرج، فإن هذا سيخدم منطقة المالكية ومعبدة ورميلان، وسيكون خطوة ممتازة بالنسبة لمواطني المنطقة.

الغوطة الشرقية.. صحون وطناجر لاستجرار إشارات البث من دمشق

انتعاش تجارة الأنفاق وتحوّل الاتصالات إلى باب للمعيشة

واقع الاتصالات في المناطق المحاصرة يختلف كثيرًا عن بقية مناطق سوريا، وخاصة الحدودية، سواء شمال أو جنوب سوريا. ففي الغوطة الشرقية لدمشق يمكن أن تنفق راتب شهر كامل (30 ألف ليرة)، وهو متوسط الأجور في سوريا حاليًا، وربما أكثر، لتستخدم 1 ميغا إنترنت فقط، حيث ساهم الحصار المطبق الذي تنفذه قوات النظام في منع وسائل التواصل وخلق وضعًا جعل تواصل السكان المحاصرين مع العالم الخارجي صعبًا للغاية. لكن السكان وجدوا بالأدوات البدائية سبيلًا للتواصل مع أقرانهم خارج مساحة الـ110 كم، وهي مساحة غوطة دمشق.

هنا تحضر الطناجر، والصحون والكابلات البدائية، و”البثاثات” (جمع لأداة تبث الإشارة)، ويغيب الخبراء والمهندسون المتخصصون ومعهم المشاريع النوعية، التي دأب العالم على اعتمادها، لكن للحرب وظروف الصراع كلام آخر.

مهند النعسان، فني صيانة إلكترونيات، يعتبر الاتصالات بأهمية “الأكل والشرب”، ومن دونها لا يمكن أن يؤمّن قوت عياله. اضطر، كما يقول لعنب بلدي، إلى إيجاد بدائل عن الإنترنت الذي قطعه النظام السوري، فبحث أولًا عن مواد تنقل الإشارة من أماكن مرتفعة في الغوطة المحاصرة إلى الشوارع والأحياء في الأسفل، وجلب مقويات إشارة وركبها على صحون وطناجر توضع على الأسطحة، فنقلت هذه المقويات واللواقط والناقلات المثبتة على الصحون الإشارة من أماكن وجودها في الأبراج تحت سيطرة النظام بدمشق التي تبعد نحو 20 كم، إلى داخل المناطق المحاصرة ووضعها بالاستخدام المحلي، وبالتالي وفر الإنترنت بجودة متوسطة تفي بالغرض عند الحد الأدنى على حد قوله.

ويعزو النعسان سبب لجوئه إلى هذه الطريقة “المتعبة والمجهدة” إلى انقطاع البدائل وغياب جهود الحكومة السورية المؤقتة.
لكن وزير الاتصالات في الحكومة المؤقتة، ياسين النجار، أكد لعنب بلدي أن الوزارة سعت خلال الفترة الماضية إلى وضع مخططات وعملت على تنفيذ مشاريع توصل الاتصالات إلى السكان في المناطق المحاصرة، لكن ضعف التمويل وقطع الدعم لم يمكنها من الاستمرار.

أكسسوارات أجهزة موبايل ضمن محل تجاري في الغوطة الشرقية (عنب بلدي)

في حين يرى أكثر من بائع، التقتهم عنب بلدي، أن أكبر مشكلة تواجه قطاع الاتصالات في الغوطة وعموم المناطق المحررة بريف دمشق هي عدم وجود قطع الصيانة اللازمة، وعدم ضمانة جودة الأجهزة التي تورد عبر التجار، إذ لا يوجد مفهوم “خدمة ما بعد البيع”، فضلًا عن تزايد الأسعار على مؤشر الليرة والدولار.

أيام بلا اتصالات.. تحت رحمة النظام

الطريقة التي يصل فيها الإنترنت ومعدات التواصل، سواء للأغراض الشخصية أو الأعمال إلى الغوطة، “شبه خيالية”، وعندما تتحسن الشبكات يلجأ النظام من دمشق إلى إضعاف البث، فيبقى السكان أيامًا عديدة بلا اتصال، كما يقول علي اللحام، بائع أجهزة اتصالات ومزودات إنترنت.

ويضيف “هناك بديل عن الخدمات التي نأخذها من جهة النظام، يعتمدها الإعلاميون والهيئات الإغاثية، وهي الإنترنت الفضائي عبر الأقمار الصناعية، لكن المواطن العادي غير قادر على استخدامها، وهناك من اشترى هذه الأجهزة وأصبح مقصدًا لمواطنين عاديين يستخدمون الإنترنت بعد أن حوله إلى باب للاستثمار وفرصة للعيش”.

