بعمر الصبا، فكيف بك تقتلهم..الشهيد محمود رجب
عنب بلدي – العدد 70 – الأحد 23-6-2013
أكمل محمود عامه السادس عشر في فردوس ربه، بعد أن قضى صباه في داريا، وترعرع في مدارسها الابتدائية، ليتخلف بعدها عن الدراسة بضغط من أهله، نظرًا لسوء أوضاعهم المادية، ولسيادة عادات وتقاليد يجنح فيها الأهل نحو تعليم أبنائهم المهن العملية بدلًا من التعليم الأكاديمي.
حُرم الشهيد محمود من طفولته ومن حقوق الطفولة (لا تعليم، لا ألعاب، لا رعاية صحية، لا نوادي، عمل شاق، وضغط من رب العمل) إذ عمل في حرفة النجارة، وتعرض للكثير من العنف اللفظي والجسدي، حتى ظنه في أصدقائه خاب لسوء أخلاقهم، وقد عُرف عنه اعتزاله لمظاهر الترف والبذخ أو تقليد بعض الشباب الضائع عن هدفه، لتشاء العناية الإلهية أن تحيط محمود بالرعاية، وتُخرجه من البيئة السيئة التي يحيا فيها، فقرر وبصعوبة ترك مهنة النجارة بالرغم من تعذيب والده له على قراره، وعمل خياطًا مع الشهيد أبي العباس، إذ كان ملازمًا له في كل أعماله، ولينخرط محمود في ركب ثورة الكرامة، فيقدم كل ما ملكت يداه لأهالي الشهداء والمعتقلين، فلم تكن الثورة تعني لمحمود أكثر من التحرر من ظلم بيئته، وقسوة النجار ومشقة الحياة، وتخاذل الأقارب الذين لم يبدوا أقل اهتمامًا به وبأمه التي كانت تعاني من مشكلة صحية.
أبى أن يرى الظلم واقعًا على أهله وبيته وأبناء وطنه، دون أن يحرك ساكنًا، شارك في حمل ونقل السلاح من مكان إلى آخر، شرع بندقيته –والتي ربما تزيد عن وزنه بأثقال لصغر عمره- وانكب في الساحة مدافعًا عن أرضه ضد الطاغية، ليروي لنا أبو العباس قصة استشهاد محمود، «أطلقت عناصر الأمن في داريا القنابل الغازية وقذائف الهاون، قرب مشفى الرضوان، أصيب محمود بعدها بطلقات الرصاص، فأغمي عليه، وأسرع الشباب في نقله إلى داخل مسجد أبي مسلم الخولاني، وركضت في محاولة مني إسعاف محمود، فإذا بعناصر الأمن تدخل إلى المسجد، ويعلو في أذني صوت دوي حسبته تقدّم لمدفعية النظام، فإذا به صوت محمود، لم يكن ليُخطئني، فهو أكثر من أخ لي، فأغمي عليّ من هول ما رأيت بأخي، وعندما صحوتُ علمتُ نبأ استشهاد محمود تحت تعذيب عناصر الأمن له دونما علاج لجراحه التي استمرت تنزف دمًا أو ربما قهرًا وألمًا، فشباب بلدي بعمر الصبا جرّهم النظام نحو حمل السلاح، والموت ذودًا عن كرامتهم وأرضهم».
شدّ الله عضد محمود بأخيه أبي العباس في دنيا يحكمها طغاة وظلمة، ثم ليشاء المولى أن يختارهما لجواره في فردوسه، حيث لا يُلقّى عظيم مرتبتهما إلا ذو حظ عظيم…
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :