عنب بلدي – العدد 70 – الأحد 23-6-2013
إن مسألة أسعار الصرف تشكل عنصرًا مهمًا ومؤثرًا في العلاقات الاقتصادية الدولية، وتعتبر جزءًا أساسيًا من العمل اليومي للوحدات الاقتصادية، ويعتبر سعر الصرف الأداة الأساسية للسياسة النقدية, ومؤشرًا عن القوة السياسية والاقتصادية للدولة.
وفي ظل الأزمات السياسية يكون سعر الصرف وبشكل مباشر العامل الأكثر تأثرًا، وتزداد حساسية سعر الصرف بشكل خاص في اقتصاديات الدول التي توصف باقتصاديات السوق الغير كفء، والتي لا تعتمد على مؤشرات اقتصادية مبنية على أسس علمية صحيحة يمكن أن يبنى عليها اتجاه السوق. وفي ضوء التطورات السورية لا سيما على الصعيد السياسي والعسكري، فإن الساحة الاقتصادية لن تكون بمنأى عن هذه التطورات، بل سيكون الوضع الاقتصادي انعكاس طبيعي لمجريات الأحداث في باقي المجالات.
ما هو سعر الصرف؟ يعرف سعر الصرف على أنه عدد الوحدات من النقد المحلي التي تتم مبادلتها بوحدة واحدة من النقد الأجنبي، ومن زاوية أخرى هو عدد الوحدات من العملة الأجنبية التي تدفع ثمنًا لوحدة واحدة من العملة الوطنية. إن سعر الصرف هو المرآة التي تعكس مركز الدولة التجاري مع العالم الخارجي، وذلك من خلال العلاقة بين الصادرات والواردات، إذ تعد أسعار الصرف أداة لربط الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي هذا من جانب، ومن جانب آخر إن استيراد السلـــع من إحدى البلدان الأجنبية يزيد مـــن الطلب على عملة هذا البلد الأجنبي في السوق الوطني، أو بعبارة أخرى فإن الواردات تزيد من الطلب على العملات الأجنبية وتزيد من عرض العملة الوطنية في الأسواق العالمية بينما الصادرات تزيد من الطلب الأجنبي على العملة الوطنية وتزيد من عرض العملات الأجنبية في السوق الوطني.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر بصورة أكثر عمقًا إلى أسباب تدهور قيمة الليرة السورية مقارنة بالعملات الأجنبية الأخرى، من خلال أربعة اتجاهات:
أولاً: الأحداث السياسية والعسكرية والتي تشكل ضغطًا كبيرًا على الليرة السورية الأمر الذي نتج عنه فقدان الثقة بالليرة السورية والاتجاه إلى تحويل المدخرات من الليرة السورية إلى العملات الأجنبية والتي تعتبر أكثر ضمانًا وحافظًا لقيمة الثروة، سواء كان ذلك للأفراد أو الكيانات الاقتصادية.
ثانيًا: انعدام الصادرات السورية إلى الخارج وخاصة النفطية منها، والتي تعتبر مصدرًا أساسيًا لموارد القطع الأجنبي إلى الداخل السوري، مقابل استمرار عمليات الاستيراد (وإن حصرت بالمواد الأساسية)، الأمر الذي انعكس في زيادة الطلب على العملات الأجنبية مقابل انخفاض المعروض منها، وزيادة العرض على الليرة السورية مقابل انخفاض الطلب عليها.
ثالثًا: عدم وجود آليات فعالة لدى مصرف سورية المركزي للتدخل في السوق، وعلى الرغم من تدخله لعدد من المرات وانخفاض سعر الصرف بحدود بسيطة، لكن سرعان ما عاد سعر الصرف للارتفاع، نتيجة فقدان الآليات الفاعلة في التدخل.
رابعًا: عمليات المضاربة التي تتم في السوق السوداء والتي كان لها أثر بالغ في التقلبات الكبيرة في سعر الصرف، نتيجة دخول رؤوس أموال كبيرة في هذا المجال استغلالاً للوضع الاقتصادي المتردي.
إن الانخفاض المستمر في قيمة الليرة السورية والذي هو بواقع الأمر انخفاض للقوة الشرائية لليرة السورية، شكل عبئًا على كاهل المواطنين وخاصة أصحاب الدخول المحدودة، بحيث لم يعد الدخل كافيًا لسد احتياجات الأسر السورية محدودة الدخل، في ظل الارتفاع المستمر للأسعار خاصة المواد الأساسية منها، وبالتالي فإن المتضرر الأول والأخير من تقلبات أسعار الصرف هو المواطن السوري.