محمد الصلاحي، تاجر أجهزة اتصالات وتوابعها، يؤكد أن الأسعار دائمًا ترتفع أضعافًا في الغوطة بعد أن يتم إدخال الأجهزة عبر المهربين أحيانًا، و”أزلام” النظام أحيانًا أخرى، واصفًا حالة الإقبال على شراء تجهيزات الاتصالات في عموم الغوطة بالضعيفة بسبب الحالة المادية المزرية للسكان.

الحاجة أم الاختراع..

أبراج التغطية والمقاسم.. هياكل وكتل إسمنتية لا قيمة لها

أنهى النظام السوري آمال أهالي الغوطة الشرقية بإمكانية الاستفادة من المقاسم الهاتفية وأبراج البث المثبتة في البلدات والمدن، عبر قطع الإشارات عنها من مركز العاصمة دمشق، فأصبحت هذه الكتل الحيوية بلا فائدة، ثم جاء الطيران في مرحلة لاحقة ليدمرها بالكامل.

ورغم ذلك حاول المهندسون والمواطنون الاستفادة من شبكة الكابلات في الغوطة، وحاولوا جلب مقاسم صغيرة لربط المرافق العامة بين بعضها داخل المدن، ولتشمل الخدمات المرافق الضرورية فقط، مثل الشرطة والقضاء والمجالس المحلية.
المهندس موفق حجازي، من قسم الطاقات البديلة والاتصالات في المجلس المحلي لمدينة دوما، يقول لعنب بلدي “لا غنى لنا عن الاتصالات السلكية، فهي توفر علينا الكثير من التنقلات والوقود والتكاليف وغيرها”.

ويرى حجازي، أنّ هناك إمكانية لتحسين الوضع الحالي، لأن “الحاجة أم الاختراع”، حيث تمت الاستعاضة عن اتصالات حكومة النظام بحلول “بدائية” و”قاصرة”، تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات، فمثلًا “تم توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لشحن المقاسم من المولدات، وركبت عنفات طاقة شمسية على بعض السواقي في الغوطة، كما ونسعى لزيادة عدد المقاسم الصغيرة لتخديم المرافق العامة، ولتعزيز التواصل أكثر بين المواطنين”.

كابل كهربائي ومعدات اتصالات في مدينة دوما (عنب بلدي)

“بصراحة لدينا دراسات للمجلس المحلي حول حاجة مدينة دوما للاتصالات والكهرباء، الآن لا يوجد في الغوطة مقاسم كبيرة تخدم آلاف الخطوط، ونحاول تأمينها وفي حال تأمنت سنكون قد حققنا خطوات كبيرة”.

تجارة الأنفاق

أما الموظف سالم حبوش، فيقول “أحتاج لوسائل اتصال في الغوطة للتواصل مع الأهل والأصدقاء والعالم الخارجي، لكن النظام قطع عنا هذه الخدمة من أكثر من أربع سنوات وتم استهداف مركز البريد والأبراج بالغارات وتم تدميرها بشكل كامل”.

وقد كان لوجود الأنفاق، التي تربط الغوطة الشرقية بالعالم المحيط، دور في كسر هذا الحصار، حيث تم إدخال بعض المعدات التقنية لسحب إشارات الإنترنت والهاتف النقال من مناطق النظام، فتوفرت في الأسواق مقويات الإشارة وأجهزة الإنترنت الفضائي، لكن استعمال الأخير اقتصر على المؤسسات والمراسلين لوكالات الأنباء العالمية بسبب الرسوم الباهظة.

ويبلغ سعر مقويات الشبكة التي تدخل عبر الأنفاق إلى بلدات الغوطة بين 400 إلى 500 دولار، ويمكن أن يصل سعر خط السيرف مع المودم (سيريتل أو MTN) إلى 500 دولار، علمًا أن سعره في دمشق لا يتجاوز 500 ليرة، وعادة ما يتضاعف سعر أي منتج، سواء هاتف نقال أو جهاز حاسوب، بمجرد عرضه للبيع في الغوطة الشرقية، فجهاز الموبايل الذي يبلغ سعره 400 دولار في دمشق يقفز حين يصل للغوطة إلى 600 دولار، أما جهاز الإنترنت الفضائي فيصل سعره حاليًا إلى 1500 دولار، وذلك حسب الناقل والشاحن، علمًا أن سعره وصل في بعض الأحيان إلى تسعة آلاف دولار.

