عنب بلدي – العدد 70 – الأحد 23-6-2013
علاء ظاظا – الحراك السلمي السوري
زاد الاهتمام في السنة الأخيرة بواقع الأطفال في سوريا وتأثير الحرب عليهم، وتعددت المبادرات المجتمعية الهادفة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي عن طريق الأنشطة المختلفة والبرامج التي تسعى للتخفيف عنهم.
يشعر الأطفال في أيام الحروب وحالات الكوارث بالخوف والضياع والإهمال ويكتشفون الحرمان وسوء المعاملة، ويشهدون أعمال العنف. وعندما يواجه الطفل بحدث صادم فإن طاقته تنحرف وتصبح أقل قدرة على مواجهة تحديات النمو مما يعيق اكتسابه لبعض المهارات الأساسية في حياته.
كيف يمكن أن نساعد هؤلاء الأطفال في مثل هذه الحالات؟
إنهم يحتاجون إلى الحماية والطعام والمأوى والعناية الصحية؟ وكذلك يحتاجون أيضًا إلى أناس يثقون بهم وأناس يفهمون مشاعرهم ويحاولون مساعدتهم على التعامل مع وضعهم.
أحد العوامل الحاسمة في تمكين الطفل من التعافي هو الدعم من قبل القائمين بالعناية لجعل الطفل يشعر بالأمان, والثقة والحماية.
وهذا يتطلب أن يكون لدى القائم بالرعاية القدرة على توفير الراحة وإعادة الأمان والروتين بدل أن تكون استجابته بحد ذاتها تعاني من مشاكل. فعندما يعاني القائم على رعاية الطفل من درجة عالية من اليأس فإن الطفل غالبًا ما يستجيب بشكل مماثل وكذلك عندما تكون الاستجابة غير مدروسة لتضع الطفل في تجارب يومية تعيد إحياء الحدث الصادم وتقلل فرصه في التعافي.
إن مع العسر يسرًا
على صعوبة الوضع الحالي وشدة المعاناة وقلة الموارد إلا أن هناك دائمًا هامش من اليسر يأتي مع العسر وليس بعده, وقدرتنا على الاستفادة من هذا الهامش تزيد من فرصنا في الانتقال إلى واقع أفضل رغم الظروف.
تحمل مبادرات المجتمع المدني والمجموعات التي نشأت لدعم الطفل أملًا كبيرًا في تغيير الواقع الحالي وأيضًا في كسر منظومة تربوية فاسدة حكمت مناهجنا وعقول أطفالنا. ووجد هامش من الحرية يسمح بأن تكون استجاباتنا لحاجات المجتمع أكثر تحررًا وأقرب إلى المفاهيم التي ننادي بها. من المعيب لجيل الثورة أن يقبل باستغلال الأطفال أو إهانتهم، ومن غير المنطقي أن ننادي بالحرية والكرامة والعدالة وننسى تغيير أفكارنا ومناهجنا وطريقة تعاملنا مع الأطفال بحيث لا تعكس هذه القيم. حقوق الطفل ليست رفاهية أو مفاهيم غربية، حقوقه تجسد ثورتنا بكل ما حملت من قيم ومبادئ.. وإذا لم تنعكس على سلوكنا في المجتمع ومع الأطفال فلا ثورة لنا.
إن أي مبادرة لدعم الأطفال يجب أن تنطلق من مبدأ مراعاة حقوقهم كاملة, وتهدف أولًا وأخيرًا إلى تحقيق مصالحهم وليس مصالحنا. ومع أي عمل لخدمة الأطفال يجب أن نسأل أنفسنا:
هل ما أقوم به يصب في مصلحة الطفل أولًا؟ هل ما أقوم به قد يلحق الأذى النفسي أو الجسدي به الآن أو في المستقبل؟ هل يمكن أن أحقق هدف هذا العمل دون إلحاق الأذى بالطفل؟
قد يدفعنا حماسنا للثورة إلى إشراك الأطفال في أنشطة مؤذية لهم من دون قصد, ولا تبرر الظروف هذا التقصير أو الاستغلال.
تصوير الأطفال دون مراعاة السرية قد يعرضهم للأذى، إشراكهم في المظاهرات وتحميلهم اللافتات التي غالبًا ما تنقصها موافقتهم المستنيرة على حملها، التركيز في أعمال الدعم النفسي على حشو رؤوسهم بأفكار ومفاهيم تعزز الصراع وتعيد التذكير بالأحداث الصادمة.
كل ذلك لا يبرره حسن النية، فنحن جيل اختار أن يصنع التغيير ولن نقبل بانتهاك أي حق من حقوق أطفالنا أو استغلالهم.
ثورة التربية
قد يعتقد البعض أن إشراك الأطفال في المظاهرات والأعمال الثورية المختلفة وتحميلهم اللافتات والأعلام سيبني جيلًا مشبعًا بقيم الحرية والكرامة, وهذا التصور قد يبرر سلوكهم لكنه يحمل في طياته أخطارًا كبيرة.
الحرية والكرامة ليست مفاهيم ثورية يقتصر تعلمها على المظاهرات أو اللافتات والشعارات، الحرية والكرامة حق من حقوق الطفل، يتعلمهم بشكل أساسي في البيت، حين يعبر عن رأيه، أو يشارك في صنع القرار، عندما يعيش في أمان واستقرار نفسي في بيئة تشجع على الحرية والكرامة.
لو رسم الطفل ألف علم، وحمل مئة ألف لافتة لن يزيده ذلك ذرة من كرامة أو حرية إذا كان يتعرض للضرب أو الإهانة في البيت أو المدرسة. في المقابل قد يتعلم الطفل كل ذلك وأكثر من تجربة واحدة لمس فيها سلوكًا يراعي حقوقه وكرامته في البيت.
بلدنا يعيش أهوال قيامة وولادة حياة جديدة وفي يد كل منا فسيلة، فإن استطعنا أن لا نقوم حتى نزرعها فلنفعل. وكما المستقبل يبدأ الآن كذلك السلام يبدأ في عقول أطفالنا ومن يزرع مثقال ذرة شرًا أو خيرًا فيهم فسنحصده جميعًا في المستقبل.