وكنتيجة لهذا الواقع وفي مسعى من الأهالي وبعض المهتمين لتوفير الاتصالات في الغوطة، افتتحت في الآونة الأخيرة بعض مقاهي الإنترنت “الشعبية”، لكنها لا تلبي الغرض بسبب بطء الإنترنت وكثافة في عدد المستخدمين.

حكومة النظام ترفع أسعار الاتصالات على جرعات تحت ضغط شركات الخلوي

كجزء من سياسة رفع أسعار الخدمات والمواد الأساسية التي تبنتها حكومات النظام منذ اندلاع الثورة لتغطية العجز، شكلت شركات الاتصالات السورية الخاصة (MTN وسيريتل) “لوبي” هدفه الضغط على الحكومة من أجل رفع الأسعار، إذ لم تعد الخدمات المقدمة ذات جدوى في ظل تدهور الليرة وتراجع الطاقات التشغيلية، بعد أن خسرت MTN نحو 60% من أبراج التغطية الخلوية على امتداد سوريا وفي معظم مناطق الاضطرابات وفق ما كشفت عنه الميزانيات التشغيلية للعام 2015، والتي راجعتها عنب بلدي.

أما شركة سيريتل، والتي كشفت عبر بياناتها المالية للعام 2015 أنها “رغم الحرب استمرت بتقديم الخدمات بأعلى جودة وركزت على التنوع والابتكار وضبطت المصاريف التشغيلية واتخذت إجراءات التحوط الفعالة لمواجهة المخاطر التي تحيط بالشركة، وحققت نموًا ملحوظًا قدره 28% مقارنة مع العام 2014”، بعد أن كانت معدلات الأرباح أكثر من 50% خلال سنوات ما قبل العام 2011.
تكشف النتائج المالية لشركة “MTN” سوريا للعام 2015 عن تحقيق أرباح قيمتها 3.8 مليار ليرة، في حين حققت “سيريتل” أرباحًا قيمتها 22 مليار ليرة لنفس الفترة.

وعليه لبّت المؤسسة العامة للاتصالات نداء الشركات وطلبات رفع الأسعار، وقررت العام 2015 رفع أجور مكالمات الخلوي في سوريا بنسبة 20%، وأصبح سعر المكالمة للدقيقة الواحدة للخطوط لاحقة الدفع من خلوي إلى خلوي 6.5 ليرة سورية بعد أن كان 5 ليرات، وأصبح سعر الدقيقة من خلوي إلى هاتف أرضي 9.5 ليرة.

وبالنسبة للخطوط مسبقة الدفع، فأصبح سعر المكالمة للدقيقة الواحدة 9.5 ليرة بعد أن كان 7.5 ليرة من خلوي إلى آخر، و لتصبح 12 ليرة من خلوي إلى هاتف أرضي.

وبررت وزارة الاتصالات والتقانة قرارات رفع الأسعار، بأن الشركتين تكبدتا خسائر كبيرة بعد فقدان عدد كبير من أبراج التغطية، كما أنهما اضطرتا إلى زيادة الأجور والرواتب للحفاظ على العاملين المؤهلين لديهم، إضافة إلى التأثر بالأزمة الاقتصادية في سوريا.
وجاء قرار رفع الأسعار، بعد أن ربحت شركة سيريتل خلال النصف الاول مع عام 2014 نحو 34.172 مليار ليرة سورية مقابل 26.288 مليار ليرة خلال الفترة نفسها من عام 2013.

أما شركة “MTN” فكانت إيراداتها خلال الأشهر التسعة الأولى من 2014 نحو 39.781 مليار ليرة مقابل 30.868 مليار ليرة من الفترة نفسها خلال عام 2013، أي بربح إضافي قدره 2.682 مليار ليرة.

رفع الأسعار بمقدار الضعف في عام 2016

مطلع العام 2016، أعلنت وزارة الاتصالات والتقانة التابعة للنظام، عن رفع أسعار بعض خدمات الاتصالات الخلوية من جديد وطبقتها أول حزيران الماضي.

وحددت الشركات سعر دقيقة الاتصال من الخط اللاحق الدفع إلى خلوي بـ 11 ليرة سورية بدلًا من 6.5 ليرة، وسعر الدقيقة من الخط مسبق الدفع إلى خلوي بـ 13 ليرة بدلا من 9 ليرات، وخدمة 3G لخطوط مسبقة ولاحقة الدفع بـ 11 ليرة لكل ميغابايت بدلا من 6 ليرات.

وأصبحت تكلفة 3G للخطوط لاحقة الدفع والبطاقات مسبقة الدفع 11 ليرة سورية لكل 1 ميغا بايت.

وزير الاتصالات والتقانة في حكومة النظام، محمد غازى الجلالي، قال في معرض تبريره لرفع الأسعار بهذا المقدار، “إن الشركات المشغلة رفعت طلبًا بزيادة الأسعار، وتمت دراسة الطلب من قبل الهيئة ورفعته بدورها للجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء الذي وافق على زيادة أسعار خدمات الاتصالات الخلوية بما يحقق التوازن بين مصالح المستخدمين والشركات”، وعزا مرة أخرى ارتفاع الأسعار من جديد إلى ارتفاع نفقات شركات الخلوي، وخاصة أنها استثمرات بالطاقات المتجددة، كما تعرض جزء كبير من شبكاتها للتخريب واضطرت لتجديدها، إضافة إلى كون نفقاتها بالقطع الأجنبي، بينما إيراداتها بالليرة السورية، وبالتالي أصبح من الصعب الموازنة بين النفقات والإيرادات.

ورأى الوزير الجلالي أن زيادة الأسعار ليست كبيرة ولا تتجاوز 20% بالنسبة لمشتركي الخطوط مسبقة الدفع.

 

بسبب ضخامتها.. توقف عداد خسائر قطاع الاتصالات السوري

حتى بداية العام 2014، كانت وزارة الاتصالات والتقانة في حكومة النظام، تحصي خسائر قطاع الاتصالات العام والخاص، ووفق آخر الأرقام المعلنة وصلت الخسائر لغاية الربع الأول من العام 2014 إلى نحو 30 مليار ليرة سورية، لكن الوزارة يبدو أنها توقفت عن الإحصاء بسبب حجم الخسائر وعدم توفر الكوادر واشتداد وقع المعارك.

إذ أوضح وزير الاتصالات والتقانة محمد الجلالي في أيار الماضي لصحيفة الوطن المقربة من النظام، “أن الخسائر غير المباشرة للوزارة كبيرة لا يمكن في الوقت الراهن تقديرها، عبر القيم الدفترية لأن الخسائر غير المباشرة كبيرة بسبب خسارة الكثير من مشاريع الاستثمار في هذا المجال”.

لكن أرقام الوزارة، والتي تعود للعام 2014 وهي آخر إحصائيات منشورة حول حجم الخسائر وتوزعها، تدل على أن قيمة الأضرار المباشرة في الشركة السورية للاتصالات بلغت 15.2 مليار ليرة، في حين بلغت الأضرار غير المباشرة للشركة أكثر من 15 مليار ليرة، ووصلت قيمة الخسائر في المؤسسة العامة للبريد إلى أكثر من 2.2 مليار ليرة، إضافة إلى 21 مليون ليرة قيمة أضرار الهيئة العامة للاستشعار عن بعد.

برج الاتصالات الرئيسي في حي الوعر – حمص (عنب بلدي)

وبحسب الأرقام، فقد وصلت قيمة الخسائر التي لحقت بالإدارة المركزية للوزارة إلى أكثر من 40 مليون ليرة، ووصلت كلفة الأضرار التي تكبدتها الهيئة العامة لخدمات الاتصالات اللاسلكية إلى أكثر من 493 مليون ليرة، في وقت أعلن فيه المدير العام للشركة السورية للاتصالات، بكر بكر، أن عدد المشتركين الخارجين عن الخدمة بلغ أكثر من مليون مواطن، من أصل 4.5 ملايين منذ العام 2011.

وأعلن بكر أن الدول المجاورة خالفت جميع الاتفاقيات المعقودة بينها وبين سوريا برفع تغطية أبراجها على الحدود ما دفع بالكثير من السوريين إلى استخدام شرائح غير سورية، وهذا “مخالف للقانون”، على حد قوله.

مقابلة خاصة:

العسكر “يشوشون” على وزارة الاتصالات ويعرقلون مشاريعها

وزير الاتصالات السابق: رفضتنا الفصائل العسكرية لأسباب نفسية

لم يقتصر قطاع الاتصالات في سوريا المحررة على إطلاق مشروع “هوا نت” في الشمال السوري، بل إن المشروع جاء متأخرًا، على ما يقول وزير الاتصالات والخدمات السابق في الحكومة السورية المؤقتة، ياسين نجار، لعنب بلدي، في حوار “مكاشفة” وسبر لما قامت به وزارته، التي انتهت مع ولادة حكومة، جواد أبو حطب، “فالوزارة من قبل مشروع الإنترنت الوحيد أعادت الحياة إلى 60 مقسمًا في المناطق المحررة ومن أصل 726 مقسمًا في عموم سوريا، عبر إصلاحها وتخديمها من حلب إلى الرقة وصولًا إلى البوكمال ودير الزور، بجهود نحو 134 موظفًا هو عدد كوادر الوزارة في الداخل السوري”.

وزير الاتصالات والبينة التحتية السابق، ياسين النجار (عنب بلدي)

ويرى الوزير أن المستوى المتطور في العمل خلال حقبة التطور والازدهار أدى إلى استقطاب المزيد من الكفاءات على مستويات إدارية عليا من مؤسسات الاتصالات التي ماتزال تحت سيطرة النظام.

انتقال للربحية .. لم ينجح

خلال سنوات عملها في الشمال السوري، ومعظم الجغرافيا السورية كوزارة خدمات واتصالات، حاولت الوزارة الانتقال تدريجيًا من المستوى “الخدماتي المجاني” إلى المأجور، وهذا لم يكن سهلًا بطبيعة الحال، بحسب الوزير النجار، وذلك بسبب الضغوط المالية الشديدة التي يعيشها المواطنون في الداخل.

لكن المشكلة الكبيرة التي واجهت الوزارة هي “عدم تفهم بعض القوى العسكرية لأهمية هذا القطاع الاستراتيجية، وامتناع عدد من القوى والفصائل على الأرض عن التعامل مع الحكومة المؤقتة، وهذا شكل عائقًا وخاصة بعد تحرير مدينة إدلب”.

وكان لدى هذه القوى “شعور نفسي” بأن من الضروري لها الدخول في قطاع الخدمات، ولا مانع أن تعمل في المجال العسكري والخدمي في آن معًا، وهي رغبة اشتركت بها فصائل عسكرية أخرى في حلب إبان التحرير.
وقد خلق انتشار السلاح وتوزع القوى العسكرية وغياب الهياكل الإدارية الناظمة صعوبات بالتعامل مع الكوادر الإدارية التابعة للوزارة، وقال “الموظف يطلب منه فجأة الخروج من منطقة ما أو يجبر على إغلاق المقسم الفلاني لدواع أمنية وهذا انعكس سلبًا على أداء الوزارة”.

يعترف النجار أن المنحنى البياني لأداء الوزارة في المناطق المحررة كان صاعدًا منذ تأسيس الحكومة، وبعد تحرير إدلب عاد وانتكس، وزادت المشكلة بعد توقف التمويل وتوقف الدعم، وزاد من الصعوبات استمرار القصف والتدمير الممنهج للمناطق والمؤسسات.

علمًا أن خدمات الوزارة طالت نحو ثلاثة ملايين سوري في المناطق المحررة، وفق النجار، ووصلت خدماتها إلى دير الزور والبوكمال والرقة، قبل أن يسيطر عليها تنظيم “الدولة”، عبر إصلاح المقاسم والكابلات ومد الخطوط وغيرها، لكن سيطرة التنظيم شكلت “ضربة كبيرة” للحكومة والوزارة معًا.

مقاطعة دولية للوزارة

يعتبر نجار أن قطاع الاتصالات في سوريا المحررة لم يكن جاذبًا للمنظمات الدولية والجهات الداعمة، فالمنظمات تركض وراء دعم الصحة والتعليم، وهذا جزء من عملية تسويق بالنسبة لها أمام دولها ومواطني هذه الدول، “إذ إن الوزارة قدمت الكثير من الخطط لمشاريع داخل سوريا، جوبهت بالرفض ولم تحصل على دعم”.

وبحسب الوزير “هناك منظمات رفضت دعمنا مباشرة، ثم أسست منظمات أهلية وجهات داخل سوريا وقدمت لها الدعم المباشر، ورفضت التعامل معنا” مشيرًا في الوقت نفسه إلى وجود “قرار سياسي بعدم دعم الحكومة المؤقتة”.

سوريا كأفغانستان وليبيا

 

تشبه الحالة السورية حاليًا، على صعيد الخدمات والبنية التحتية ومنها الاتصالات، التجربة الأفغانية، وعربيًا التجربة الليبية، هناك قوى عسكرية متعددة الولاءات ومتفاوتة القوة خاضت حروبًا طويلة، وبحسب الوزير “ما نحتاج إليه الآن هو جلسات مكاشفة بين الحكومة الحالية والقوى العسكرية وبناء جسور ثقة حقيقية وليست مجرد علاقات بروتوكولية.. فبدون جسم سياسي مندمج مع العسكري لن يكون هناك أي نجاحات في المناطق المحررة، وفي الخارج أيضًا”.

ويدعو النجار إلى تشكيل مؤسسة وطنية يتعامل فيها المدني مع العسكري من أجل تحقيق قفزات ونمو في مناطق سيطرة المعارضة، ويشير إلى أن العملية “تكاملية” ويجب دمج القرار السياسي مع العسكري للمرحلة المقبلة، “وهنا مطلوب التوحد أكثر من أي وقت آخر”.

وصل إلى الحكومة المؤقتة 50 مليون يورو، كان نصيب وزارة الاتصالات والخدمات مليوني دولار فقط (ما يعادل 1.8 مليون يورو)

غياب عن الجنوب وتركّز في الشمال

يعزو الوزير سبب الغياب عن المناطق الجنوبية في درعا والقنيطرة إلى عوامل جغرافية وعسكرية منها “تقطيع المنطقة”، وبالتالي أصبحت هناك صعوبة في التحرك وإقامة مشاريع وما إلى هنالك.

كما أن وجود الحكومة في تركيا جعلها أقرب إلى حلب والشمال عمومًا من المناطق الجنوبية، علمًا أن الوزارة طرحت أول مشاريعها الخدمية في المنطقة الجنوبية عبر شق طريق جديدة بين منطقتين حيويتين في درعا، إلا أن ضعف التمويل والأعمال العسكرية والتغييرات على الأرض حالت دون الانطلاق بقوة. كما كان للحكومة عدة مشاريع في الغوطتين بريف دمشق لكن قلة التمويل وتوقفه المفاجئ أوقفها، وقد عملت الوزارة على إصلاح المقاسم، لكنها كانت مدمرة بشكل كامل، ولا توجد معدات ولا أجهزة في المقاسم، فضلًا عن النقص الحاد في توفر الخبرات من مهندسين وفنيين.

دور إشرافي وخروج من التفاصيل

يعتب الوزير على الجهات الدولية والمنظمات الداعمة ويحملها مسؤولية عدم استمرار مشاريع وزارة الاتصالات وتطويرها، وهو يثق بالحكومة الحالية، لكنه يتساءل: كيف لكيانات هذه الوزارة في الداخل أن تتواصل فيما بينها بعد تأسيس الحكومة دون وزارة اتصالات؟

يقول الوزير “تعد الاتصالات قطاعًا أمنيًا بامتياز، ويمكن اختراقه، وبالتالي تكون الخسائر كبيرة، كيف للحكومة في الداخل أن تتواصل بين الوزارات والاتصالات غير مؤمّنة”، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية ترى ضرورة دمج كل المؤسسات الخدمية مع بعضها، لذلك غابت وزارة الاتصالات، وهي مهمة صعبة التحقق بحسب الوزير، إذ لا يمكن دمج الصحة مع الكهرباء والطرق وغيرها، “يجب أن تعمل الحكومة على الاستراتيجيات وتشرف على تنفيذ الخطط وتعرضها على الجهات الدولية وتحصل على الدعم لأجل التنفيذ وأن لا تنفذ بيدها أي ألا تنخرط بالتنفيذ لكي لا تغرق في التفاصيل”.

أبرز العقبات التي واجهت عمل الوزارة منذ تأسيسها:
– فقدان تجهيزات ومعدات بسبب الانهيارات العسكرية المفاجئة في مناطق عديدة منها تل رفعت شمال حلب.
– خسارة الشبكات والكابلات والتعدي على المقاسم وغيرها.
– مضايقات الفصائل العسكرية للعاملين المدنيين التابعين لكوادر الوزارة.
– هجرة الكوادر المتخصصة والخبرات.
– الضغط المادي الكبير على كوادر الوزارة وعدم القدرة على دفع الأجور.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات